تعرض نحو 80 ألف شاب الأسابيع الماضية، لعملية نصب واسعة من منصة المراهنات الهندية الأصل (SGO.CC)، والتي تعمل في مصر منذ الصيف الماضي، مما ادى لخسارة مدخراتهم ومبالغ تقدر بنحو 500 مليون جنيه .
500 مليون جنيه..
منصة مراهنات متهمة بالنصب على آلاف المصريين pic.twitter.com/kePEAkCEvu— شبكة رصد (@RassdNewsN) March 24, 2024
وإلى “إدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات” بوزارة الداخلية المصرية المعروفة باسم (مباحث الإنترنت) في العاصمة المصرية القاهرة وبعض المحافظات، تقدم آلاف الشباب ببلاغات متتابعة منذ نهاية فبراير الماضي، تتهم القائمين على تلك المنصة بالنصب عليهم، وغلق التطبيق بعد الاحتيال عليهم والسطو على أموالهم.
البلاغات وفق ما نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تشير إلى أن القائمين على المنصة قاموا بإغرائهم بتحقيق أرباح كبيرة من خلال المراهنات على نتائج مباريات كرة القدم الأوروبية، وذلك بتحويل الأموال عبر رقم مخصص من نظام “فودافون كاش” للدفع الإليكتروني، والتابع لشركة “فودافون مصر”.
وقال المحامي خالد عبد العزيز دفاع الضحايا، لموقع المحلي إن “المنصة بدأت في إبريل 2022، وأغلقت في فبراير الجاري، موضحا أن عدد ضحاياها تخطى الـ80 ألف مصري، تحصلت منهم المنصة على أكثر من 500 مليون جنيه.
ومن البيانات المتاحة، أن المنصة ظهرت بالهند قبل نحو عامين، للاستثمار في الأحداث الرياضية عبر الإنترنت والمراهنات الرابحة، تحت مسمى “جف فوتبول”، وقدمت خدماتها في ديسمبر 2022، ولمدة نحو عام ونصف، حتى أغلقت في مايو 2023.
وفي 16 يونيو 2023، ظهرت الشركة للعمل في مصر تحت اسم (SGO.CC) من خلال مجموعات خاصة عبر تطبيق “تليجرام”، وشهدت خلال أقل من 9 أشهر رواجا كبيرا بين الشباب المصري عبر الإنترنت.
“لهذا وقعت في الفخ”
ويقول الشاب العشريني، (محمود. د): “دخلت المنصة في يونيو الماضي، ودفعت 8 آلاف جنيه، وصلت في النهاية وبعد نحو 8 أشهر من التعاملات اليومية 450 ألف جنيه، ضاعت كلها مع غلق المنصة”.
وفي حديثه يشير إلى أنه في البداية “حدث لي ذهول من حجم ما كنت أحصل عليه من أرباح، وسعيت بشكل كبير لدفع أصدقائي ومحيط عائلتي للمشاركة بأرقامهم من خلالي، حتى وصلت إلى رتبة قائد فريق”.
ويوضح أنني “كنت أسحب من 10 إلى 15 ألف جنيه ثم تطور الأمر لاحقا وكنت أسحب من 20 إلى 25 جنيه مكسب من محفظتي في الشهر الأخير، واشتريت سيارة بـ250 ألف جنيه، وشقة في مدينة جديدة بمبلغ 500 ألف جنيه”.
ويبين أنه “كان كلما أضاف رقما على البرنامج يعطيه فرصة للمضاربة على مباراة ثانية، وثالثة، ورابعة، ما يزيد الأرباح”.
وحول سبب لجوئه لهذا الأمر، يقول: “لا يوجد عمل يحقق لي شقة وسيارة في عام واحد، كما أن ما كنت أحصل عليه من عملي في مجال العقارات بين 5 و10 آلاف جنيه شهريا ولأكثر من 15 ساعة يوميا، لا تكفي كي أتزوج وأبدأ حياتي”.
