كشفت صحيفة هآرتس العبرية، تفاصيل مثيرة، عن فشل ما أطلق عليه جيش الاحتلال “مشروع أتلانتس”، أو عملية إغراق أنفاق المقاومة في غزة، وصار بمثابة فشل عسكري معروف، ولم يوقفه أحد إلا بعد فوات الأوان.
وقالت الصحيفة في تقريرها، إن المشروع كان من المفترض أن يغير قواعد اللعبة، ويشكل ردا سريعا وقاتلا، في إحدى الجبهات المعقدة داخل قطاع غزة، وذهب الجيش لحد وصفه بالاختراق الهندسي والتكنولوجي الكبير، في التعامل مع التحدي السري وهو الأنفاق، لكن خلف ذلك وقع فشل كبير لخطة تحقن مياه البحر بموجبها بكثافة عالية، لقتل كبار قيادات المقاومة في غزة.
وأضافت: “لكن بعد نحو نصف عام، من الكشف للجمهور عن النظام، بات من الواضح أن أتلانتس، ضاع، ولم يعد قيد الاستخدام، ولا أحد في الجيش يمكنه أن يصرح بما هي الفائدة من ورائه، إن وجدت، أو ما حققه ذلك المشروع باهظ الثمن”.
وكشفت الصحيفة، أن المشروع بدأ العمل به حتى قبل صدور الآراء اللازمة التي طلبها الجيش من متخصصين، بسبب الضغوط الكثيرة التي مورست من الأعلى وخاصة قائد القيادة الجنوبية، اللواء يارون فينكلمان، وأن العملية تمت مع وجود خطر محتمل على الأسرى الإسرائيليين في القطاع وهم على قيد الحياة.
ونقلت عن مصدر أمني لم تذكر اسمه قوله: “تم تفعيل النظام، في نفق مركزي واحد على الأقل لحماس، وكان يستخدم من قبل كبار القادة، في مراحل مختلفة من الحرب، وكان هناك احتمال بوجود أسرى استخدموا كدروع بشرية”.
وقال مصدر أمني آخر: “الإنجازات التي تحققت على الأرض، ضد كبار قادة حماس، لم تكن كبيرة”، وأشار مصدر آخر، إلى أن قائد القيادة الجنوبية طالب بإيجاد حلول للمس بمقاتلي حماس في الأنفاق، وكان هناك إحباط لأن القوات لم تكن تعتقد أنها ستبدأ بالدخول إلى جميع الأنفاق، خاصة وأنهم تعرفوا على أنفاق لم يكن لدى المخابرات علم بها والجيش كان في طور التعرف على ما سيواجهه بغزة، ووجود مئات الكيلومترات من الأنفاق.
وأشارت الصحيفة، إلى أن من في القيادة الجنوبية، لم يكن لديه حل لمشكلة الأنفاق، وفكرة الإغراق بمياه البحر، طرحها ضابط في القوات البرية، عبر مضخات وأنابيب ينشرها الجيش في قطاع غزة، والخطة صيغت قبل تولي فينكلمان منصبه، بسنوات، وكانت مقترحا لخطة طوارئ وفرص نجاحها منخفضة، لكن قائد القيادة الجنوبية أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ أمر قديم في واقع جديد بغزة خلال الحرب.
ولفتت الصحيفة إلى أنه وبعد حصول الخطة على الموافقات اللازمة، من رئيس الأركان والمدعي العام العسكري، طلب الجيش المساعدة من سلطة المياه، وتم إنشاء مجموعتين من الخبراء إحداهما مسؤولة عن دراسة تدفق المياه في الأنفاق، والأخرى حول فقدان المياه من جدران الأنفاق.
وكشفت أن الجيش، لم ينتظر الاستنتاجات، وانتقل إلى مرحلة ضخ المياه فورا، واختيرت الفرقة 162 كمقاول تشغيلي وأعمال البنية التحتية، أوكلت إلى مقاتلي اللواء الثالث عشر، والذي تحول إلى وحدة للأنابيب خلال أسابيع.
وقالت الصحيفة، إن فرقة كاملة من جيش الاحتلال، تم تحييدها بالكامل، على مدار شهر ونصف في منطقة قتال، وتحول الجنود إلى سباكين، في مشروعه ليس لدى الجيش أي فكرة عما إذا كان له جدوى، أو يعرف كيف يعمل وما يحدث داخل الأنفاق أو للمقاتلين بداخلها، وحتى ما إذا كان هناك أسرى.
ولفتت إلى أنه حتى اللحظة، لم يتضح للجيش، حجم الأضرار التي وقعت في الأنفاق، وهم فقط “لا يعرفون أي شيء”.
