نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مقالا لرئيس تحريره الكاتب دافيد هيرست، قال فيه إنه بدلا من حلم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالقضاء على حركة “حماس”، فإن إسرائيل هي التي قد تنهار.
وأوضح هيرست في مقاله الذي ترجمته “عربي21” أن الحرب على غزة حسبة خاطئة بالنسبة لإسرائيل، وبالإضافة إلى ذلك هي كارثة أخلاقية وعسكرية، تغذي المقاومة وتشعل جذوة الغضب في كل مكان في أنحاء العالم العربي.
وتحدث هيرست في المقال عن مقاربات بين ما يجري من عدوان وحشي على قطاع غزة، وبين اجتياح بيروت عام 1982، والمجازر الإسرائيلية المرتكبة حينها.
كما سلط هيرست الضوء على دور السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، وحسين الشيخ، وعن مآلات تراجع شعبيتها بشكل كبير خلال العدوان على غزة.
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
بعد وابل إسرائيلي كثيف جداً من النيران أثناء حصار بيروت في شهر يوليو (تموز) من عام 1982، اتصل الرئيس الأمريكي رونالد ريغان برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن للمطالبة بوقف القصف.
حينها قال ريغان: “هنا، الليلة تلو الأخرى، تعرض على شعبنا رموز هذه الحرب، وإنها لمحرقة”.
على النقيض مما عليه حال الديمقراطي الذي يتربع على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض اليوم، كان رئيس الولايات المتحدة الجمهوري قادراً، بل ومستعداً، لتصديق كلامه بالفعل. حينها أوقفت الولايات المتحدة تدفق الذخيرة العنقودية وعلقت مبيعات طائرات إف 16 لإسرائيل.
ثمة تباين كبير في أرقام ضحايا الحرب في لبنان، حيث تشير التقديرات اللبنانية إلى أن عدد القتلى من اللبنانيين والفلسطينيين الذين سقطوا خلال الشهور الأربعة التي تلت بدء الغزو كان 18085. أما طبقاً للأرقام التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية، فقد وصل عدد من قتلوا أو جرحوا من المدنيين إلى 49600.
خلال شهرين فقط، قتلت إسرائيل ما يصل إلى هذا العدد من الناس، ولكنها أحدثت من الدمار داخل قطاع غزة ما يفوق بكثير ذلك الذي أحدثته في حرب لبنان.
طبقاً لما يقوله محللون عسكريون قابلتهم صحيفة ذي فاينانشال تايمز، فإن التدمير الذي ألحقته إسرائيل بشمال غزة، حيث تم تدمير 68 بالمائة من المباني بحلول الرابع من ديسمبر (كانون الأول)، يشبه ذلك الذي أحدثه قصف الحلفاء من دمار في كل من هامبورغ (75 بالمائة) وكولون (61 بالمائة) ودريزدن (59 بالمائة)، إلا أن تدمير تلك المدن تم على مدى عامين من القصف.
لقد قتل ما يقرب من عشرين ألف فلسطيني، سبعون بالمائة منهم من النساء والأطفال، خلال نصف الفترة الزمنية التي استغرقتها إسرائيل لإجبار منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة بيروت الغربية في عام 1982. ورغم ذلك، ما زال تعطش إسرائيل للدماء لم يطفأ بعد، رغبة في الانتقام من هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
تعبيراً عن المزاج الشعبي في إسرائيل، قال زفي يهزكيلي، مراسل الشؤون العربية في القناة الثالثة عشر الإسرائيلية، ينبغي على إسرائيل قتل مائة ألف فلسطيني. أما دانييلا ويز، رئيسة حركة الاستيطان الإسرائيلية، فقالت إنه ينبغي مسح غزة تماماً من الوجود، حتى يتمكن المستوطنون من رؤية البحر.
أرض مقدسة
على النقيض من حصار بيروت أو من مذابح مخيمات اللاجئين في صبرا وشاتيلا في عام 1982، يتم الآن نقل القصف الذي تتعرض له غزة ليلة بعد ليلة عبر البث الحي لقناة الجزيرة.
لا يستطيع ملايين العرب منع أنفسهم من مشاهدة المناظر المروعة التي تردهم أولاً بأول. في عمان، العاصمة الأردنية، قالت امرأة تبلغ من العمر 91 عاماً لابنها إنها تخجل من أن تتناول وجبة الطعام أمام التلفزيون بينما تمارس إسرائيل التجويع بحق أهل غزة.
