يقول المثل المصري "ياما دقت على الرأس طبول" وهو ما اعاد تكراره قادة جماعة الإخوان والمنتمين إليها ومن لا زالوا احياء أو خارج معتقلات انقلاب يوليو/تموز الماضي، فور اصدار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حكماً بحظر أنشطة الجماعة والتحفظ على أموالها والعقارات المملوكة لها أو لأفرادها.
المتشائمون عقب هذا القرار اقتبسوا ما قاله بنو اسرائيل لنبيهم موسى عليه السلام }قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا{ وذلك لما سمعوا ما قرارت الجنرال عبد الفتاح السيسي بحق مؤيدي الشرعية والتي تشبه الى حد بعيد ما قام به فرعون مصر، الذي كان قبل مجيء موسى عليه السلام يستضعف بني اسرائيل، ويقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم.
أما المتفائلون ومنهم الكاتب الأمريكي "جاكسون ديل" فتوقعوا عودة الحكم الإسلامي لمصر آجلا أو عاجلا، لأن مثل هذه الأوضاع ليست بجديدة على العالم فى الخمسين عاما الماضية , مستشهداً بتجارب بيونس آيريس و بانكوك, وقال أن المحصلة النهائية في كل هذه الحالة كانت سيئة حيث تلتها أعمال عنف أو حرب أهلية,وانتهاكات واسعه لحقوق الانسان، وفي النهاية من أزيح من السلطة عاد اليها مرة أخرى .
نصيحة للإسلاميين
تفطن من استرد وعيه بعد انقلاب يوليو الماضي أن عسكر كامب ديفيد كانوا دوما عاشقين للسلطة والنفوذ منذ الانقلاب الذي قام به البكباشي جمال عبد الناصر عام 1954 ضد اللواء محمد نجيب حينما أراد تسليم السلطة للمدنيين.
وفي المرة اليتيمة بعد انقلاب قام به الضابط "محمد علي" على سلطة الخلافة، قامت نخبة الشعب بثورة غير مكتملة في يناير 2011، حينها وجد العسكر أنفسهم مجبرين للانحناء في وجه العاصفة الشعبية حتى هدأت، بعد وعود "مخلبية" بتحقيق أمنيتها بالعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وفي سياق ذلك وجه الكاتب الأمريكي "جاكسون ديل" نصيحته للإسلاميين بالقول: لا يجب أن يخفى عليكم أن ما يحدث فى مصر يشبه الأحداث التي وقعت في كل من الارجنتين وفينزويلا وتركيا و تايلاند و دول اخرى من التى نصبت رئيسا جديدا بعد عقود من سلطة الفرد .
واضاف : حكومة الرئيس محمد مرسى تختلف بعض الشيء عن الحكومة التي كان يرأسها جون بيرون فى الأرجنتين , أو هوجو تشافيز فى فينزويلا و تاكسين شيناواترا فى تايلاند، كما تعتبر التجاوزات التي وقعت فيها حكومة مرسى في مصر أقل بكثير من تلك التي وقعت فيها نظيراتها في فنزويلا وتشيلي، بل إن الرئيس مرسي لم يقم بإنشاء ميليشيات او فرق إعدام ولكن ما يؤخذ على حكومته فشلها فى احتضان المعارضة والسعي للاستحواذ .
كما حذر "جاكسون ديل" العلمانيون في مصر بأنهم من الممكن أن يتوقعوا شيئا مختلفا عن الديمقراطية التي يتمنونها، وأضاف الكاتب بأن الفرحين بعودة العسكريين لديهم وجهتا نظر أن يشاركوهم أجندتهم دعمهم في القضاء على خصومهم السياسيين وهذا لن يحدث، فالقادة العسكريون لا يجيدون فنون الحوار مثل إجادتهم "القوة ".
واختتم "جاكسون" نصائحه متوقعا أن يكون الخاسر الأكبر في الانقلاب على الرئيس محمد مرسي من دعو إلى هذ الانقلاب.
مجرد تصفية
من جانبه اعتبر المحامي وعضو لجنة الحريات بنقابة المحامين سيد حامد الحكم الانقلابي بحل الجماعة مجرد تصفية حسابات سياسية، كما أنه غير نهائي لأنه صادر من محكمة درجة أولى "ستنظر القضية من جديد إذا ما طعنت الجماعة في الحكم".
