عندما يقرر الكبار أمرا ما في هذا العالم يستطيعون تطويع كل الأدوات الصغيرة لدعم هذا الأمر و التوطئة و التمهيد له . هكذا يلقى الدرس علينا حين نتأمل ما يجري في العالم هذه الأيام .
فقد زار جون كيري موسكو في السابع من مايو الجاري للتباحث مع بوتين حول " الأزمة " السورية و خرج بعدها مع سيرجي لافروف ليؤكد أن المواقف الروسية و الأمريكية من الأزمة متقاربة و أنهم قرروا عقد مؤتمر دولي لإنهاء هذه الأزمة . تبارت عدة دول منذ صدر هذا التصريح في الإعلان عن دعمهم للحل السياسي في سوريا منهم فرنسا- التي كانت الاكثر حماسة لدعم الثورة – و ألمانيا .
من يتابع قناة الجزيرة الفضائية منذ بدأت الموجة يستنتج أن إجهاض الثورة السورية بحل سياسي يحافظ على المصالح الدولية قد إتخذ مسارا عمليا بالفعل . فالقناة التي كانت الأكثر تقدما في الفضائيات الدولية في دعم الثورة السورية و تسمية الأمور بأسمائها باستخدام مصطلحات " الجيش الحر " و " الثوار " و الثورة السورية " تغير قاموسها . فأصبح الجيش الحر فجأة .. " مقاتلوا المعارضة " و " مجموعات المعارضة المسلحة " . قد تبدو الملاحظة تافهة للبعض و لكن الحقيقة أن الفرق بين دلالات المصطلحات هائل و خطير . فقد كانت المواجهة بين الشعب الثائر صاحب الشرعية و نظام مجرم قاتل فاقد للشرعية و بالتالي لا يمكن التفاوض معه و الحل الوحيد هو إنتصار الشعب صاحب الحق . و لكن المواجهة الآن أصبحت بين نظام و معارضة مسلحة و في هذه الحالة يكون للطرفين شرعية ما و بالتالي يتطلب الأمر تفاوضا بين الطرفين للوصول إلى حل سياسي لا يهزم فيه أحد . و كأن العالم لم ير دماءا و لا قتلى بالسلاح الكيماوي و لا ذبحا بالسكاكين و لا قصفا للمدنيين .
الولايات المتحدة لن تسلح أصحاب اللحى مدمني الجهاد الموجودين في سوريا فسلاحهم سيتوجه بالتأكيد لإسرائيل بعدما يفرغوا من بشار . و لكن غباء النظام و وحشيته التي ظهرت باستخدام السلاح الكيماوي يسبب ضغطا دوليا كبيرا على الإدارة الأمريكية التي جعلت ذلك خطا أحمر . كما أن الجمهوريين لا يقصرون في إستخدام ما يحدث لإحراج أوباما و المزايدة عليه بالمطالبة بتسليح الثوار و توفير منطقة عازلة لهم . إذن يجب أن ينتهي هذا الكابوس دون تدخل و لن يكون هذا إلا بالسياسة . حسنا , قد أجادت روسيا اللعبة و هي مصرة على رد الصفعة التي نالتها في ليبيا , فليكن لنتوجه إليها و نرضي غرورها و نعيدها لاعبا أساسيا في الساحة .. و قد كان . . فبدأت تروس ماكينة الحل السياسي تدور . و العجيب أن كل التابعين الذين كانوا يتظاهرون بالقيادة قد إنتظموا في الإطار الذي وضعته القوة الكبرى و إلتزموا حدودهم . و ما تغير خطاب الجزيرة إلا أحد ظواهر هذا الإلتزام فقد صدرت الأوامر بوقف" التحريض الإعلامي " ظهر من هو السيد الحقيقي في المنزل و كانت الثورة السورية كعادتها كاشفة !!
و لكن الشعب الذي عايش الموت و ذاق طعم الجهاد- و من ذاق عرف – سيقلب كل موازينهم الفاسدة و يفسد خططهم الفاجرة بإصراره على القتال حتى النيل من المجرمين و لو إضطر للقتال مائة عام و إستخدم الفئوس و الخناجر لهزيمة النظام . لقد أعلن الشعب السوري منذ بداية الثورة هدفا و قاعدة , الأول " الشعب يريد إسقاط النظام " و الثانية " يا الله مالنا غيرك يا الله " , و هو ثابت على ما أعلن . و سيجبر الجميع في النهاية على الإنحناء أمام إرادته التي لا تلين … و لتعلمن نبأه بعد حين