بعد عقود من القمع، جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير وأطلقت حرية الإعلام وفتحت الباب على مصراعيه للرأي والرأي الآخر ولكن بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو الجاري عادت مصر إلى ما كانت تعانيه إبان حكم المخلوع من إغلاق للقنوات واعتقال الصحفيين وتجاهل للرأي الأخر.
فبعد دقائق من خطاب عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع الذي تضمن عزل الرئيس محمد مرسي، اقتحمت قوات الأمن قناة الجزيرة مباشر مصر وألقت القبض على طاقمها على الهواء مباشرة، كما اعتقلت طاقم قناة مصر 25 بعدما أغلقت القناة مع مجموعة من القنوات الدينية مثل قنوات الرحمة والناس وقناة أمجاد.
كما قطعت قوات الأمن البث أكثر من مرة عن قناة الجزيرة بعد الإفراج عن مديرها، فضلا عن تعرض قنوات القدس واليرموك للتشويش أكثر من مرة نظرا لبثها المباشر لميدان رابعة العدوية بعد أن امتنعت القنوات المصرية الخاصة والتليفزيون المصري عن البث.
حملات قمعية
ولم تسلم جريدة الحرية والعدالة من حملة القمع التي شملت القنوات المحسوبة على التيار الإسلامي، إذ ناشد صحفيو الحرية والعدالة في بيانات لهم المؤسسات الحقوقية وزملاء المهنة مساعداتهم للعمل في مناخ إعلامي طبيعي، حيث وصل حد التضييق عليهم إلى رفض مطابع الأهرام طباعة الجريدة وتدخل نقيب الصحفيين في إدارة الجريدة وتوجيه موضوعاتها لتخفيف حدة الموضوعات لتتماشى مع المناخ الجديد، على حد وصفهم.
ولم يقتصر الأمر على غلق القنوات والتضييق على الصحف المؤيدة للرئيس مرسي، بل شمل الصحفيين أنفسهم، حيث قتل الشهيد أحمد عاصم أثناء تغطيته لمجزرة الفجر، فضلا عن طرد مدير مكتب الجزيرة عبد الفتاح فايد من مؤتمر للجيش والشرطة عقب المجزرة بناء على طلب الصحفيين الحاضرين.
اعتقال الصحفيين
كما اعتقلت قوات الأمن ثلاث مراسلين من شبكة رصد الإخبارية أحدهم في كفر الشيخ والآخرين في الإسكندرية أثناء تغطيتهم للتظاهرات المؤيدة للرئيس مرسي ووجهت إليهم تهمة حيازة سلاح، رغم إنكار الصحفيين الذين لم يكن معهما وقت اعتقالهما سوى آلتي التصوير الخاصة بهما.
ولم يتوقف الأمر عند الصحف والقنوات التابعة للتيار الإسلامي بل وصل إلى الجرائد الخاصة والقومية، حيث حذف موقع الشروق الإلكتروني تقريرين في الأسبوع الماضي الأول تحت عنوان "سكان «عمارات العبور»: ضرب النار والغاز بدأ من الحرس الجمهوري بدون مقدمات" والثاني تحت عنوان "حذف بيان استهداف "وصفي" من صفحة "المتحدث العسكري" و شهود يكذبون رواية الجيش".
وحتى مقالات الرأي والحوارات لم تسلم من الحذف، حيث كشف الدكتور سيف الدين عبد الفتاح في مقال له تحت عنوان "خطاب الانقلاب و انقلاب الخطاب " أمس السبت إن مقالة له تقدم بها للنشر في جريدة الأهرام قد منعت في يومها ولم يحدث قبل ذلك منذ كتب مقالاته في الأهرام منذ سنتين، فيما قال الأديب علاء الأسواني في تغريده له على موقع تويتر إن جريدة الأهرام حذفت أجزاء من حواره معها انتقد فيها المجلس العسكري السابق.
إجراءات احترازية
وبالرغم من انتصار آرائه السابقة للحريات إلا أن الدكتور محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت للشئون الخارجية، اعتبر إغلاق القنوات والتضييق على الصحفيين مجرد إجراءات احترازية لتجنب العنف على حد قوله في تصريحات لصحيفة "النيويورك تايمز".
كما رأى الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أن هذه الإجراءات يمكن تفهم الدوافع وراء اتخاذها في إطار المحاولة الوقائية للحد من الأضرار العامة لبعض ممارسات تلك القنوات التي اتخذت منحى تحريضيا، مشيرا إلى أنه "من المهم عودة تلك القنوات للبث بمجرد انتهاء المخاطر التي تحدق بمصر الآن"، على حد قوله.
تكميم الأفواه
بينما اختلف معه عدد كبير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، موضحين أن غلق القنوات وتقييد حرية الصحفيين، معتبرين هذه الإجراءات عودة للممارسات القمعية.
في حين اعتبر الكاتب المتخصص في شئون الاعلام سليم عزوز أن ما حدث خلال الأيام الماضية من تراجع لحرية الإعلام واعتقال لصحفيين وإغلاق لفضائيات كان هدفه تكميم أفواه الرأي الآخر وتوجيه اتهامات لم تكن موجودة إلا في عهود قمع الصحافة والصحفيين، مثل تكدير السلم العام، وهي أمور تنذر "بمستقبل سيئ للحريات".
وأضاف عزوز أن تدابير الأمن القومي "مصطلح مطاط" كان يستخدمه النظام السابق لقمع معارضيه من الصحفيين، وإعادة استخدامه الآن تعطي مؤشرات في غاية السلبية حول حرية الإعلام.
وعلى صعيد المنظمات الحقوقية قالت الشبكة العربية لحقوق الإنسان في بيان لها صدر في الرابع من يوليو الجاري إن "ما حدث انتهاك واضح للقانون وتضييق على حرية الإعلام، وتصريح مدير الأمن العام بأن التحفظ على العاملين والملاك جاء بهدف فحصهم جنائياً، هو إجراء مخالف ، لأن اعتقال أي مواطن يتم عند مخالفته القانون، وليس افتراض الجرم به".
فيما حذرت منظمة "الأرومتوسطي" من تدهور حرية الصحافة بمصر الأربعاء الماضي في بيان لها بعد توثيقها لـ74 حالة تقييد للصحفيين وإغلاق للقنوات منذ بداية شهر يوليو الجاري .
يذكر أن خارطة الطريق التي تضمنها خطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد الأعلى للقوات المسلحة نصت على إعداد ميثاق شرف إعلامي لتنظيم العمل الإعلامي.