وقالت إن الجيش نصب 5 مضخات على شاطئ بحر غزة، وبدأوا بالضخ عبر أنابيب، وفي وثيقة ورد أنه وبعد 3 أسابيع من العمل، لم تتم العملية وفقا لتوصيات متخصصين، والجيش ضخ المياه دون آلية لتقييم الإنجاز العملياتي والنتيجة التي خلصوا إليها كتب فيها “في الواقع لا نعرف إلى أي مدى كانت العملية ناجحة”.
وكشفت الصحيفة أن الوثيقة التي اطلعت عليها، أشارت إلى أن المختصين شككوا في إمكانية تسبب المياه في غرق الأنفاق، بشكل يصعب على مقاتلي حماس البقاء فيها وإغراقهم، ونقلت عن مصدر أمني مطلع، قوله إن “فينكلمان أراد الدخول والعمل داخل الأنفاق بأسرع ما يمكن، وكل مهارة مارسها الجيش الإسرائيلي حتى الحرب، لم تكن مرتبطة بالواقع الذي واجهته القوات في الميدان، لقد اعتقد الجيش أنه من الممكن إعادة اختراع العجلة خلال أيام أو أسابيع دون دراسة الموضوع وتداعياته بعمق”.
وعلى صعيد أسرى الاحتلال، قالت هآرتس، إن مسألتهم لم يتم التطرق إليها، ونقلت عن مصدر شارك في مشروع الإغراق، أن “أمر الأسرى لم يكن في الاعتبار، ومن يقول غير ذلك مخطئ، وعندما طلبنا الحصول على معلومات حول احتمال وجودهم في الأنفاق، أو كيفية احتجازهم، أو هل هم محبوسون في غرف لا يمكن الهروب منها، أو أسئلة أخرى تتعلق بالموضوع أدركنا بسرعة كبيرة أن هذا خارج نطاقنا، فهذه معلومات لا يتعرض لها إلا القليل”. ويضيف المصدر نفسه أن الجيش قال إن “هناك مناطق يحتمل فيها الاختطاف، لكن مما فهمناه، كان الأمر أقل صلة بالأنفاق”.
ونقلت عن ضابط كبير شارك في النقاشات داخل الغرفة المحصنة في وزارة حرب الاحتلال قوله: “كان هناك من يتساءل كيف تتغلب حماس على مياه الأمطار في الأنفاق كل هذه السنوات، وكيف يمكن أن الأنفاق لم تغمرها المياه؟”.
وأضاف الضابط: “القيادة أدركت في مرحلة مبكرة، إلى حد ما، أن المشروع لن يدوم طويلا، وسيصبح فيلا أبيض (كناية عن المشروع الفاشل الذي يتحول إلى عبء على صاحبه)، وبدأت المنشورات عنه، وأحضرت وسائل إعلام لتصويره، وكان المقصود بين السطور حربا نفسية، ودفع المقاتلين إلى الخوف والمغادرة من الأنفاق، خاصة وأنه لم يؤد إلى النتيجة التي أرادوها”.
وقالت الصحيفة إن الجيش وعلى مدار الأسابيع الأولى للمشروع، حاول إبقاء الأمر طي الكتمان، بعد أن فهم منذ اللحظة الأولى، أن غمر الأنفاق التي قد يكون فيها أسرى، سيقابل بانتقادات شديدة من أهاليهم.
وأشارت إلى فضيحة لقائد الأركان والناطقين باسم الجيش، بسبب إشاداتهم بالمشروع، وقال هاليفي في بداية العدوان، إنه “فكرة جيدة”، والناطق باسم الجيش تحدث بإسهاب عن ميزاته، أنه عمل احترافي.
لكن وثيقة كتبها خبراء في سلطة المياه، تنتقد تلك التصريحات، وأنه في اللقاءات التي جرت مع الجيش خلال المشروع في القيادة الجنوبية، “تبين أنه لم يتم جمع أي معلومات يمكن تحليلها للوصول إلى أي استنتاجات ورؤى، والنتائج التي توصلوا إليها خلال التنفيذ، تم الإبلاغ عن العديد من الحفر وفي الختام قرر الخبراء، أن العملية لم تتم وفقا لتوصيات المتخصصين، وأنهم في الواقع لا يعرفون ما درجة النجاح التي تمت بها العملية”.
وقالت الصحيفة، “من المشكوك فيه أن يعرف الجيش على الإطلاق، ما هي الفائدة التي تحصل عليها من المشروع إن وجدت، أو الأضرار التي سببها ولمن حتى”.