يتساءل القارئ الكريم، كيف تكون كلّ الفترة التي هيمنت فيها الفئة الباغية(الانقلابيون) ليلة، لأنّها – باختصار كبير- مهما طالت أيامها، فهي قصيرة، والظلم وإنْ كان له على حين غفلة من المستضعفين جولة، فإن للحق صولة، وإذا تمكن الباطل من مخادعة بعض الناس في بعض الوقت، فإنّه لا يمكن مخادعة كلّ الناس كلّ الوقت، لهذا فالفئة الباغية مهما حاولت مخادعة الناس، فإنّ مآلها إلى زوال، وأيامها تقصر بقدر محافظة أهل الحق على سلمية احتجاجاتهم، لأنّ خبراء العنف في جناح الفئة الباغية يريدون عسكرة النزاع السياسي، ليسهل على الفئة الباغية إطالة عمر الأزمة في مصر، بإعطاء عناصر بقاء لفئة باغية آيلة إلى موت سنني، أي الفئة الباغية تريد أن تنال شهادة بالشهادة كأنّها ضحية وهي في الحقيقة جلاّد، وأن تحوّل الانقلاب إلى ثورة قادها "وزير الدفاع".
البون شاسع بين خبراء العنف، وخبراء السلمية، فالفريق الأول يستغيث بكلّ عنيف تفكيرا وتدبيرا وتدريبا، ويستبعد كلّ من يفكّر في حل النزاعات في سلمية، أما الفريق الثاني فيسعى جاهدا لاستبعاد كلّ من يفكّر بالعنف أو يزاول العنف، فهم يستعينون بكلّ خبراء السلمية، بل وكلّ معين على الحفاظ على السلمية، لهذا لا مجال للمقارنة بين خبراء العنف وخبراء السلم، فالأول يعرَّض البلاد والعباد للخطر، والثاني يحاول أن يبعدهم عن المخاطرة بمصر شعبا ووطنا، وكلّ ذلك ييسّر للعاقل فهم أي السبيلين، أرقى، وأي المسلكين أكثر فعالية، وأي فصيلين قلبه على مصر، وطنا وتاريخا وحاضرا ومستقبلا؟ فريق يهمه أن يصل إلى الحكم ولو أفضى الأمر إلى تدمير البلاد والعباد، وفريق يدعو إلى الشرعية، التي عندما كانت حاكمة تفيّأ الناس في ظلالها أمنا بالرغم من المؤسسات الضرار التي رامت إفشال مشروع الشرعية، لتكون غير الشرعية التي تقوها الفئة الباغية مسلكا محبّذا، والمقارنات البسيطة بين ما يقع في ليلة الفئة الباغية ونهار الشرعية ناطق بنفسه، ونظيف إليه بعض ما يستشف بقليل نظر ، منها على السبيل المثال لا الحصر:
1- عهد تعميم الخوف:
استهل الفقرة بما ذكره قائد الفئة الباغية "السيسي" في حواره مع الواشنطن بوست معلقا على عهد الرئيس الشرعي، فقال:"كان المصريون خائفين ويشعرون بالإرهاب وهم في منازلهم"، و بالرغم من التشهير المتضمن في هذا التصريح، والأبعاد الابتزازية البادية منه، إذ رغبته في ابتزاز الإدارة الأمريكية والدول الغربية ظاهرة من هذا التصريح، ونحن بهذا الصدد نسائل الدول الغربية عامة والمجتمع المصري خاصة، إذا سلّمنا بصحة ما ذكره المبتز(قائد الفئة الباغية) بأنّ الخوف هو السمة العامة التي تميّز بها عهد الشرعية، فهل ليلة الفئة الباغية كانت آمنة؟، وإذا كان الناس في الأيام السابقة غير آمنين في منازلهم، فهل هم في عهد الفئة الباغية أمنون؟. إنّهم في عهد الفئة الباغية ليسوا خائفين في منازلهم فحسب، بل هم خائفون في كلّ مكان، من الشارع إلى السوق إلى مكان العمل… في الليل في النهار، الصغار الكبار، الشباب والشيوخ، التاجر المشتري، صاحب المركبة والراكب، الطبيب والمريض، و…
2- من إرضاء فئة سلمية إلى إرضاء فئة عنفية:
ومما قاله أيضا في حواره السابق الذكر: " وهذا ما جعلهم يقودون البلاد فقط لإرضاء القاعدة الشعبية التي يمثلونها فقط، وهذا ما لم يجعل مرسي رئيسا لكل المصريين"، بينما في هذا العهد أصبح النظام المصري في عهد الفئة الباغية يعامل كلّ مؤيّد للشرعية أو مدافعا عنها، فتجده إما مُهاجمَاً أو مختطفا أو مُعْتَقَلاً أو مَقْتُولاً أو مُذَلاً أو مُهَانًا، أو مُسَلَّطًا عليه البلطجية…فإن كان عهد الرئيس تميّز بإرضاء فئة من المصريين، فإنّ هذه الفئة ماخرجت مرّة محرّضة على قتل المخالف السياسي، بينما استهل عهد الفئة الباغية بطلب رئيسها" السيسي" بتفويض شعبي لقتل المخالف في الرأي السياسي، وإعلام الفئة الباغية أصبح محرّضا بامتياز على القتل والكراهية، والبلطجية في عهد السيسي هم المواطنون الشرفاء وأغلبيتهم الساحقة من خريجي السجون، والإرهابيون هم أساتذة جامعات وعلماء في مختلف التخصصات، فهل هناك فرق بين العهدين؟
3- حظر التجوال:
في عهد الشرعية بالرغم من عملية الإفشال العام لمشروع الشرعية السياسية، وبالرغم من وجود دواعي إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوّل، إلاّ أنّ الشرعية لتعبيرها الفعلي عن آلام المجتمع وآماله ما أعلنت، لعلمها بأثرها الوخيم على الحالة الاقتصادية للمجتمع، فقد كانت السياسة الحكيمة للشرعية، متناغمة مع حاجات المجتمع، أما سياسة الفئة الباغية فلا همّ لها غير السيطرة على مفاصل الدولة، ولو أفضى ذلك إلى تعطيل الحياة الاقتصادية والعامة للمجتمع، كان الناس في عهد الشرعية يمشون آمنين ليلا ونهارا، وعندما هيمنت الفئة الباغية سلّطت البلطجية على المواطنين الشرفاء، واستعادت هذه الفئة الباغية الدولة البوليسية بامتياز، فابتلي المجتمع مرّة أخرى بزوار الليل، والبلطجة المتحالفة مع جهاز الأمن، ويكفي أن تسمع التنظيم الرسمي للهروب الجماعي لمساجين الحق العام في الأيام الأخيرة من العهد غير المبارك، فترة وزير داخليته حبيب العدلي، وهي ذات الفلسفة التي سارت عليها حكومة الفئة الباغية.
4- من التعددية إلى الأحادية:
امتازت أيام الشرعية بالتعددية السياسية التي ما حلم بها أوسع الناس خيالا في مصر، فقد كانت الأحزاب المناوئة للجهة الغالبة في الانتخابات النزيهة، تزاول كلّ حقوقها في التعبير عن آرائها من غير ضغط من سلطة أو تعنيف رسمي، حتى أنّها لم تواجهها بالقوة العمومية بالرغم من وجود دواعيها، فظلّ المتشدّقون بحق المعارضة يعارضون من غير مبرر سياسي ظاهر غير إفشال النخبة التي اختارها الشعب، ويكفي هذا القصد ليدفع الحكومة إلى التدخل من خلال القوة العمومية، ولم تفعل ذلك لعلمها بأنّ الديمقراطية الناشئة تفرض التغاضي إلى حين تدرّب المجتمع على قبول الرأي والرأي الآخر، وفضلا عن التعددية السياسية التي لا تخطئها العين المجرّدة، فقد عرفت أيام الشرعية تعددية إعلامية ظاهرة، وبالرغم من تجاوزاتها الأخلاقية والمهنية التي أخذت بُعْدًا تشهيريا بالمزاحم السياسي، وخاصة جملة المرافعين عن الشرعية، ومع كلّ الانحطاط والسفالة والتجاوز المقترف من قبل جماعة الحريات في الرأي( باسم يوسف، ولميس الحديدي، ومصطفى بكري، و…) والفن والحقوق و…، لم يعترض سبيلهم أحد، بل كان الرئيس الشرعي هو القلعة التي تمنع أي اعتداء عليهم، بعنوان احترام الرأي والرأي الآخر.
أين التعددية السياسية بعد هيمنة الفئة الباغية، أين التعددية الإعلامية بعد سيطرة الانقلابيين، اين نقد الحكام من قبل الإعلام البلطجي، أين باسم يوسف، أين المرافعون عن حقوق الإنسان، أين سعد الدين إبراهيم، الواضح أنّنا افتقدنا التعددية في كلّ مجالات الحياة البشرية، فلا نرى بالعين المجرّدة – ومن غير حاجة إلى التنقيب-إلا أحادية يقودها السيسي"فرعون"القائل بصريح عبارة جده فرعون، كما نقلها القرآن الكريم في الآية 29من سورة غافر، ﭧ ﭨ ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﭼ، وشواهد الفرعونية كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: رغبة الفئة الباغية بمنع كلّ رأي لا يوافق ما يميلون إليه، فمن غلق المساجد، ومنع صلاة الجمعة، وتوقيف الأئمة، إلى توقيف الإعلاميين كرئيس مجلس إدارة الأهرام عزل من قبل المجلس الأعلى للصحافة لأنه انتقد الانقلابيين، فالنقد ممنوع، ولا حاجة للفئة الباغية وقادتها إلا لكتبة حواشي على متن قائد الانقلاب "الثورة التي قادها وزير الدفاع" وأيّدها مفتي خوارج العصر، ووعّاظ السلاطين، رغبة في وظيف أو طمعا في رغيف.
ولم تتوقف الأحادية عند الشأن السياسي بل طالت العمل المهني والنقابي، فيكيفك أن تعرف أنّ كل نقيب نقابة يعتقل لأنه غير موافق على الانقلاب، أو لقوله أنّ ما وقع انقلاب بامتياز، فأين نقباء نقابات الأطباء، وأطباء الأسنان، والصيادلة، والبيطريين، والمهندسين، والمعلمين، و… ) بل قد يطال في قابل الأيام كلّ رافض للفئة الباغية، فقد بدأنا نسمع باعتقال المحامين الذين تبنوا ملفات المعتقلين والمختطفين، ومداهمة منازل الشرفاء من أمثال الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا، وليس مستبعدا مداهمة منزل أد محمد عمارة، والصحفي الألمعي فهمي هويدي… هذه أساليب الضعفاء سياسيا، عديمو الحجة القانونية والشرعية والاجتماعية والأخلاقية، لا حجة عندهم غير الترويع، والتشهير والكذب، أساليب دأبت عليها الأنظمة الاستبدادية، التي هي أضعف من أن تقنع نفسها، فكيف بإقناع الآخرين.
5- انهيار الاقتصاد
اقتربت من أحد الباعة المتجولين في القاهرة أيام الشرعية، فوجدت الرجل حانقا على الوضع الذي آلت إليه البلاد، ووجدت الشاب وقد سرقت منه الابتسامة بعد أن سرق منه عقله الإعلام البلطجي، الذي ألصق كلّما حدث ويحدث بالرئيس الشرعي، فحاولت قدر الطاقة أن أهدّئ من روعه، وأقدم تحليلا أشرح به خطورة الطابور الخامس، الذي ليس إلاّ طفيليات اقتصادية وتجارية ومالية وسياسية وفنية وتعليمية ودينية و… ممكّنة من مفاصل الدولة، ومستفيدة من الوضع غير السنني للدولة، لهذا تستميت في الدفاع عن الدولة العميقة، و تسعى بكلّ ما أوتيت إلى ضرورة التحرر من القوة السياسية التي اختارها الشعب.
وفي هذا المقام أسأل هذا الشاب الآن، ومن خلاله أتوجّه بالخطاب إلى كلّ ّالشباب المُغَرَر بهم من قبل الإعلام البلطجي المسوّق لأوهام الفئة الباغية، بل وإلى كلّ إنسان سوي في مصر، فأي الوضعين أحسن، من الناحية التجارية والاقتصادية والفنية والرياضية والسياسية، أ عهد الفئة الباغية أم عهد الشرعية؟
يكفي أن يقارن البائع المتجوّل مكاسبه السابقة بالجديدة، ليعرف حجم الدمار الذي تمارسه الفئة الباغية في حق مصر في العهدين، فقد كانت الفئة الباغية السبب المباشر في قلّة الموارد المالية بسبب سياسة الإفشال المالي والسياسي الذي كانت تمارسه الدولة العميقة(الفئة الباغية في مرحلة الكمون) في عهد الشرعية، وحجم الدمار الذي حلّ بمصر بعد خروج الفئة الباغية من مرحلة الكمون إلى الظهور، إنّها الكارثة بكلّ معانيها، فلا يهمهم حاضر ومصر ولا مستقبلها، هم مبرمجون على أمر واحد وواحد فقط، منفعتهم الشخصية والشللية ولتذهب مصر إلى الجحيم.
6- من هيبة المواطن إلى هيبة قوات الأمن والجيش:
ميزة عهد الشرعية أنّه استطاع في فترة وجيزة أن يعيد للمواطن هيبته، لعلمه بأنّ الدولة التي لا هيبة للمواطن فيها دولة لا هيبة لها، فكان التجاوز على المواطن قليل وغير مصرّح به، أما في عهد الفئة الباغية فلا حرمة لدم مواطن، و لاقيمة له أمام أدوات القمع، والمواطن في عهد الشرعية بريء حتى تثبت إدانته، والمواطن في عهد الفئة الباغية مدان، وليس متهما، فحسب، وففي هذا السياق كان التحقيق مستأنسا به، … وكلّ دولة لا هيبة فيها للمواطن، فالهيئات القضائية ليست إلاّ كاتبة حاشية على متن قائد الفئة الباغية ومؤسسة استعلاماته، فالنيابة العامة تحت تصرّف الانقلابيين، وهي أداة قمع للرأي الآخر، وكل فصيل غير موافق على الانقلاب جملة وتفصيلا، فمصيره القمع والسجن والتشهير مهام كان مضيه مشرفا وناصعا بأعمال الخير لمصر والإنسانية، هكذا الفئة الباغية.
يظن الانقلابيون أن الهيبة تصنع بالترويع والتخويف، و هذه ليست من الهيبة في شيء، إنّها التخويف والإرهاب الدموي، الذي لا يمكن أن ينتج هيبة مهما طالت أيام القمع، لأنّ الهيبة تجاوب روحي ومحبّة قلبية يقتنع به العقل، فيدعو الناس إلى الإصغاء للجهة المهيبة وليس الخوف منها,
المهيب الجانب، تبذل لأجله المهج من انتظار عوض، أما ما تصنعه الفئة الباغية، فإنّها تريد دفع بعض غير العارفين بالزحام والصراع السياسيين إلى الاستقواء بالأجنبي لدفع الظلم، كما تفعل الفئة الباغية نفسها -لضعف حجتها- تستقوي بالأجنبي، تطمئن الإسرائيلي، وتقدّم للأمريكي فروض الطاعة والخدمة والتقارير في عهد الشرعية وما بعد الانقلاب، ولو لم يكن من سياسة الفئة الباغية إلا رضا إسرائيل وسكوت أم الاستعمار- بعد مهمهة-، أم الاستعمار التي هي أكبر بنات الشيطان في العصر الحديث (و م أ)، لكانت كافية في الدلالة على الهيبة التي يتصورنها لمصر وللمواطن المصري، إنّهم أشخاص لا هيبة لهم، فكيف يصنعون لشعبهم ودولتهم هيبة، إنّهم محقوقو آمال الشيطان بالتحريش بين مكوّنات المجتمع، ومحقوقو آمال أكبر بناته، بمنع النهضة الديمقراطية التي يسعد بها الأوربيون وروسيا والصين و…وهذه القوى العظمى تبادل الفئة الباغية ذات الشعور، ليقينهم جميعا بأنّهم قد قدّموا خدمة لا تقدّر بثمن، فقد حافظت الفئة الباغية على مسالك التبعية السياسية والتجارية والاقتصادية والمالية…ومنعت الاستقلال الحقيقي للمجتمعات الإسلامية، هكذا مشاريع الفئات الباغية عبر العصور، لا يمكنهم السطو على السلطة أو البقاء فيها إلاّ بالاستقواء بالأجنبي ، بل الاستقواء بالعدو العقدي والاستراتيجي للمجتمعات الإسلامية.
هذه هي الظلمات التي تريد الفئة الباغية البقاء بها في المشهد المصري، ونحن على يقين بأنّ هذه الأساليب والتصرفات هي معجّلة حتفها، لأنّها بمثابة جراثيم تصب في أوصال الحكومة الانقلابية فتردي بها إلى مزبلة التاريخ، بلا بواكي عبر التاريخ، وليس اليوم فقط، فكم من فئة باغية بكاها الناس؟ إنّهم ملعونون حتى من قبل من غرروا بهم ، بل وحتى المُغَررين أنفسهم بعد أن استعادوا رُشْدَهُم.