ويؤكد أن “الكثير من الشباب يتوجه نحو هذه المضاربات التي لا تحتاج إلا لهاتف محمول، والذي يمكن به العمل أون لاين لتحقيق مكسب سهل، بل إن الشباب دائم البحث عبر الإنترنت عن منصات التداول أو تعلم الفوتوشوب ومهارات الإنترنت للعمل فري لانسر، أو البحث عن منصات المراهنات، وهناك شباب بل ورجال تركوا أعمالهم وتفرغوا لها”.
ويوضح أنهم “خدعونا بما كانوا يقومون به من احتفالات في قاعات فخمة نحضرها بصفتي قائد فريق يتبعه نحو 500 مشترك، وسط الكاميرات والطعام الفاخر والهدايا ما بين تليفونات وأجهزة لاب توب وحتى سيارات”.
ويضيف أنهم “خدعونا في النهاية برسالة تقول بوجوب دفع ضرائب للحكومة المصرية من أرباحنا، ما جعلنا ننشغل بقصة غير احتمال هروبهم”، مشيرا إلى أن مخاوفه كبيرة من أن يتقدم أحد من الذين اشتركوا من خلاله ببلاغ ضده.
لكنه في نهاية حديثه، يؤكد محمود، أن “تلك المنصة فتحت موقعا لها في الجزائر، وكثير من الذين تعرضوا للنصب في مصر يحاولون الحصول على خطوط هاتف جزائرية للاشتراك بالمنصة مجددا وتعويض خسائرهم”.
“نظام الشجرة”
من جانبه، يقول (أحمد س)، موظف في أحد البنوك المصرية الحكومية: “جاءني نجلي الشاب في الفرقة الثالثة بكلية التجارة، يطلب هاتفي لتنزيل تطبيق تليجرام على هاتفي، ثم أتبع الأمر بتنزيل التطبيق على هاتفي والدته وشقيقته، وعندما سألته: لماذا؟، قال: هناك تطبيق يربح كل من يدخل مراهنات كرة القدم عليه”.
ويضيف: “حاولت إقناعه بأن هذا الطريق خاطئ لأنه غير آمن وفيه مخاطر كبيرة، ولأنه حرام بلا شك، لأنه ربح بلا عمل، لكنه أبى، وظل يزيد من مشاركاته، حتى أنه حاول التأثير على شقيقته فرفضت، ولكنه نجح مع خاله ومع العديد من أصدقائه مقابل زيادة أرباحه مع كل مشترك جديد”.
ويتابع: “جائني في يوم مع دخول شهر رمضان، وأكد أن ما وضعه هو وخاله من أموال ضاعت وخسرها كاملة، وأنه يواصل إقناع خاله بأنه مازال يربح، ووفق قوله خسر أكثر من 25 ألف جنيه، لكني أظن أن المبلغ أكبر بكثير”.
ويلفت إلى أن “القصة تبدأ بالإغراء الكبير في مكسب سريع دون تعب مجرد متابعة للتطبيق عبر تليجرام، والأخذ بنصيحة معلمه، داخل الشجرة الكبيرة التي يقوم كل فرد فيها بدعوة أشخاص آخرين للمشاركة عبر لينك إلى التطبيق وبالتالي يقوم الشخص الجديد بدعوة أشخاص آخرين، يقوم بالترقي والحصول على أرباح أكثر”.
“ليست الأولى”
المثير أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها شباب مصر إلى التغرير بهم والنصب عليهم من قبل تطبيقات مماثلة، فقبل دخول تطبيق (SGO.CC) إلى مصر بشهرين اثنين فقط كانت فضيحة نصب تطبيق “Hogg pool”، على آلاف المصريين تتصدر عناوين أخبار الحوادث بالمواقع والصحف المصرية.
وفي مارس 2023، أوقفت السلطات المصرية 29 شخصا من المسؤولين عن تطبيق “Hogg pool”، بينهم 13 من جنسيات أجنبية، بتهمة مزاولة نشاط غير مشروع، بعد بلاغات من مصريين قالوا إنهم تعرضوا للنصب من التطبيق الذي تم غلقه وخسارة أموالهم.
حرمة المراهنات
وفي يوليو 2006، رفض علماء الأزهر مشروع الاتحاد المصري لكرة القدم بتطبيق نظام “المراهنات” على مباريات الدوري والكأس، واتفقوا جميعا علي أنها “قمار” محرمة شرعا ووسيلة “سخيفة” للكسب غير المشروع، وفق ما نقله موقع “المصري اليوم” المحلي حينها.
وقال وقتها، أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد رأفت عثمان: إن نظام المراهنات في مباريات كرة القدم هو “قمار محرم شرعا” بنصوص صريحة في القرآن الكريم الذي سماه “الميسر”.
ويعاني مع تهميش النظام، والإهمال الحكومي، وغياب دور الدولة، والتضييق على أدوار المسجد، والجمعيات الأهلية، والمنظمات الشبابية، والأحزاب السياسية، شباب مصر الذي يبلغ 21.9 مليون نسمة بنسبة 21 بالمئة من إجمالي السكان (50.5 بالمئة ذكور، و49.5 بالمئة إناث)، وفقا لبيانات “رسمية في آب/ أغسطس الماضي.
ومن عدد سكان بلغ 106 ملايين نسمة، في شباط/ فبراير الماضي، نحو 60 بالمئة منهم يعيشون تحت خط الفقر أو يقتربون منه، في البلد العربي الأكثر سكانا والثالث في القارة الأفريقية، بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت من شباب مصر 89 بالمئة، وفقا لبيانات عام 2022.
“برعاية النظام.. وشواهد”
وفي قراءته، رصد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام “تكامل مصر” الباحث مصطفى خضري، عدة أسباب تفسر استمرار سقوط المصريين في مثل تلك الفخاخ”.
وذكر في حديثه ، أن “أهمها انسداد سبل الاستثمار أمامهم؛ نتيجة الفساد المقنن، وسوء إدارة النظام للاقتصاد، واقتصار الفرص المتاحة للاستثمار على رجال النظام وأزلامهم، وعدم استقرار سعر الصرف، وانعدام شفافية المنظومات الضريبية والجمركية، وفقدان الأمل بأي إصلاح قادم”.
وأعرب عن أسفه من أن “معظم ضحايا هذه الفخاخ من الطبقات المتوسطة وتحت المتوسطة، التي تدهور بها الحال نتيجة ممارسات النظام حتى قاربت اقتصاديا على ملامسة الطبقات المعدمة، ما أفقدها القدرة على اتخاذ القرارات السليمة، خاصة وأنها أكثر الطبقات تأثرا بالسياسات الاقتصادية المدمرة للنظام”.
وفي تقديره لمدى تحمل النظام المصري مسؤولية هذا الفخ وضياع مدخرات شباب بمقتبل العمر، لفت خضري، إلى أن “المفاجئة أن النظام من يسمح لتلك الفخاخ، بل ويديرها رجاله بكثير من الأحيان”.
وأوضح رؤيته بالقول إن “أحد توصيات صندوق النقد الدولي؛ القضاء على السوق الموازي، الذي يديره الطبقات المتوسطة من التجار وأصحاب المصانع الصغيرة والورش وأصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة والمهنيين”.
وأضاف: “حاول النظام تنفيذ توصيات الصندوق بامتصاص السيولة النقدية للاقتصاد الموازي بعدة طرق، بدأها باختبارات صكوك قناة السويس، والتي أظهرت وجود سيولة نقدية كبيرة بالسوق الموازي، واستمر النظام بطرح عروض الودائع مرتفعة العائد، والتي لا يمكن لأي نشاط اقتصادي طبيعي أن يحقق متوسط عائد مماثل لها”.