ليس من المبالغة القول بأن إسرائيل تمارس تجويعاً جماعياً قسرياً.
لقد اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش إسرائيل باستخدام التجويع الجماعي سلاحاً من أسلحة الحرب. ولقد تأكد تجويع غزة كسياسة رسمية تنتهجها الحكومة الإسرائيلية من قبل ميري ريغيف، وزيرة النقل، التي سألت خلال اجتماع أخير للحكومة عما إذا كان التجويع سيطال قيادة حماس كذلك. فما كان من زملائها إلا أن سارعوا بتنبيهها إلى أن ممارسة التجويع جريمة حرب.
إن تأثير تلك الصور كارثي تماماً، ليس فقط بالنسبة لهذه الحكومة، أو بالنسبة لأي حكومة إسرائيلية تتشكل في المستقبل، ولكن أيضاً بالنسبة لأي عدد من اليهود قد يقررون البقاء في هذه الأرض بعد أن ينتهي أخيراً هذا الصراع.
لا ريب في أن تدمير غزة يرسي القواعد لخمسين سنة أخرى من الحرب. فلن تنسى أجيال متعاقبة من الفلسطينيين، ومن العرب والمسلمين، أبداً الوحشية التي تقطع بها إسرائيل اليوم أوصال القطاع. وها هي غزة، التي غدت مخيماً ضخماً للاجئين، تتحول إلى أرض مقدسة.
هناك من بين الإسرائيليين من وصلته الرسالة. ومن هؤلاء عامي أيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الوطني، شين بيت، والقائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلي. فقد وضع أيالون إصبعه على نقطة ضعف أساسية في التفكير التقليدي ضمن الدوائر الأمنية الإسرائيلية.
في حديث مع آرون دافيد ميلر، المحلل الأمريكي المختص بشؤون الشرق الأوسط، قال عامي أيالون إنه بينما يرى الجيش الإسرائيلي النصر من خلال عدسة القوة الصلبة – أي أن النجاح يقاس بعدد من يتم قتلهم من الناس وبحجم ما يتم تدميره من معيشتهم – ترى حماس النصر من خلال عدسة “القوة الناعمة” – أي أن النصر يقاس بمقدار ما يتم كسبه من قلوب وعقول الناس.
يرتكب الإسرائيليون الآن نفس الخطأ الذي ارتكبه الفرنسيون من قبل في الجزائر عندما قتلوا ما بين نصف مليون إلى مليون ونصف المليون جزائري، أي ما نسبته 5 إلى 15 بالمائة من إجمالي تعداد السكان حينذاك، ما بين عام 1954 وعام 1962، ظناً منهم أنهم بذلك سوف يضمنون كسب الحرب. إلا أنهم اضطروا في نهاية الحرب إلى المغادرة ومنح الجزائر استقلالها.
لا شيء آخر يمكنه تفسير هذا الصعود المذهل في شعبية حركة حماس في استطلاعات الرأي التي أجريت في الضفة الغربية، بل وحتى في تلك التي أجريت في المملكة العربية السعودية، حيث سعت القيادة هناك، عن قصد، إلى شغل الناس عن متابعة أخبار الحرب من خلال ما تنظمه من مهرجانات ترفيهية.
في استطلاع للرأي نظمه خليل الشقاقي، والمعروف بانتمائه إلى منظمة التحرير الفلسطينية وعدم تعاطفه مع حركة حماس، تبين أن 72 بالمائة ممن شاركوا في الاستبيان يعتقدون بأن حماس كانت “صائبة” في شنها لهجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، كما تبين أيضاً أن 82 بالمائة من سكان الضفة الغربية يدعمونها.
في نفس الوقت تراجع الدعم الذي تحظى به السلطة الفلسطينية، بل خلص الشقاقي من استطلاعه لآراء الناس إلى أن 60 بالمائة منهم يرون ضرورة حلها.
كما تؤكد سلسلة من التحليلات الصادرة عن أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة هذا الصعود الحاد في شعبية حركة حماس منذ بدء الحرب. ويقول مسؤولون على اطلاع بتفاصيل هذه التحليلات إن الحركة نجحت في كثير من أرجاء العالمين العربي والإسلامي في احتلال موقع المدافع عن القضية الفلسطينية والذي يحارب بفعالية ضد إسرائيل، وذلك بحسب تقرير بثته قناة السي إن إن.
