نشرت صحيفة هآرتس العبرية وثائق تابعة للموساد وحكومة الاحتلال تعود لعام 1973 تكشف قيام ملك الاردن الملك حسين بن طلال بتسريب معلومات حول حرب أكتوبر قبل الحرب بأسابيع حيث تم عقد اللقاء معه في مقر للموساد بجوار تل أبيب.
وفي تفاصيل اللقاء التي كشفت عنه الوثائق، فقد جرى في الـ25 من سبتمبر 1973، أي قبل أيام من اندلاع الحرب، حيث عقد في منشأة للموساد خارج تل أبيب وجمع رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير وقيادات بالموساد وعسكريين مع العاهل الأردني الراحل الملك حسين..
اللقاء كان قد جرى بطلب من الملك حسين “الذي أراد أن يكشف لإسرائيل معلومات استخباراتية حول نوايا سوريا شن حرب لاستعادة مرتفعات الجولان” التي استولت عليها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967.
تفاصيل لقاء الملك حسين في الموساد:
نشر أرشيف الدولة تفاصيل لقاء مائير والملك حسين الذي حذرها من اندلاع الحرب، لكن دايان قدر أن المملكة من الشرق ستنضم للحرب، وقد يقع الملك تحت ضغط شديد من المصريين لأنهم بحاجة شديدة إليه، بحسب الوثائق.
من جهته، ذكر مدير مكتب رئيسة الحكومة إيلي مزراحي أنه “في يوم 25 سبتمبر، قبل أسبوعين من اندلاع الحرب، عقدت غولدا لقاء مع (ليفت) وهو لقب الملك حسين، الذي أبلغها أنه علم من مصدر حساس للغاية أن جميع الاستعدادات والخطط المتعلقة بالعملية السورية اكتملت، وأن الوحدات موجودة في مواقعها لمدة يومين، بما يشمل سلاح الجو والصواريخ، والاستعدادات المذكورة متخفية في شكل تدريب”.
وأضاف مزراحي: “سألته غولدا عما إذا كان ممكنا أن يقوم السوريون بالهجوم بدون التعاون الكامل من المصريين، فأجاب الملك بأنه لا يعتقد أنهم لن يتعاونون، وفي نهاية اللقاء مع (ليفت) اتصلت غولدا بديان وأبلغته بحديث الملك عن احتمال الحرب”.
الأرشيف الإسرائيلي يزعم أن “ليفت” لم يكن الاسم الرمزي الوحيد للملك حسين، ففي برقية أرسلها المدير العام لمكتب رئيس الوزراء مردخاي غازيت، إلى سفير إسرائيل في واشنطن سيمحا دينيتز في حزيران/ يونيو 1973، يظهر لقب آخر للملك وهو “ينوكا”، ويعني طفل بالعبرية، إشارة إلى أن الملك جرى تنصيبه قبل بلوغه سن الـ18.
وجاء في البرقية أن “ملك الأردن أكد للأمريكيين أن شرط أي اعتبار في منحه مساعدات من الدول العربية هو موافقته على نقل قيادة جيشه للقادة المصريين والسوريين، لكن القوات العسكرية الأجنبية لن تدخل الأردن إلا بعد الحصول على موافقة أردنية مسبقة على مصيرها وموقعها، وسيتم تشغيلها تحت قيادة أردنية، وعلى عكس حرب 67، فالأردن لن تنضم للحرب”.
ونوهت الوثائق إلى أن آخر مراسلة بين الملك حسين وغولدا مائير جرت عشية الحرب، وقبل ساعات فقط من اندلاع القتال، وعبر فيها العاهل الأردني عن تخوفه من دخول جيوش عربية إلى المملكة.
وتابع مزراحي: “عديدة هي الاعترافات الإسرائيلية التي سنقرأها في قادم الأيام وما زالت حتى اللحظة محتفظا بالعديد منها في أرشيف دولة الاحتلال، بما فيها سجلات الأحداث في مكتب رئيسة الحكومة، والمحادثات والمشاورات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين، وملخصات الاجتماعات، ومحاضر الجلسات الحكومية”.
وأشار إلى أن “جميع تلك الاعترافات مكتوبة بخط اليد، حتى أصبحت قراءتها صعبة للغاية، لأن خمسين عاما مرت على تدوينها، ولعل هذا التوثيق يكشف خطورة تلك الأحداث ساعة بساعة، والحاجة لتوثيقها، لأنه يقدم لمحة نادرة عن عمليات صنع القرار”.
مع العلم أن مزراحي مدير مكتب غولدا احتفظ بآلاف الوثائق السرية، وهدد بنشر كتاب فيها، وكشف أسرار الدولة، وبدلاً من اتهامه بالتجسس والخيانة، فقد دفعت له دولة الاحتلال مبالغ ضخمة كرسوم لصمته، لكنه توفي في 2001، وحتى الآن، وفقًا لأرشيف الدولة، لم يتم نشر المذكرات الكاملة التي كتبها أثناء الحرب.
