دار هذا الحوار الافتراضى قبل ثورة يناير، دار بينى وبين كثيرين ممن لا يؤمنون بجدوى التغيير السلمى، إنها وجهة نظرى ووجهة نظر آلاف غيرى ممن لم يروا فى العمل السرى ولم يروا فى العمل المسلح طريقاً يحبون أن يسيروا فيه، ولم يبيحوا لأنفسهم قتل الناس بحجة تغيير المجتمع!
قال لى صديقى الذى يؤمن بالعنف: «التغيير لا يمكن أن يكون بالوسائل السلمية، ثم إن جميع الطرق السلمية التى تتحدثون عنها مسدودة، مغلقة، لا يمكن دخولها أصلاً، ومن يتخيل أن الانتخابات قد تسقط حزبا حاكما فى أى دولة عربية يعيش فى وهم كبير، أو يكذب على نفسه، والأنظمة الحاكمة فى الدول العربية أنظمة قمعية، لم تصل للسلطة إلا بحد السيف، ولم تستمر كل هذه السنوات إلا بحد السيف، إنهم يعتمدون على التزوير والتعذيب، وكلاهما مدعوم بالجيوش وأموال العروش، فكيف تتوهمون أن التغيير السلمى يجدى؟».
قلت لصديقى: «ولكن التغيير بالعنف عليه تحفظ أخلاقى، كيف تستحلون الدماء؟ أنا لا أستطيع أن أقابل ربى ويدى عليها دم حرام!
ثم إن التغيير بالعنف قد جربته عشرات التنظيمات الإسلامية واليسارية فى العديد من الدول العربية وغير العربية، وكانت النتيجة دائما انتصار الدولة، اللهم إلا فى حالات الانقلابات العسكرية.
وحتى الانقلابات العسكرية لم تكن لها نتيجة، ففى النهاية خلقت نخبة جديدة فاسدة، تمتعت بكل المميزات، وباعت الأوطان للمحتل، واستبدت بالناس، وأضاعت الثروات، وبعضها أعاد جيوش الاحتلال إلى دولنا مرة أخرى!»
هذه خلاصة الحوار الذى كان يدور بين من يؤمن بالعنف ومن لا يؤمن به قبل ثورات الربيع العربى.
بعد أن قامت الثورات، انتصرت فكرة التغيير السلمى انتصارا ساحقا، فقد استطاعت الجماهير أن تخلع رؤساء وأن تطيح بأنظمة لم يتمكن أى فصيل من فصائل العنف أن يهزها بشعرة!
لذلك رمى المتطرفون السلاح، وأسسوا أحزاباً، وبدأوا بالعمل فى الشارع علنا، صحيح أن التجربة كانت غير كاملة، وكان عليها الكثير من التحفظات فى مسألة خلط الدين بالسياسة، ولكن الفكرة الأساسية المتعلقة بإمكانية تغيير الدولة بوسائل سلمية انتصرت.
اليوم… أرى حوارا آخر يدور بين دعاة السلمية وبين جيل جديد من المتطرفين الذين كفروا بالعمل السلمى.
يقول لى صديقى الذى كفر بالعمل السلمى: ها.. مبسوط بالسلمية والديمقراطية؟ مبسوط بالصناديق؟ هل صدقت أخيراً أن هذه الأنظمة لا يمكن التعامل معها إلا بالسيف؟ هل مازلت مصمماً على أن للعمل السلمى جدوى؟ أنتم تخدعون أنفسكم، وتحرثون فى البحر، وتضللون الناس، والتغيير لن يحدث بعد كل هذه الدماء التى سالت إلا بحد السيف!
أرد على الذى يحاورنى (فى بالى بشكل صامت): «منكما لله يا من أوصلتمانا لهذه اللحظة السوداء، قاتلكما الله، صراعكما على السلطة سيخلق لنا أجيالا ترى فى الإرهاب عملا وطنيا، وترى فى القتل تقربا إلى الله، وترى تدمير الدولة هى الطريقة الوحيدة لبنائها.. على العموم..لن تتخلى الثورة المصرية عن سلميتها مهما ظن بعض قصار النظر أن الحل فى الكلاشينكوف..!