قالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير، الثلاثاء، أنه في مواجهة أزمة اقتصادية شديدة، قرر السيسي مؤخرا أن الوقت قد حان لإجراء محادثات مع ما تبقى من المعارضة السياسية في مصر، ما يمنح أعضاءها مقعدا على الطاولة بعد ما يقرب من عقد من القمع والسجن والنفي.
وانطلقت أولى جلسات الحوار الوطني في مصر، في 3 مايو، بمشاركة سياسيين وأحزاب وشخصيات عامة وبرلمانيين، لمناقشة قضايا عدة قُسمت إلى ثلاثة محاور، سياسية واقتصادية ومجتمعية.
وفي كلمة مسجلة بُثت خلال أولى جلسات الحوار، قال عبدالفتاح السيسي إن الحوار يهدف إلى “صالح وطننا العزيز ولرسم ملامح جمهوريتنا الجديدة، التى نسعى إليها معا.. دولة ديمقراطية حديثة ونضع للأبناء والأحفاد، خارطة طريق، لمستقبل واعد مشرق يليق بهم”.
وأضاف السيسي، في كلمته، أن دعوته للحوار الوطني، التي أطلقها في إفطار الأسرة المصرية في 2022، “تأتي من يقين راسخ لديه بأن أمتنا المصرية تمتلك من القدرات والإمكانيات، التي تتيح لها البدائل المتعددة، لإيجاد مسارات للتقدم في كافة المجالات، سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا وأن مصرنا الغالية، تمتلك من كفاءات العقول، وصدق النوايا، وإرادة العمل، ما يجعلها في مقدمة الأمم والدول”.
لكن الصحيفة أوضحت أنه في ظل المناخ غير الديموقراطي في مصر، فإن آفاق المصالحة تعتبر محدودة.
وذكرت أنه بمجرد بداية الحوار الوطني، سعت الحكومة إلى تطويق المحادثات، وهو مؤشر على أنه بعد سنوات من القمع السياسي والسيطرة العسكرية على الاقتصاد، لا تزال القيادة مترددة في بدء صفحة جديدة حتى لو كان هذا الأمر يلاقي قبولا لدى الناس والمقرضين الغربيين والحلفاء الخليجيين.
ووفقا للصحيفة، مُنع الإسلاميون من الحوار، ولم تتم دعوة كثيرين من المعارضة الليبرالية العلمانية، وتم تحديد الموضوعات التي ستتم مناقشتها، مع استبعاد أي شيء يتعلق بمسألة الأمن القومي.
وفي اليوم التالي للمحادثات التي انطلقت، في مايو الماضي، أشارت الصحيفة إلى أن مصر استيقظت على نبأ اعتقال عشرات من أقارب وأنصار أحمد الطنطاوي، وهو الشخص الوحيد حتى الآن الذي أعلن أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة أمام السيسي.
وتحدث السيسي عن رسم مسار سياسي واقتصادي جديد لمصر وسط ارتفاع التضخم، وفقدان العملة الحلية لأكثر من نصف قيمتها، في العام الماضي، ما دفع الطبقة الوسطى نحو الفقر، بحسب الصحيفة.
لكنها أوضحت أن الإصلاح الاقتصادي الذي وعدت به الحكومة لم يتعد كونه مجرد تصريحات مع القليل من الإجراءات.
وأشارت الصحيفة إلى التصريحات العلنية غير المعتادة لوزير الخارجية المصري الأسبق، عمرو موسى، في مايو الماضي، والتي قال فيها: “الحقيقة هي أن المصريين في الوقت الحالي يشعرون بقلق كبير وهم يتساءلون عن سياسات مصر وإلى أين تتجه”.
ووفقا لـ”نيويورك تايمز”، لطالما حذر الاقتصاديون والمحللون من أن الاقتصاد المصري الراكد الذي تسيطر عليه الدولة، إلى جانب إنفاق السيسي السخي على الأسلحة ومشاريع البناء التي أدت إلى نمو قصير الأجل، لكنها تسببت في ارتفاع فاتورة الديون بشكل ضخم، كانت غير سليمة.
وترى الصحيفة أن نقاط الضعف هذه أصبحت واضحة للغاية بعد غزو روسيا لأوكرانيا، العام الماضي، عندما ارتفعت أسعار واردات القمح والوقود، وجفت عائدات السياحة الروسية والأوكرانية، وسحب المستثمرون الأجانب الدولارات من مصر.
وأوضحت أنه رغم الجهود الرسمية لتصوير الأزمة على أنها تداعيات لا مفر منها للحرب، فإن الغضب الشعبي لا يزال مسموعا بصوت عالٍ، وفقًا لمعايير بلد يمكن أن يؤدي فيه انتقاد السلطات علنا للاعتقال.
وقال محللون للصحيفة إن محادثات المعارضة هي أحد المؤشرات على أن السيسي يشعر بالضغط. وأحد المؤشرات الأخرى ظهرت عندما قال عضو في البرلمان، الأسبوع الماضي، إن الانتخابات الرئاسية، المتوقعة العام المقبل، ستُقدم إلى نهاية العام الجاري.
واعتبر محللون ودبلوماسيون أن تقديم موعد الانتخابات على أنه إشارة إلى أن المؤسسة الحاكمة تخشى أن تنخفض شعبية السيسي أكثر قبل الموعد الأساسي للتصويت، بحسب الصحيفة.
لكن “نيويورك تايمز” أوضحت أنه رغم وجود أمل ضئيل في إجراء انتخابات حرة ونزيهة حقيقية، إلا أن السيسي والجهاز العسكري والأمني متوافقان مع المظاهر.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن الإقبال الكبير على التصويت سيشجع الرئيس على المطالبة بالدعم الشعبي قبل إجراء إصلاحات اقتصادية مؤلمة، لكن الصحيفة ترى أن المخاطر في مصر وصلت درجة كبيرة تُلزمها بإصلاح نفسها.
ويقول المحللون للصحيفة إن انتشار الفقر والمعاناة على نطاق واسع في مصر أصبح مضمونًا تقريبًا الآن، وقد يؤدي الانهيار الاقتصادي إلى إثارة الاضطرابات التي يمكن أن تمتد إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط ودفع الهجرة الجماعية إلى أوروبا.
وفي غضون أشهر، قد تضطر البلاد إلى الاختيار بين الوفاء بمدفوعات ديونها وإطعام العديد من المصريين الفقراء الذين يعتمدون على الخبز المدعوم من الحكومة.