استعدادات ما قبل الحرب:
يارون دروكمان المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، كشف أنه “قبل ساعات قليلة من بدء صيام يوم الغفران بين اليهود، جرت مناقشة أمنية في مكتب رئيسة الوزراء غولدا مائير، وعلى جدول الأعمال إجلاء العائلات السوفييتية من سوريا ومصر، والتمرين الذي أجراه البلدان معا.
وأشار المراسل إلى “وجود شبه إجماع حينها بين الحاضرين أنه ليس متوقعا اندلاع الحرب، وتظهر البروتوكولات والمواد التي نشرها أرشيف الدولة اليوم الخميس أن الشك رافق قادة الدولة حتى بداية الصيام، وبعده أيضا، كما يصفون اللحظة التي تغير فيها التصور، واعتراف ديان بأن التقييم استند لحرب 1967، وتبين لاحقا أنه غير صحيح”.
وأضاف في تقرير مطول استند لملخصات وصور نشرها موقع أرشيف الدولة، وترجمته “عربي21” أن “رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية – أمان، إيلي زعيرا، قدم لمحة عامة عن مصر وسوريا، بزعم أن يقظتهما ترجع أساسا للخوف من إسرائيل، دون تجاهل المناورات الروسية، وليس من الواضح سبب قيامهم بذلك”.
وتابع: “كان لرئيس الأركان ديفيد أليعازر (دادو) رأي مماثل أيضا، زاعما أن اعتقاده بأن السوريين والمصريين لن يهاجموا، ليس لدينا أي دليل على ذلك، مع العلم أن رئيس جهاز الموساد تسفي زامير لم يكن حاضرا في المناقشة، لأنه غادر إلى لندن بشكل عاجل للقاء صديقه، وهو أشرف مروان، المقرب من الرئيس المصري أنور السادات”.
وذكر دروكمان أن “ديان أبلغ الحاضرين في الجلسة أن الصور الجوية حددت معدات تابعة للقوات المصرية، ويبدو أن استكمال بناء الدبابات كان ناجحا، ليس 100%، لكنه قريب من ذلك، وعرض نقل رسالة للأمريكيين مفادها أن السوريين سيهاجمون إسرائيل، وإبلاغ الروس أنه ليس لدينا ميول عدوانية، وبعد ساعات قليلة، عقدت مشاورة أخرى في مكتب غولدا، وقدم زعيرا مراجعة أخرى، لكنه ظل ثابتًا في رأيه بأن الحرب لن تندلع”.
ونقل عن دادو قوله: “ما زلنا نعتقد أنه يحتمل جدا أن يكون التأهب السوري والمصري نابعا من الخوف منا، وأن تكون نواياهما الحقيقية القيام بأعمال عدوانية في اتجاهات محدودة، أي أن التقييم الأساسي لـ”أمان” بأننا لا نواجه حربا هو التقييم الأكثر ترجيحا، وما نراه من تشكيلات واستعدادات تحمل سمات الدفاع فقط، رغم أنه يمكنه الهجوم على الفور، لكن ليس لدينا دليل كاف على أنهم لا ينوون الهجوم بناء على المعلومات، وقبل 18 ساعة من شن مصر وسوريا هجوما مشتركا، قدر أننا سنتلقى المزيد من الأخبار باعتزامهم شن هجوم مباغت من نوع ما، فإذا علمنا بذلك قبل 12 أو 24 ساعة، فهذه أيضاً مفاجأة كبيرة”.
غولدا من جهتها “قارنت الأجواء السائدة عشية حرب أكتوبر 1973 بعشية حرب حزيران 1967، وفي صباح يوم 6 أكتوبر، وفي تمام السابعة والنصف مساء، وصلت لمكتبها في تل أبيب، وقرأ سكرتيرها العسكري ليئور في أذنها برقية أرسلها زامير أثناء الليل بعد لقائه أشرف مروان، وتلقى الحاضرون في الغرفة رسالة واضحة بأن الحرب مع مصر وسوريا لا مفر منها، وبعد نصف ساعة، جرت مناقشة خاصة بحضور ديان ودادو وزعيرا، والوزيرين يغآل آلون ويسرائيل غليلي، وكان أحد الأسئلة الرئيسية التي تم طرحها ما إذا كان ممكنا توجيه ضربة وقائية ضد المصريين والسوريين، لكن ديان أكد أنه لا يمكننا تحمل تكلفتها هذه المرة من وجهة نظر سياسية”.
غولدا أيدت موقف ديان بقولها إن “الضربة الاستباقية جذابة للغاية، لكننا لسنا في عام 1967، هذه المرة سنكون مكشوفين أمام العالم، ويعتبرون سلوكنا رجسا ومقتا شديدا وعملا بغيضا، لن يصدقونا”.