دفع رئيس الوزراء في الاحتلال بنيامين نتنياهو، حكومته في أزمة إقليمية بدت ملامحها واضحة في توتر العلاقات مع كل من مصر وقطر والأردن، حسب تصريحات متبادلة تعكس توتر العلاقات.
ففي غضون 24 ساعة، بدأت تتصدر أزمات نتنياهو مع مصر وقطر والأردن عناوين وسائل الإعلام في الاحتلال.
وبحسب إعلام عبري، رفض عبد الفتاح السيسي تلقي اتصالا هاتفيا من نتنياهو، ووجهت الخارجية القطرية انتقادات مباشرة وعلنية له شخصيا، فيما اتجهت حكومته إلى تهديد الأردن.
ولا تقيم قطر علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فيما وقعت مصر اتفاقية سلام معها في 1979، ووقع الأردن معاهدة سلام معها عام 1994.
مصر:
ومساء الأربعاء، كشف المحلل السياسي الإسرائيلي إيتمار ايخنر، أن “نتنياهو حاول الاتصال بالسيسي، لكن تم رفض طلبه”.
وأضاف في مقال بصحيفة “يديعوت احرونوت”: “يبدو أن نتنياهو وجه الدعوة للاتصال من خلال مجلس الأمن القومي، لكن المصريين اختاروا عدم قبولها”.
ولفت ايخنر إلى أن “مكتب رئيس الوزراء حاول التهوين من شأن الأمر، مدعيا أنه سيتم إجراء المكالمة في وقت لاحق”.
غير أنه استدرك بالقول: “آخر مرة تحدث فيها الاثنان كان صيف 2023، عقب هجوم نفذه جندي مصري أدى إلى مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين على الحدود”.
وتابع: “بغض النظر عن ذلك، فإن البلدين يتحدثان بشكل منتظم، حيث سافرت وفود إسرائيلية عديدة إلى مصر في الأسابيع الأخيرة، وسط جهود الوساطة المصرية إلى جانب قطر لتأمين صفقة إطلاق سراح الرهائن بغزة”.
لكن ايخنر اعتبر أنه “يمكن أن تكون محاولة الاتصال الهاتفي الفاشلة التي أجراها نتنياهو مرتبطة بالتوترات الأخيرة مع الجانب المصري، والتي أثارت غضبًا متزايدًا بسبب التصريحات الإسرائيلية بشأن محور فيلادلفيا”.
و”محور فيلادلفيا” هو امتداد من الأرض على طول حدود غزة مع مصر، أكد نتنياهو في أكثر من مناسبة، أنه من الضروري السيطرة العسكرية عليه، كما زعمت إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بأن المصريين هم من يعرقلون المساعدات الإنسانية إلى جنوب غزة.
ورد السيسي تلك الاتهامات : “مصر ليست السبب في عدم وصول المساعدات”، وأضاف: “معبر رفح مفتوح على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، لكن الإجراءات الإسرائيلية تعطل المساعدات التي تشتد الحاجة إليها، وهذا ليس من قبيل الصدفة، إنه تكتيك إسرائيلي لممارسة مزيد من الضغط (على حماس) لإطلاق سراح الرهائن”.
كما حذر ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية (حكومية)، من تداعيات محتملة على العلاقات الإسرائيلية المصرية إذا تم القيام بعمل عسكري على الحدود بين غزة ومصر.
وأضاف ايخنر أن “أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه سيضر حتما بالعلاقات الثنائية، وأكاذيب إسرائيل في هذا السياق، تهدف إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال الذي يتعارض بشكل مباشر مع الاتفاقيات الدولية”.
من جهتها قالت صحيفة “معاريف”، الخميس، إن “الحرب في غزة تضع العلاقات الإسرائيلية المصرية أمام تحديات صعبة”.
قطر:
لم تتوقف أزمات نتنياهو السياسية عند مصر، إذ تسرب تسجيل له الأربعاء، يوجه فيه انتقادات حادة لقطر ولعلاقات واشنطن مع الدوحة.
هيئة البث العبرية، قالت الأربعاء إن “نتنياهو انتقد في جلسة مغلقة مع أهالي الرهائن الوساطة القطرية إزاء حماس وعدم ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على قطر”.
هذا الانتقاد دفع قطر إلى الرد بحدة، إذ قال متحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصاري: “نستنكر بشدة التصريحات المنسوبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي في تقارير إعلامية مختلفة حول الوساطة القطرية”.
وأضاف على منصة “اكس” الأربعاء: “في حال أثبتت صحة التصريحات، فهي غير مسؤولة ومعرقلة للجهود المبذولة لإنقاذ أرواح الأبرياء، ولكنها ليست مفاجئة” وإن نتنياهو “يعرقل ويقوض جهود الوساطة لأسباب سياسية ضيقة بدلا من إعطاء الأولوية لإنقاذ الأرواح”.
المقربون من نتنياهو حاولوا تحميل عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة مسؤولية تسريب فحوى اللقاء، وهو ما نفته العائلات بشدة داعية الى “وقف هذا الجنون”.
