هيثم صلاح يكتب: الإنقلاب يعلمنا
من مفارقات زماننا أن الإنقلاب الذي وقع في مصر و يعتبر مصيبة تجر مصر للخلف 6عقودو تضيق به نفوس الملايين في مصر له فضل علينا ! . فالحقيقة أن هذا الإنقلاب لا ينفك يعلمنا كل يوم حقائق جديدة عن الحياة و يذكرنا بدروس مهمة من التاريخ و يوضح لنا جوانب أساسية عن طبيعة الثورات آثرنا التغافل عنها عندما انهينا المرحلة الأولى من ثورة 25 يناير يوم 11 فبراير و تركنا الميدان و البلاد كلها لجيشنا العزيز .
الحقيقة الأولى المهمة أنه لا يوجد حقا ما يسمى "إحترام الإرادة الشعبية " .. إنها إرادة العسكريين الإقلابيين وحدها
تلك التي تجعلهم يرون الحشود التي نزلت يوم الثلاثين من يونيو بمطالب وافقت الهوى و يتعامون عن ملايين تغطي القطر المصري جغرافيا منذ ثلاثة أسابيع لأنها تريد إفساد ما أراد العسكر إبرامها . الأولى إستحقت نسبتها للشعب لأن هذا النسب ضروري لتغطية الخطة بينما الثانية لا يهم معرفة نسبها أصلا مادامت الخطة تسير على الأرض دون عائق يذكر .. حتى الآن .
الحقيقة الثانية يوضحها العسكر بلسان الحال … نحن عسكريون .. إنقلابيون .. مهنتنا السلاح .. و لدينا السلاح .. و فقدنا الضمير الذي يمنعنا من إستخدام هذا السلاح ضدكم إذا عارضتمونا .. برجاء العودة لمذبحة الحرس الجمهوري .و لأن مهنتنا السلاح و حياتنا عسكرية فنحن نأمر نطاع و لا نفهم سوى لغة القوة .. لا نسمع ألسنتكم ..لا نرى أعدادكم و إنما ننظر إلى أيديكم و أرجلكم .. ماذا تحملون ؟ .. علام تقدرون ؟ و أين تقفون ؟ كلمات كالحق و العدل و الديموقراطية و الدستور لا يمكن ترجمتها إلى ذخيرة و بنادق لذا فنحن لا نستوعبها.. نرجو المعذرة. أعدادكم لا تهمنا كثيرا المهم أين تقفون و مدى قرب المكان من رقابنا . راجعوا مواقفنا .. كل الأماكن التي أزعجتنا أبعدناكم عنها .. و بالقتل .. نادي الحرس الجمهوري و ميدان رمسيس . لتغمروا شوارع مصر كلها ..فنحن في وزارة الدفاع و هي آمنة حتى الآن و بقائها آمنة خط أحمر .. أنتم تعرفون فتبتعدون و نحن نعرفكم فنطمئن . عليكم إستيعاب الدرس جيدا حتى نستطيع التواصل .تبقى السلمية وفقا لهذه الحقيقة جنة العسكر في الأرض فالسلميون لهم قواعد محددة و خطوط معروفة .. قد يكونوا مزعجين بعض الشيء و لكن التأقلم مع وجودهم ممكن جدا .
و هذه الحقيقة هي أيضا درس مهم من دروس التاريخ حيث يلقى أمامنا مشهد من ذاكرته . ثوار إيرانيون عام 1979 لا يعودون إلى بيوتهم بعد رحيل الشاه و عودة الخميني و إنما .. يبدأون في مهاجمة مراكز الشرطة و الوحدات العسكرية .. و قد أضطرت إحدى هذه الهجمات قائد القوات الجوية إلى الفرار بحياته عن طريق مروحية . يتحسس قادة الجيش رقابهم و يوقعون إعلانا يفيد بأنهم على الحياد بين الثوار و نظام الشاه . لا يبتسم الثوار عائدين غلى بيوتهم و إنما فقد الجيش الإيراني طوال العام إلى 1980 حوالي مائة ألف عنصر بين مقال و هارب و ..قتيل . كل من كان لديه شبهة ولاء للشاه تم التعامل معه .. في الجيش و السافاك – جهاز الأمن و الإستخبارات – . و هذا جانب من طبيعة الثورات الذي حاولنا التغافل عنه .. عند تعاملنا مع ثورة 25 يناير .. لا تدعي أنك قمت بثورة حتى تمتلك ناصية مؤسسات السلاح فلها القول الفصل في المجتمعات ذات الميراث الإستبدادي .. بن علي هرب عندما حاصر الجيش قصره .. مبارك نحي عن الحكم من قبل الجيش الذي لم يكن يقبل جمال قائدا أعلى و لأن الثورة أسقطت خيار عمر سليمان .. السياسة هي القوة و حسب .
خلاصة الأمر .. أن كل التظاهرات التي تحيط بصر جغرافيا الآن لن تدفع العسكر لتقديم أي تنازلات ماداموا يعلمون حدود سلميتها و ما داموا آمنين في أوكارهم . لكي يقدم العسكر التنازلات يجب أن يروا ما يقترب من رقابهم و هذا لا يتم إلا بأحد امرين إما أن يتحرك جزء ممن يحملون السلاح ضد الجزء الإنقلابي – و الواقع أننا سننتظر طويلا جدا لنرى هذا يحدث – و إما أن نذهب إلى العسكريين في " محمياتهم الطبيعية " لنمكنهم من رؤيتنا
إنني لا أدعي شوقا لهذه المواجهة .. بل إنني كنت اتمنى أن يسير قطار الديموقراطية في مصر آمنا دون معوقات مواجهات أو دماء و أن نبدأ العمل على تنمية مصر و نهضتها , سنة الله عز و جل في أرضه لا تتبدل و التاريخ لا تتغير سمات فصوله كثيرا . كما لا أدعي أن قلبي لن يرتجف عندما تأز الرصاصات بجانب رأسي , انا فقط أقرأ .التاريخ ..و أشاهد الوقع .. و أتعلم