لا ريب في أن هذه الأخبار غير سارة بالنسبة لكل تلك البلدان – وعلى رأسها بطبيعة الحال الولايات المتحدة – التي تظن أن بإمكان السلطة الفلسطينية أن تحل محل حماس في قطاع غزة. ما نحن بصدده ليس مجرد أرقام، بل إنه الواقع السياسي لما بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
كل من يقول سوى ذلك من “نبلاء” فتح، يواجه مباشرة بالمعارضة. ولذلك يبدو القيادي الفلسطيني الطامح والمبعد محمد دحلان وعشيرته اليوم كما لو أنهم، ومنذ زمن طويل، من أنصار حركة حماس. وكأنه لم يكن العنصر الأساسي المتواطئ في المؤامرة الدولية للإطاحة بحماس في قطاع غزة عام 2007 بعد فوزها الساحق في الانتخابات الحرة والنزيهة التي أجريت قبل ذلك بعام.
أمر محتوم
إلا أن ثمة من لم تصله بعد أنباء التغير في مزاج الشارع في رام الله. إنه حسين الشيخ، الذي رشح مؤخراً لخلافة محمود عباس، وأمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
في مقابلة مع وكالة رويترز، هاجم حسين الشيخ حركة حماس، وقال إنها خاضت خمس حروب ضد إسرائيل منذ عام 2008، ولم تحقق شيئاً من خلال تحدي الاحتلال عسكرياً.
وأضاف: “ليس مقبولاً أن يعتقد البعض بأن أسلوبهم ومقاربتهم في إدارة الصراع مع إسرائيل هو الأسلوب الأمثل أو المقاربة الأفضل”.
ومضى يقول: “بعد كل هذا القتل وبعد كل هذا الذي حدث، ألا يستحق الأمر إجراء تقييم جاد ونزيه ومسؤول من أجل حماية شعبنا وحماية القضية الفلسطينية؟ ألا يستحق الأمر أن نناقش كيف ينبغي أن ندير هذا الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي؟”.
وفيما يتعلق بتولي السلطة الفلسطينية مقاليد الأمور في غزة ما بعد الحرب، فهذا كما بدا من كلام حسين الشيخ أمر محتوم. حيث صرح للقناة الإسرائيلية الثانية عشر بأن إسرائيل والسلطة الفلسطينية اتفقتا على آلية من شأنها أن تسمح للسلطة بتسلم الأموال التي تحفظ عليها الإسرائيليون منذ اندلاع الحرب.
لكن حسين الشيخ لم يلبث خلال أقل من يومين أن استدار 180 درجة وتراجع عن هجومه على حركة حماس. فقد سئل كيف يمكن لقائد فتحاوي لم يحظ بأكثر من ثلاثة بالمائة في استطلاع الرأي أن ينبري لانتقاد حركة حماس التي حصلت على 48 بالمائة داخل ساحته هو.
متحدثاً عبر قناة الجزيرة، زعم حسين الشيخ أن تصريحاته حول محاسبة حركة حماس تم تحريفها، وقال محتداً: “إن السلطة الفلسطينية هي أول من يدافع عن المقاومة”.
بالفعل، لقد بدل هجوم إسرائيل على غزة حال الشرق الأوسط، تماماً كما وعد بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن ليس بالطريقة التي سوف تعود بالنفع على حكومته أو على أي حكومة قادمة في المستقبل.
على مدى سبعة عشر عاماً ظلت غزة طي النسيان وتجاهلتها بقية دول العالم، ربما فيما عدا أثناء الحروب التي نشبت في 2009 و2012 و2014 ثم في 2021. طوال ذلك الوقت، سعت الولايات المتحدة، ومعها القوى الأوروبية الرئيسية المتحالفة معها، بكل ما أوتيت من قوة إلى ترسيخ الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة كل من إسرائيل ومصر عبد الفتاح السيسي.
والآن، أما وقد دمر ستون بالمائة منها، وبات الجزء الأكبر من سكانها البالغ تعدادهم 2.3 مليون نسمة بلا بيوت ولا مدارس ولا مستشفيات ولا طرق ولا دكاكين ولا مساجد يعودون إليها، لم يعد ثمة خطر في أن يطوي النسيان أو التجاهل غزة بعد الآن.