وتابع: “ولكن ظل هناك قطاع كبير من السيولة النقدية لا يثق أصحابها بالنظام وقطاعه البنكي، وكان لابد أن يصنع شيئا ليجبر الجميع على توحيد نظام السيولة كما أمر صندوق النقد، وأن يجبر الجميع على دخول النظام البنكي”.
ولفت إلى أن “ذهن الأجهزة الأمنية تفتق عن أساليب أخرى يمكن أن يستولوا بها على أموال السوق الموازي، وتم التجربة أولا في سيناء، وهي من أكبر الأسواق الموازية، فالقبائل البدوية تفضل الاحتفاظ بأموالها بعيدا عن النظام وبنوكه”.
وأكد أن “الأجهزة الأمنية قامت بتسهيل عمل شركة وهمية لتجارة السيارات، يديرها شخص مجهول اسمه مهند، وقامت بخدع بسيطة ولكنها كانت محكمة ومدارة جيدا، وظهر في الساحة بعض رجال النظام ليدعموها، وكما ظهر هذا المهند فجأة اختفى فجأة أيضا”.
“ومعه ما يقارب من 10 مليارات جنيه (أكثر من مليار دولار حينها)، تم سحبهم من القبائل البدوية، بالإضافة لسحب أكثر من ثلثي سيارات مواطني سيناء وقتها، وهذا سهل عمل النظام بعد ذلك في تهجير أهل رفح، والسيطرة الأمنية على سيناء”.
وواصل: “ثم توالى أمثال مهند بكل مصر، تحت مسمى المستريح، فما بين مستريح المواشي، ومستريح الأراضي، ومستريح العقارات… الخ، وفي كل مرة تجد رجال النظام في ظهره، تسهل له الأمور، ويصنع على أعينها، ثم يتبخر فلا تجد له أثرا، وقد استطاعوا بهذه الحيل الاستيلاء على 40 بالمئة تقريبا من سيولة السوق الموازي، ومعها مدخرات قطاع كبير من المصريين”.
واستدرك: “لكن بقي قطاع آخر بالسوق الموازي، أكثر حرصا من الوقوع في حبائل هذه الحيل، ولذلك لجأ النظام ورجاله لتطبيق أدوات النصب الأمريكاني؛ لاستقطاب أبناء وشباب الطبقات التي لم تفرط بمدخراتها، فظهرت شركات التسويق الشبكي من جديد، ولكن بثوب المراهنات وتجارة العملات الالكترونية.. الخ”.
وأضاف: “ومرة أخرى قام النظام ورجاله بتسهيل عمل تلك الشركات، والتي تحصل على الأموال عبر المحافظ الإلكترونية، والتي هي بالأساس حسابات بنكية، وتحت سيطرة ومراقبة الأجهزة الأمنية، وأهمها وحدة مكافحة الإرهاب التي يرأسها المستشار أحمد سعيد خليل السيسي – شقيق الجنرال السيسي-“.
وختم بالتأكيد على أن “تلك الوحدة التي تتمتع باختصاصات واسعة في الرقابة على الحسابات البنكية، للأشخاص والشركات والكيانات التي تدور حولها شبهات غسيل الأموال، وترفع أعمالها للنيابة العامة، ويمكنها التوصية بالتحفظ على الحسابات المصرفية وتجميدها”.
“اعترافات مثيرة”
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي قال بعض المتعاملين مع تطبيق (SGO.CC) والذين تعرضوا للنصب إن القائمين على التطبيق وضعوا كل أفكار النصب السابقة في فكرة واحدة، ورغم ذلك انخدع الشباب بنظام الشجرة الذي تعرضوا للنصب من خلاله منذ العام 1990، مشيرين إلى أن الشباب لم يتعلم من التجارب السابقة مع تطبيق مراهنات “1xBet”.
واعترف أحد الشباب بتعرضه للنصب من التطبيق مؤكدا عبر مقطع مصور أن خسارته بلغت 50 ألف جنيه، موضحا أنها أموال شغله، وكان يستثمرها استعدادا للزواج، مشيرا إلى أن هناك شباب باعت سياراتها وشققها السكنية.