وردا على تلك الاتهامات قالت العائلات، الخميس، في بيان: “يتم تسجيل جميع المحادثات في الاجتماعات مع رئيس الوزراء من قبل مكتبه ومعاونيه الجالسين في الاجتماع، وتم أخذ هواتف العائلات المشاركة في الاجتماع عند المدخل”.
وأضاف البيان: “القرار بشأن تسريب المعلومات المتعلقة بالصفقة ووسطائها يعود إلى مكتب رئيس الوزراء”.
الأردن:
أزمات رئيس الوزراء مع مصر وقطر لم تكن الأخيرة، بل طالت الأردن كذلك، على خلفية امتعاض نتنياهو من تصريحات الملكة رانيا ووزير الخارجية أيمن الصفدي ضد الحرب، وبناءً عليه هددت تل أبيب بعدم تمديد اتفاقية المياه مع عمان.
وقالت هيئة البث، الخميس: “تدرس وزارة الطاقة الإسرائيلية عدم تمديد اتفاقية المياه مع الأردن، بسبب التصريحات المناهضة لإسرائيل التي سمعتها من مسؤولين كبار في المملكة، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، فيما يتعلق بالحرب في غزة”.
وأشارت إلى أنه “بموجب اتفاقية المياه الحالية (تم التوصل إليها في 2021)، تقوم إسرائيل بنقل 100 مليون متر مكعب من المياه إلى الأردن كل عام، بدلاً من 50 مليون متر مكعب من المياه كما نصت اتفاقية السلام بين البلدين، وذلك مقابل إنتاج الكهرباء في الأردن لإسرائيل”.
واستدركت: “لم يتم اتخاذ القرار النهائي بهذا الشأن (عدم التمديد) بعد، ويعتمد الأمر على تطور العلاقات مع الأردن وكيف سيعبر الأردنيون عن موقفهم تجاه الحرب في المستقبل القريب”، وذكرت أنه “إذا لم يتم تمديد الاتفاقية، فسوف تنتهي صلاحيتها هذا العام”.
وقالت: “من بين تصريحات الصفدي المتطرفة ضد إسرائيل قوله ما من شيء يبرر الحرب في غزة، وأن الحرب ليست دفاعًا عن النفس بل عدوانا سافرا من إسرائيل، والأردن سيفعل كل ما هو ضروري لمنع تهجير الفلسطينيين”.
ولفتت إلى أن “الصفدي أعلن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تعليق اتفاقية المياه بين إسرائيل والأردن عقب الحرب (على غزة)”.
وقال حينها “لن نستطيع مواصلة اتفاقية الطاقة مقابل المياه؛ لأنه لا يمكن لوزير أردني أن يجلس إلى جانب وزير إسرائيلي لتوقيع اتفاق، بينما هم يقتلون إخواننا في غزة”، لكن لم تصدر خطوات ملموسة بهذا الشأن.
فيما لم تذكر الهيئة أي تصريحات للملكة رانيا بشأن الحرب على غزة، لم يصدر موقف من الأردن تعليقا على ذلك حتى الساعة 9:30 (ت.غ).
أما موقع “واينت” العبري، فأشار الخميس، إلى أنه في خضم مفاوضات إطلاق سراح الأسرى المحتجزين بغزة، يجد نتنياهو نفسه على خلاف مع الوسيطين مع “حماس” (قطر ومصر)، مشددا على أن العلاقات معهما “بالغة الأهمية لإطلاق سراح الرهائن والتوصل لصفقة في ظل ظروف سيئة قدر الإمكان بالنسبة لإسرائيل”.
علاقته مع واشنطن:
وحتى عن العلاقات بالولايات المتحدة، لفت “واينت” إلى أن “التوترات الكبيرة بين نتنياهو والإدارة في واشنطن وردت أكثر من مرة في تقارير”.
وأضاف الموقع أنه وبحسب التقارير، فإن مقربين من الرئيس الأمريكي جو بايدن نصحوه مؤخراً بالتبرأ من نتنياهو والإعلان عن فقدان الثقة به، معتبرينه “يجر الحرب لأسباب سياسية”.
وتابع: “منذ ذلك الحين، تحدث بايدن ونتنياهو بالفعل، لكن تلك المحادثة أدت على الفور إلى عاصفة أخرى أحاطت بمعارضته (نتنياهو) للضغوط الأمريكية للتوصل إلى مخطط لإنهاء الحرب على أساس حل الدولتين، وفي واشنطن كان الأمر كذلك”.
وأردف: “وفي واشنطن، أفادت التقارير أنه حتى أصدقاء إسرائيل في الكونغرس، بما في ذلك المشرعون الجمهوريون، يشعرون بإحباط من نتنياهو ويخشون من تأثره بالاعتبارات السياسية”.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 يشن الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة، خلفت حتى الأربعاء “25 ألفا و700 شهيد و63 ألفا و740 مصابا معظمهم أطفال ونساء”، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في “دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب الأمم المتحدة.