ا.د. صلاح الدين سلطان
تسيطر أمريكا على عقود الحماية في أكثر دول الخليج، وقد دفع قادة الخليج للشركات الأمريكية في خلال 3 سنوات ما يفوق الـ 500 ملياردولار لشراء أسلحة، مع بقاء كل عوامل التحكم بأمريكا ونسخة للربيبة إسرائيل، وهناك مورد ثريّ جدا للاقتصاد الأمريكي وهو فرض السلع الأمريكية على الدول العربية، وبالأسعار التي يفرضها السيد المطاع الذي يعلِّم العالم العربي لعبة الديناصور – وهو أمريكا – الذي يستطيع بذيله فقط أن يسقط حكمًا شوريًا منتخبًا من مكاسب ثورة كبيرة في حجم الثورة المصرية، ليرتدع الجميع ويبقى تحت الحذاء الأمريكي خادمًا مطيعًا لمِّيعًا لهذا الحذاء إن أكرمه سيده بهذا الشرف.
المقصد الثالث: إنجاح الانقلاب في مصر و إلهاء العالم عن مجازر ومحارق الانقلابيين الدمويين:
إن سرعة التوجه لسوريا في هذا الوقت يثير علامات استفهام كبرى في المشهد المصري، حيث لوحظ أن مصر لم ترضخ للطلبات الأمريكية في جوانب كثيرة لا وقت لتفصيلها، فرئيسنا د.مرسي قد زار الصين خصم أمريكا الأول اقتصاديا، وزار روسيا خصم أمريكا الأول سياسيا وتاريخيا، وزار البرازيل وهي حديقة أمريكا الخلفية، وزار جنوب أفريقيا واتفق على خط بري من القاهرة إلى "كيب تاون"، وزار السودان واتفق على 2 مليون فدان لزراعة القمح لتحقيق وصية الشيخ الشعراوي: "من لم يكن طعامه من فأسه فلن يكون قراره من رأسه"، وزار دولا عدة ليس منها أمريكا كزيارة رسمية وليس لهيئة الأمم، واتفق مع تركيا وقطر والهند والصين و… على عقود اقتصادية عالية المستوى تكنولوجيا واقتصاديا
حث الرئيس الفلاحين على زراعة القمح، فاستغنينا في عام واحد عن 30% من استيراد القمح من أمريكا، وبدأنا نصنع السيارة المصرية 100%، وانتهينا تماما من تصنيع "الآي باد" " إيثار"، وبدأنا ننقب عن المعادن النفيسة في منخفض القطارة وغيرها، وبدأنا نشم عبير الخلاص من القيد الأمريكي في التبعية الاقتصادية والهيمنة السياسية، وتركيع المنطقة العربية للإملاءات الصهيوأمريكية، رغم المعوقات الهائلة لإفشاله من الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، وزاد الطين بلَّة أن يعلن المجلس التنسيقي للعلماء من القاهرة يوم 3 شعبان 1434هـ الموافق 11 يونيو2013م، وجوب إعلان الجهاد إنقاذًا لسوريا.
قابلهم فخامة الرئيس محمد مرسي بريادة العلامة د.القرضاوي مع علماء من 16 دولة، وبعدها يعقد مؤتمر مصري شبابي في استاد القاهرة حضره نصف مليون على الأقل، وبرعاية كاملة من فخامة الرئيس محمد مرسي، وأَعلن فيه: "لبيكِ يا سوريا، حيَّ على الجهاد، طَرد السفير السوري، لا مكان لحزب الله في سوريا، جمع تبرعات لسوريا" فكانت هذه هي القشّة التي قصمت ظهر البعير أو الحقير، وسرّعت الخطوات الصهيوأمريكيليجية التي بدأت من أول يوم غادر فيه أحمد شفيق معتمرا – كما ذكر – إلى القصور الإماراتية مع المندوب الصهيوني السامي دحلان، والممول الرئيسي محمد بن زايد، فكان لابد من تسريع الخطى من خلال حركة تمرد التي أسّستها المخابرات وموّلها الخليج وسويرس، واكتمل المشهد بهذا الانقلاب، وظنوا أن الأمر سيدين ويرضخ لهم بين عشية أو ضحاها وتعود الهيمنة الصهيوأمريكية، لكن اعتصام رابعة والنهضة وميادين مصر قلَبَ الموازين، وغيَّر الخطة فكان لابد من نحر المعتصمين وذبح المرابطين، وحرق جثث "الخوارج!" بفتاوى علماء السلطة وعملاء الشرطة.
لكن الشعب تضاعفت مسيراته، وتنوعت نشاطاته فلابد من إلهاء العالم عن هذا المارد حتى نسكته فلعلهم أوعزوا إلى بعض عملائهم في الجيش السوري المخترَق طبعا فضرب عيارا زائدا عن المرات ال63 الماضية من الضربات الكيماوية فمات ربع العدد الذي قُتل في مصر، ولم تحرّق أجسامهم كما حرِّقت في مصر، ولم يُجرفوا بالجرافات الميري في الجيش والشرطة، ولم يُمنع الآباء من استلام الجثث حتى يكتبوا إقرارا أن ابنهم بعد أن قتل نفسه رميا بالرصاص ثم حرَق نفسه على أساس أن الشهيد حيٌّ فيستطيع "أنه يُولَّع في نفسه" وهكذا غابت المبادئ السامية لتعلو المصالح الدنيئة تأمينا للصهاينة أولا، وللهيمنة الأمريكية في العالم العربي ثانيا، والتغطية على مخازي الانقلاب لعله ينجح يوما ما ثالثا.
ويطيب لي غرسا للأمل، واستمرارًا في الانتفاضة في مواجهة الظالمين أن أُذكّر بآيات، وحديثٍ نبويٍّ:
1. قال تعالى: (وَقَدْمَكَرُوامَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) إبراهيم:46-47.
2. قال تعالى: (قَدْمَكَرَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) النحل:26.
3. روى البخاري ومسلم بسندهما أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال : "مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُفيالدِّينِ،وإنما أنَا قاسِمٌ واللهُ يُعْطِي، ولن تزالَ هذه الأمةُ قائمةً على أمرِ اللهِ، لا يَضُرُّهم مَن خالفهم، حتى يأتيَ أمرُ اللهِ".
فأرجوكم ـ معشرَ المسلمين وأحرارَ العالم ـ صدِّقوا العليم الخبير سبحانه، والنبي محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن لم تفعلوا فاقرأوا حقائق التاريخ، فأمريكا لم ولن تسعَ يوما لمصلحة العرب والمسلمين أو الإنسانية، بل هي تعمل بداخلها وفقا للمبادئ والمصالح معًا سياسة، أما خارجها فتتحرك وفقا لمصالح الهيمنة والسلب والنهب، وتمكين الصهاينة من هدم الأقصى وتهويد القدس وتهجير العرب، فإياكم أن تستمروا في التصفيق للمارينز الأمريكان على أرضنا العربية والإسلامية، اطردوهم أعزكم الله، وإلا فلا عزاء في الشعب السوري والمصري والعربي والإسلامي، لا أولا ولا آخرا.
يا قوم انتفضوا ضد أمريكا وإسرائيل وعملائهم في العالم العربي كله، فالأمر أخيرا كما يقول الشاعر عبد الرحيم محمود:
ونفسُ الشريف لها غايتان بلوغُ المنايا ونيلُ المُنى
فإما حياةُ تسرُّ الصديقَ وإما مَماتٌ يُغيظ العِدا
ولله وحده الأمر كله، علانيته وسره، وهو نِعم المولى ونعم النصير.
ــــــــــــ
أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة