شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

التَّعْلِيمُ وَالْمُتَعَلِّمُونَ فِي مِصْرَ ـ محمد منصور

التَّعْلِيمُ وَالْمُتَعَلِّمُونَ فِي مِصْرَ ـ محمد منصور
التعليم الصورة في مصر     أُهْدِي هَذَا الْمَقَالَ إِلَى كُلِّ مَنْ...

التعليم

الصورة في مصر

 

 

أُهْدِي هَذَا الْمَقَالَ إِلَى كُلِّ مَنْ وَهَبَهُ اللَّهُ عَقَلا يَتَعَلَّمُ وَيُفَكِّرُ بِهِ، وَيُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ نِتَاجِ تَفْكِيرِهِ، وَهَؤُلاءِ لَيْسُوا بِالْكَثِيرِ فِي أُمَّةٍ عَاشَتْ قُرُونًا طَوِيلَةً فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ، وَأَوْقَفَتِ استعمَالَ العَقَلِ فِي أُمُورِ الْحَيَاةِ.

إِنَّ الْحَدِيثَ عَنِ التَّعْلِيمِ وَالمُتَعَلِّمِينَ فِي بَلَدٍ مِنَ الْبِلَادِ هُوَ مِفْتَاحٌ لِفَهْمِ حَاضِرِ هَذَا الْبَلَدِ وَمُسْتَقْبَلِهِ – لِأَنَّ التَّعْلِيمَ هُوَ المكوِّنُ الأسَاسِيُّ لِشَخْصِيَّةِ الفَرْدِ، وَالْحَاكِمُ الرَّئِيسيُّ لِنَشَاطِهِ الذِّهْنِيِّ، وَعَمَلِهِ الْإِنْتَاجِيِّ لِصَالِحِ شَعْبِهِ وَوَطَنِهِ.

وَالتَّعْلِيمُ فِي مِصْرَ يَنْقَسِمُ إِلَىَ قِسْمَيْنِ أَسَاسِيّيْنِ: أَوَّلُهُمَا مَا يُسَمَّى بِالتَّعْلِيمِ الدِّينِيِّ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ الأَزْهَرُ وَمَعَاهِدُهُ (سَأَقْتَصِرُ كَلَامِي هُنَا عَلَى تَعْلِيمِ الدِّينِ الإِسْلامِيِّ، وَلْيَعْذُرْنِي إِخْوَانُنَا الْمَسِيحِيُّونَ فِي ذَلِكَ). وَالثَّانِي هُوَ التَّعْلِيمُ الأَمِيرِيُّ، وَهُوَ مَا قَدْ يُسَمَّى التَّعْلِيمَ الْعَلْمَانِيَّ فِي الْمَدَارِسِ الْحُكُومِيَّةِ وَالجَامِعَاتِ.

عِنْدَمَا دَخَلَ الْمُسْتَعْمِرُ مِصْرَ، كَانَ التَّعْلِيمُ الْأَزْهَرِيُّ الْمُتَخَلِّفُ هُوَ التَّعْلِيمَ الْغَالِبَ. ثُمَّ إِنَّ الْمُسْتَعْمِرَ أَدْخَلَ التّعلِيمَ العَلْمَانِيَّ وَشَجَّعَهُ بِهَدَفِ تَحْقِيقِ مَصَالِحِهِ. وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ تَكْوِينِ طَبَقَةٍ مِنَ الْمُتَعَلِّمِينَ الْبَعِيدِينَ عَنْ تَارِيخِهِمْ وَحَضَارَتِهِمْ، وَالقَرِيِبِينَ مِنَ الْمَفَاهِيمِ الْأُورُوبّيّةِ – وَتَهْيِئَةِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِتَسْيِيرِ شُؤُونِ الْبِلَادِ، وَلِتَكُونَ خَادِمَةً لِأَغْرَاضِ الْمُسْتَعْمِرِ عَنْ قَصْدٍ وَغَيْرِ قَصْدٍ، حَتَّى وَلَوْ نَزَحَ المُسْتَعْمِرُ عَنِ الْبِلَادِ، وَصَارَ الْأَمْرُ لِهَذِهِ الطَّبَقَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ عَرِيضَةً بِمُضِيِّ الزَّمَانِ.

مَا هِيَ خَصَائِصُ التَّعلِيمِ الدِّينِيِّ؟ لَقَدْ بَدَأَ الْعَالَمُ العَرَبِيُّ وَالْإِسْلَامِيُّ مُنذُ حَوَالي ثَمَانِيَةِ قُرُونٍ فِي الانْحِدَارِ الْحَضَارِيِّ، بِسَبَبِ تَوَقُّفِ الفِكْرِ الإِسْلَامِيِّ عَنِ التَّطَوُّرِ. وَاتَّسَعَ مَجَالُ البِدَعِ وَالخرَافَاتِ بِسَبَبِ جَهلِ جُمهُورِ المُسلِمِينَ. بَلْ وَانقَطَعَ اتِّصَالُ المُسلِمِينَ بِجُزءٍ كَبِيرٍ مِنْ تَارِيخِهِم الحَضَارِيِّ، فَصَارُوا يَجْهَلُونَ مُنْجَزَاتِهِم الحَضَارِيَّةَ. وَانعَكَسَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى مَنَاهِجِ التَّعلِيمِ فِي المَعَاهِدِ الدِّينِيَّةِ، وَكَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّعْلِيمِ. فَخِرِّيجُ الْمَعْهَدِ الدِّينِيِّ هُوَ فِي الغَالِبِ إِنْسَانٌ يُجِيدُ حِفظَ القَدِيمِ. وَالفِقْهُ عِنْدَهُ هُوَ فِقهُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَعُلُومُ الْحدِيثِ لَدَيهِ هِيَ مَا رَوَاهُ المُحَدِّثُونَ مُنذُ قُرُونٍ طَوِيلَةٍ. وَالاجتِهَادُ بَابٌ أُغلِقَ مُنذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ. وَالتَّطَوُّرُ الْإِنْسَانِيُّ يَكَادُ أَلَّا يَكُونَ لَهُ أَيُّ اعْتِبَارٍ فِي تَفكِيرِهِ. فَهُوَ بِالتَّالِي إِنْسَانٌ يَعِيشُ فِي الْمَاضِي، وَيُعْجَبُ الْجَاهِلُ بِهِ، لِقُدرَتِهِ عَلَى تَردِيدِ مَا حَفظَهُ. وَكُلَّمَا زَادَتْ قُدرَتُهُ عَلَى الحِفْظِ، زَادَتْ مَكَانَتُهُ لَدَى الْجَهَلَةِ. إِنَّهُ يُسَمَّى عَالِمًا وَالْعِلْمُ مِنهُ بُرَاءٌ.

وَإِذَا مَثَّلنَا التَّعلِيمَ بِشَجَرَةٍ، جُذُورُهَا هِيَ المَاضِي، وَسَاقُهَا التَّطَوُّرُ عَلَى مَدَى التَّارِيخِ، وَأَورَاقُهَا الحَاضِرُ – كَانَ خِرِّيجُ تِلكَ المعَاهِدِ الدِّينيَّةِ مِثلَ شَجَرَةٍ مَاتَ نِصْفُ جُذُورِهَا، وَجَفَّ سَاقُهَا، وَذَبُلَتْ أَورَاقُهَا.

أَمَّا التَّعْلِيمُ الْآخَرُ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى الْمَفْهُومِ الْغَرْبِيِّ لِلتَّارِيخِ الْحَضَارِيِّ. فَالْحَضَارَةُ عِندَ الْغَربِ هِيَ حَضَارَةٌ أُورُوبِّيَّةٌ، بَدَأَتْ فِي اليُونَانِ، ثُمَّ تَوَقَّفَتْ مَا يَقْرُبُ مِنْ أَلْفٍ وَخَمسِمِائِةِ عَامٍ، ثُمَّ بُنِيَتْ مِنْ جَدِيدٍ عَلَى الْمَاضِي فِي السَّبعِمِائِةِ السَّنَةِ الْأخِيرَةِ. بِالطَّبْعِ يُهْمِلُ الأُورُوبِّيُّونَ نَصِيبَ الْحَضَارَاتِ الأُخْرَى فِي تَقَدُّمِ الْإِنْسَانِيَّةِ، بَلْ يُزَيِّفُونَ التّارِيخَ، وَيسْرِقُونَ إِسْهَامَاتِ الْحَضَارَاتِ الْأُخْرَى، وَيَنْسِبُونَهَا إِلَى أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى عُنصُرِيَّةٍ كَرِيهَةٍ نَلمِسُهَا بِوُضُوحٍ فِي أُورُوبَّا وَالْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ وَجَنُوبِ أَفْرِيقْيَا.

مَا تَأْثِيرُ ذَلِكَ عَلَى التَّعْلِيمِ فِي مِصْرَ؟ وَاضِعُو الْمَنَاهِجِ التَّعْلِيمِيَّةِ أَخَذُوا فِي اعْتِبَارِهِمُ النَّظْرَةَ الْأُورُوبِّيَّةَ لِتَارِيخِ الْحَضَارَةِ – فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَنْ قَصْدٍ، ثُمَّ صَارَ ذَلِكَ طَبِيعِيًّا، لِأَنَّهُمْ أَنْفُسَهُمْ قَدْ حَصَلُوا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّعْلِيمِ.

مَا هِيَ خَوَاصُّ هَؤُلَاءِ الْمُتَعَلِّمِينَ؟ أَوَّلًا: الْإِهْمَالُ الَّذِي يَكَادُ أَنْ يَكُونَ تَامًّا بِالْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ. ثَانِيًا: انْقِطَاعُ الصِّلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَارِيخِهِمُ الْحَضَارِيِّ. ثَالِثًا: التَّشَبُّعُ بِالْمَفْهُومِ الْأُورُوبِّيِّ لِلْحَضَارَةِ وَتَارِيخِهَا. رَابِعًا: الشُّعُورُ بِالنَّقْصِ نَتِيجَةً لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّعْلِيمِ. وَبِالتَّالِي يَبْقَى الْإِنْسَانُ مُقَلِّدًا، وَلَيْسَ مُبْدِعًا. وَيُصْبِحُ بِذَلِكَ عَالَةً عَلَى الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

لَقَدْ نَجَحَ الْمُسْتَعْمِرُ نَجَاحًا كَبِيرًا فِي حَشْوِ أَدْمِغَةِ الأَغْلَبِيَّةِ الْعُظْمَى مِنَ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي بِلَادِنَا، وَالَّذِينَ بِيَدِهِمْ تَصْرِيفُ الْأُمُورِ – سَوَاءٌ فِي الْإِدَارَةِ، أَوْ فِي الْاقْتِصَادِ، ِبَما يُرِيدُهُ لَهُمْ، كَيْ يَصِيرُوا أَتْبَاعًا. وَبِرَغْمِ جَلَاءِ الْمُسْتَعْمِرِ بِجَيْشِهِ عَنْ بِلَادِنَا، إِلَّا أَنَّهُ مَازَالَ يَحْتَلُّ أَدْمِغَتَنَا، وَهَذَا أَخْطَرُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْاحْتِلَالِ الْمَادِّيِّ. وَالْمُصِيبَةُ الْكُبْرَى أَنَّنَا لَسْنَا فِي وَضْعٍ يُمَكِّنُنَا مِنَ الْفَهْمِ الصَّحِيحِ لِلْحَالِةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا.

