شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

المجاهد”عزت بيجوفيتش” زعيم استقلال البوسنة

المجاهد”عزت بيجوفيتش” زعيم استقلال البوسنة
يحتفل البوسنيون في غرة شهر مارس من كل عام بذكرى استقلال دولة البوسنة والهرسك عن الاتحاد اليوغسلافي...

يحتفل البوسنيون في غرة شهر مارس من كل عام بذكرى استقلال دولة البوسنة والهرسك عن الاتحاد اليوغسلافي السابق، وعند الحديث عن استقلال البوسنة التي نالت استقلالها في 1 مارس عام 1992, لا يمكن أن تمر هذه المناسبة دون ذكر التاريخ النضالي لذلك البطل المجاهد والفيلسوف المبدع علي عزت بيجوفيتش.

 

 لم يكن بيجوفيتش فحسب هو الرئيس الأسبق لدولة البوسنة، ولا زعيمها السياسي، ولا قائدها الفكري والروحي الذي واجه بها ومعها أبشع حرب عدوانية دموية وقعت في أووربا بعد الحرب العالمية الثانية, حرب كان يُقصد بها إبادة شعب فيما سُمّيَ بحرب (التطهير العرقي). لم يكن على بيجوفيتش كل هذا فحسب وإنما كان أيضا صاحب اجتهادات بالغة الأهمية فى تفسير ظاهرة الإنسان فى تركيبتها الفريدة وارتباطها المبدع بما سمّاه بيجوفيتش بثنائية (الإنسان والطبيعة).

 

ولد السياسي والمفكر المخضرم علي عزت بيغوفيتش عام 1925 في بلدة (بوسانا كروبا) في شمال غرب البوسنة، لأسرة عريقة في تاريخ الإسلام بالبلقان. وكانت أمه على قدر من الورع والتقوى، فغرست في قلبه حب الإسلام. فعشق القرآن، وخصوصا سورة الرحمن، وهو صبي يافع. ثم أسس مع زملاء له في الثانوية نادي “الشبان المسلمين” وهو طالب، وتوسع النادي فيما بعد ليصبح جمعية ثقافية وخيرية، ويجتذب العديد من طلاب جامعة سراييفو التي درس فيها علي عزت القانون، وأدت الجمعية خدمات اجتماعية جليلة.

 

وخلال الحرب العالمية الثانية حينما احتلت النازية الألمانية مملكة يوغوسلافيا وأحالتها جمهورية فاشية، قاطعت جمعية الشبان المسلمين النظام الفاشي، وضايقها هذا النظام فحرمها من الشرعية القانونية. تخرج علي عزت محاميا، وجهد في إتقان اللغات الأوربية الأساسية، ومنها الألمانية والفرنسية والإنكليزية، كما بنى بجهده الخاص ثقافة رصينة في العلوم الاجتماعية والفكر الإسلامي والأدب حتى أصبح ضليعا بهذه العلوم، كما تشهد به كتبه، خصوصا “الإسلام بين الشرق والغرب” و”هروبي إلى الحرية”.

وبعد أن تم انتخابة وتوليه رئاسة الجمهورية سنة 1990م, لم يكن فد انقضى على خروجه من السجن سنة واحدة، ظن بعض الناس أن فرصتة قد واتتة لينتقم من أعدائه الذين لفقوا له التّهم وزوروا شهادة الشهود وحكموا علية بالسجن مع الأشغال الشاقة، ولكنه لم يفعل، فلما سأله الصحفيون: ألا تنتقم للظلم الذى وقع عليك؟ قال: "لا انتقم الآن ولا بعد الآن. نعم إننى لازلت أشعر بالظلم الشديد فى أعماق نفسى ، ولا أستطيع أن أحملها على نسيان التجربة المريرة, ولا نسيان الوجوه الكريهة التى ارتبطت بها، ولا خِسـّة الضمائر والنفاق والكذب الذى أحاط بالأمر كله، ولكنى لا انتقم أبدا. فأنا الآن مسئول عن حياة هؤلاء الناس جميعا وعن حقهم فى الحياة والحرية".

لقد أدرك فى وقت مبكر من حياته أن شعبه يتعرض لظلم واضطهاد مستمرّين وبدرجات متفاوتة من الحدة والبطش, سواء فى عهد يوغسلافيا الملكية أو الشيوعية، ولعل هذا الإدراك كان هو الحافز الأكبر له على أن يغوص فى أعماق الفكر الأوروبى حتى أنه استطاع أن يقرأ ويستوعب أهم الأعمال الفلسفية وأكثرها أثرًا فى تشكيل الثقافة الأوربية قبل أن يبلغ سن التاسعة عشرة من عمره. يقول عن هذه المرحلة فى سيرته الذاتية : "لم أكن فى بداية الأمر أستعذب فكر الفليسوف الألمانى هيجل وإن كنت قد غيّرت رأيى فيه بعد ذلك. أما أكثر ما تأثرت به من فلسفات فيأتى على رأسها فلسفة "هنرى برجسون " فى كتابه "التطور الحى" وفلسفة " كانْط" خصوصا كتابه "نقد العقل الخالص"، وكتاب من مجلدين للفيلسوف الألمانى "شبنْجلر" بعنوان" تدهور الغرب".

هذا الوعى المبكر بالظلم الواقع على شعبه كان وراء إتجاهه فى المرحلة الجامعية إلى دراسة القانون، حتى يتمكن من الدفاع عن شعبه. ولذلك كله آثر النضال الفكرى العلنى ومقارعة الحجة بحجة أقوى منها، ومن جرّاء هذه الشجاعة الفكرية تعرض للسجن مرتين فى حياتة : ففى الأولى حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أعوام ( مع الأشغال الشاقة ) فيما بين سنة 1946 الى سنة 1949، فى هذه المرة كان سبب سجنه أنه تصدّى للرد على الهجوم الشرس الذى شنّه الشيوعيون فى بداية حكمهم على الإسلام والمسلمين فى البوسنة، فقد وجد فيه هجوما ظالما مليئا بالافتراءات والأكاذيب والجهل بالإسلام.

لقد حوى هذا الرجل مجموعة من الشخصيات المبهرة فى شخص واحد فقد اجتمعت في سيرته خصائص: التواضع مع الشموخ, والتسامح مع الشجاعة فى الحق, والحكمة مع الثورة, وقدرة نادرة على الصفح والعفو عند المقدرة.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023