إذا كانت السياسة التي انتهجتها إسرائيل على مدى سبعة عشر عاماً هي فرق تسد، وذلك من خلال فصل غزة عن الضفة الغربية والحيلولة دون مشاركتها في تشكيل حكومة وحدة وطنية، فها هما غزة والضفة الغربية قد توحدتا كما لم يحدث بتاتاً من قبل.
وإذا كان الأردن قد التزم الصمت على مدى خمسين عاماً منذ الحرب الدموية بين الجيش ومنظمة التحرير، وإذا كانت الانقسامات بين المواطنين الشرق أردنيين والفلسطينيين في الأردن قد اتسمت بشعور متبادل بعدم الثقة، فها هو الأردن اليوم، بأردنييه وفلسطينييه، يتحول إلى مستودع يغلي بالكراهية ضد إسرائيل. وقد شهد مؤخراً محاولات مهمة لتهريب الأسلحة إلى داخل الضفة الغربية عبر حدود يزيد طولها عن 350 كيلومتراً، أي ما يزيد عن أربعة أضعاف حدود إسرائيل مع لبنان وسوريا.
يرى الأردن أن إسرائيل قد تحتاج إلى خمسة أضعاف عدد الجنود الذين تنشرهم في الشمال لتأمين حدودها مع لبنان.
بما يوجد فيه من ثلاثة عشر مخيماً للاجئين، وما يقيم فيه من ملايين الفلسطينيين، الذين هم مواطنوه، يعتبر الأردن أكبر مستودع للفلسطينيين في الشتات، إذ يبلغ تعداد هؤلاء الفلسطينيين ستة ملايين نسمة، أي أن عددهم يتجاوز عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إذا كان نتنياهو قد تبجح يوم السادس من أكتوبر (تشرين الأول) بأن انتصار الصهاينة بات وشيكاً، فراح يلوح بخارطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مسحت منها تماماً فلسطين فلم يعد لها وجود، ما من شك في أن تفاخره ذاك يبدو اليوم في غير محله. وإذا كان توقيع المملكة العربية السعودية على صفقة الاعتراف بإسرائيل قد اعتبر حينها أمراً واقعاً لا محالة، فها هي اتفاقيات أبراهام تتلاشى اليوم إذ تذوب في مرجل الحمم الذي توقد تحته إسرائيل في غزة.
إذا كنت اليوم تقرأ أو تسمع ما يقوله أهل السعودية والبحرين وقطر والإمارات، فإن اتفاقيات الاعتراف بإسرائيل غدت أشبه بما كانت عليه المبادرة العربية للسلام التي صدرت في عام 2002، والتي إنما جاءت تلك الاتفاقيات لتحل محلها.
من أهم سمات اتفاقيات أبراهام، والتي صاغها السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل دافيد إم فريدمان بالتعاون مع جاريد كوشنر، هو تحويل حق الفلسطينيين في النقض إلى شيء لا قيمة له. ولكن ها قد عاد من جديد الآن. وحتى لو وقعت بلدان أخرى، فذلك هو الذي لم يعد له قيمة، إذ غدا القتال الحقيقي هو ذلك الذي تدور رحاه بين الفلسطينيين وإسرائيل.
في حطام كل هذه المخططات، لم يعد أمام نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف سوى اتجاه واحد بإمكانهم أن يمضوا فيه – نحو الأمام. لم يعد بإمكانهم التراجع.
من أجل النجاة بنفسه سياسياً وقانونياً، لا مفر من أن يستمر نتنياهو في الحرب. وكذلك هو الحال بالنسبة للصهيونية الدينية القومية. يعلم كل من إيتامار بن غفير وبيزاليل سموتريتش أنهم سوف يفقدون فرصة لا تتاح إلا مرة واحدة في العمر لتغيير المعادلة السكانية لليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية فيما لو أجبر نتنياهو من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن على وقف الحرب.
عندما توجه موقع ميدل إيست آي إلى عدد من كبار المحللين والدبلوماسيين السابقين في إسرائيل بسؤال حول خطط إسرائيل “لليوم التالي” بعد انتهاء الحرب، كان بينهم إجماع في الإجابة، حيث قالوا إنه لا وجود لأي خطط.