يَقِينًا تَمَكَّنَتْ قِلَّةٌ ضَئِيلَةٌ جِدًّا مِنْ فَهْمِ هَذِهِ الظُّرُوفِ، بِفَضْلِ فُرْصَةٍ حَصَلُوا عَلَيْهَا لِإِكْمَالِ تَعْلِيمِهِمْ، أَعْنِي الرَّبْطَ بَيْنَ التَّعْلِيمِ الْغَرْبِيِّ وَالتَّعْلِيمِ الْإِسْلَامِيِّ. وَالْغَرِيبُ أَنَّ هَذِهِ الْفُرْصَةَ تُتَاحُ غَالِبًا مِنْ خِلَالِ الْمَعِيشَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ الْغَرْبِيِّ نَفْسِهِ، وَالْاطِّلَاعِ عَلَى الْمَرَاجِعِ الْعِلْمِيَّةِ فِي مَكْتَبَاتِهِ. وَهُنَا يَكْتَشِفُ الْمَرْءُ تَزْوِيرَ الْغَرْبِيِّينَ لِلتَّارِيخِ، وَيُدْرِكُ إِسْهَامَاتِ الْحَضَارَاتِ الْأُخْرَى، وَخَاصَّةً الحَضَارَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ. إِنَّ الْحَضَارَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ بنَاءٌ سَاهَمَ فِي تَشيِيدِهِ مَجْمُوعَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الْبَشَرِ: أَفْرِيقِيُّونَ وَآسيَوِيُّونَ وَأُورُوبِّيُونَ. وَالْإِنْسَانُ الْمُنْصِفُ لَابُدَّ أَنْ يَعتَرِفَ بِمُخْتَلفِ الْمُسَاهِمِينَ دُونَ تَزْيِيفٍ وَتَعَصُّبٍ. وَالْعِلْمُ الصَّحِيحُ هُوَ الْخَالِي مِنَ التَّعَصُّبِ الْعُنْصُرِيِّ وَالدِّينِيِّ.

وَلْنَعُدْ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى مِثَالِ الشَّجَرَةِ. فَالْمُتَعَلِّمُ تَعْلِيمًا غَرْبِيًّا مِنْ مُسْلِمِي وَعَرَبِ الْيَوْمِ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ فِي جَوٍّ صِنَاعِيٍّ، فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ النَّبَاتَاتِ، وَيَكُونُ نُمُوُّهَا مُتَوَقِّفًا عَلَى هَذَا الْجَوِّ الصِّنَاعِيِّ. وَإِذَا أُزِيلَ البَيْتُ الَّذِي حَوْلَهَا، ذَبُلَتْ وَمَاتَتْ.

إِنَّ حُبَّ هَذَا الْوَطَنِ يَسْتَدْعِي مِنَّا أَنْ نَفْهَمَ الْوَضْعَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَأَنْ نَسْعَى لِتَجَنُّبِ مَسَاوِئِهِ. وَذَلِكَ لَا يَكُونُ، إِلَّا بِتَوْحِيدِ التَّعْلِيمِ، وَإِصْلَاحِ مَنَاهِجِهِ، وَتَكْوِينِ الْمُعَلِّمِ الْوَاعِي وَالْمُخْلِصِ. وَبِذَلِكَ نُمَهِّدُ الطَّرِيقَ أَمَامَ الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ لِلسَّيْرِ فِي الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ.

إِنَّ أَكبَرَ مُصِيبَةٍ أَصَابَتْ بَلَدَنَا هِيَ تَأَخُّرُ التَّعْلِيمِ وَفَسَادُهُ. وَكُلُّ مَجْهُودٍ ضَائِعٌ لَا مَحَالَةَ، إِذَا لَمْ نَقُمْ بِإِصْلَاحِ التَّعْلِيمِ – لَيْسَ بِالْكَلامِ، وَلا بِتَصْرِيحَاتِ المَسْؤُولِينَ وَغَيْرِ الْمَسْؤُولِينَ، وَلَكِنْ بِتَشْخِيصِ الْمَرَضِ تَشْخِيصًا وَاعِيًا صَحِيحًا، وَإِعْدَادِ الْوَسَائِلِ الْفَعَّالَةِ لِلْعِلَاجِ الَّذِي سَيَسْتَغْرِقُ وَقتًا طَوِيلا لَا مَحَالَةَ. وَلْتَكُنْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِدَايَةً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كَاتِبُ هَذَا الْمَقَالِ:

١- رئيس اللجنة الهندسية بأكاديمية العالم الثالث (تريستا – إيطاليا)، ومندوب الأكاديمية لدى هيئة الأمم المتحدة (چنيف).

٢- مستشار الاتحاد الدولي للتحكم الآلي (ڤيينا) – ومستشار اليونسكو (باريس).

٤- عضو اللجنة الاستشارية لوزير العلم والتكتولوجيا لجمهورية وستفاليا بألمانيا الاتحادية.

٥- زميل جمعية مهندسي الكهرباء والالكترونيات الأمريكية

٦- حاصل على عدة جوائز علمية ودولية من سويسرا وأمريكا والصين، وغيرها.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023