وقال إيران إيتزيون، الدبلوماسي السابق وعضو مجلس الأمن القومي في إسرائيل، إن نتنياهو كان بالفعل يفكر باليوم التالي، ولكن فقط من حيث تأثير ذلك على فرصه في النجاة سياسياً.
وتابع: “من الواضح جداً أنه مدرك لحقيقة أن الأمريكان سوف يوقفونه قبل أن يحقق غاياته من الحرب”.
وأضاف: “وها هو يستعد الآن “للعبة تبادل الملامة”، والتي سوف يستهدف من خلالها بايدن والمسؤولين في الجيش ووسائل الإعلام، وكما نقول بالعبرية، كل العالم وزوجته، باعتبار أن هؤلاء جميعاً حالوا بينه وبين تحقيق النصر. ولذلك فإن اليوم التالي بالنسبة له يعني استمرار الحرب بأي وسيلة ممكنة، والهدف هو بقاؤه في السلطة”.
ولاحظ إيران إيتزيون أنه حتى بعد شهرين من الحملة، لم يكن هناك منتدى رسمي أو مجموعة من المسؤولين تخطط للحكم في غزة ما بعد الحرب، ولم تكن هناك أي نقاشات رسمية حول ذلك بين المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والمسؤولين الأمريكيين في واشنطن.
حسابات خاطئة بشكل مذهل
وفعلاً، قد تنخفض وتيرة الحرب بضغط من الولايات المتحدة وتستمر على شكل صراع يتمثل في ضربات يوجهها الجيش الإسرائيلي ضد قيادة حماس وإلى حرب عصابات ممتدة يشارك فيها مقاتلون يمارسون نشاطاتهم انطلاقاً من وحدات صغيرة.
ولكن ذلك لا يتضمن فقط استيلاء إسرائيل على معبر رفح وإغلاق الأنفاق تماماً لمنع حماس من التزود بالسلاح عبر الحدود، بل يعني قيام إسرائيل بتوفير الإدارة المدنية لشمال غزة، والتي قامت هي نفسها بتدميره تماماً.
بالنسبة للجناح اليميني، لا يعنيهم ما إذا عاش أو مات الرهائن الذين تحتجزهم حماس. أما بالنسبة لنتنياهو فلسوف يتعرض لضغوط متزايدة من قبل عائلاتهم لكي يتخلى عن الحرب.
ها هي أشباح لبنان تعود لتطارد إسرائيل من جديد. استغرقت إسرائيل خمسة عشر عاماً حتى تغادر بعد أن غدت بيروت لا تحتمل، ولكنهم غادروا بالفعل في عام 2000. وعندما غادروا، أصبح حزب الله هو القوة العسكرية والسياسية المهيمنة في البلاد.
لقد أثبتت هذه الحرب أنها بالنسبة لإسرائيل حسبة خاطئة بشكل مذهل. فبالإضافة إلى أنها كارثة أخلاقية، فإنها كارثة عسكرية كذلك. إذ أنها أكسبت المقاومة شعبية ووضعاً في العالم العربي لم يُعهد مثله منذ عقود طويلة.
حتى الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية لم تكونا بالنجاح الذي حققته حماس في غزة على مدى الشهرين الماضيين. لقد أشعلت غزة جذوة الغضب في كل مكان في أنحاء العالم العربي وأوجدت الإحساس لدى الجماهير بأنها تعرضت للمهانة على أيدي المهاجرين اليهود.
يمكن لهذه الحرب أن تفضي إلى حالة مستمرة من الصراع، الأمر الذي سوف يحرم إسرائيل من الزعم بأنها غدت دولة طبيعية على النمط الغربي. في مثل هذه الأوضاع، سوف يظل احتمال استمرار الحرب قائماً، كما تثبت ذلك الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن على الملاحة الغربية التي تمر عبر البحر الأحمر.
“ميتوت حماس” (انهيار حماس) شعار باللغة العبرية، وهو الغاية التي حددتها لنفسها وزارة الحرب الإسرائيلية. بعد شهرين من هذا التدمير، بإمكانهم أن يعيدوا النظر في هذا الشعار بحيث يصبح “ميتوت إسرائيل”، لأن هذا هو الأثر الذي قد تفضي إليه هذه الحرب.