وسعى العسكر قبل قرار حل جماعة الإخوان المسلمين إلى إعادة الكفة إلى ما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير، وطوروا أساليبهم من تعطيل لمؤسسات الدولة ومحاولة تفكيك ما تم انتخابه منها.
وقام العسكر ببث أوامر في كل مفاصل الدولة بالارتخاء الوظيفي، حتى أن وزارة سيادية مثل الداخلية في عهد الرئيس مرسي كانت تعتبر نفسها في إجازة لمدة 4 سنوات مدفوعة الأجر، وكان شعار الضباط في أقسام الشرطة للمواطنين "شطبنا".!
ولم تكن الضربات التي وجهها العسكر للجماعة سوى ضريبة الثقة التي حازتها بعد ذلك من الشعب، حيث التف الشعب مرة ثانية بعد التيه الإعلامي الذي استمر عاماً كاملاً، وتعمد تشويه الثورة من خلال تشويه الجماعة.
وفي ذلك يقول الخبير العسكري العميد متقاعد صفوت الزيات في تصريحات صحفية "إذا أردنا أن نلخص مشهد تظاهرات اليوم وعدد المسيرات وعدد المحافظات فسندرك أننا أمام حشود غير مسبوقه وتحرك غير عشوائى واختيار منظم لاماكن التجمع واختيار الطرق".
وحول قدرة جماعة الإخوان على إشعال شرارة الشارع الثوري يضيف الزيات "الخريطة كما قلنا قبل ذلك تتسع وتتزايد رقعتها وتشهد قدره عاليه على عودة التنظيم الجماعى لقادة التظاهرات والتنسيق الواضح فيما بين المسيرات وبعضها".
ويؤكد العميد الزيات فشل الانقلاب في اختراق صفوف الثورة العائدة من التيه، ويقول "شاهدنا بام اعييننا عشرات الالاف يحيطون بالكليه الحربية. ومثلهم عند قصر القبه ومحيط رابعة العدوية. واماكن اخرى كثيرة في القاهره والجيزة وحدهما. ورأينا اليوم ثمرة التنسيق الجماعى لطلبة الجامعات وحضورهم اليوم كان بارازا. وهو ما أثر اليوم في الاعداد التى قفز مؤشرها ليصبح كما كان قبل مقتلة رابعه وفض الاعتصام".
تراجع أمريكي
وكما "لا يفل الحديد إلا الحديد" ، لا تسقط ثورة إلا بانقلاب، وهو ما حدث في 3 يوليو، عبر طرق متوازية مختلفة حقّق للعسكر انقلابا على الشرعية، مدعوماً في الظاهر بغضبة شعبية صنعتها مخابرات السيسي على أداء الرئيس، واتهامات معلبة بتبعيته لجماعته وانصياعه لها وان من يحكم في الحقيقة هو المرشد .
الخيوط كانت واضحة وغير معقدة فقط لمن لم تنطلي عليهم خدعة 30يونيو، وجميعها كانت تمر بين أصابع العسكر ومنها إلى أنظمة التآمر الخليجية، وتمتد إلى يد الولايات المتحدة الأمريكية ثم تنتهي أخيرا في يد تل أبيب.
ولكن قد تأتي رياح الثورة بما لا يشتهي الانقلاب، يؤكد ذلك العميد صفوت الزيات، بالقول "أستطيع اليوم أن أقول أن المنحى بدأ يتخذ شكل الثورة الايجابي. ويتبلور في قدره عالية على التنظيم. وهذا ما سيجعل كثير من الامور تتغير."
وفيما ينتظر العالم ويترقب ما ستسفر عنه الجمعة القادمة التي ستكون اكثر حشد وأعدادا واكثر تنظيما وهذا كله يسبق يوم 6 اكتوبر، يقول الزيات " سيجبر العالم كله على الانتباه لمصر. وستتغير الاولويات على موائد السياسيين. بل وستجبر دولة مثل امريكا على العودة الى صيغة ان ما جرى كان انقلاب وما شابه".
ويشهد العالم قبل اعتصام رابعة والنهضة وبعد ارتكاب المذبحة بحق المعتصمين، أن تيار الشرعية بمختلف اطيافه لم يلجأ الى العنف ولم يطلق رصاصة واحدة صوب مجند مصري، وفي هذا يقول الزيات "أشيد بكل مصري رفض أن يحمل السلاح وكظم غيظه من تصرفات بعض قادة الانقلاب وادعوهم الى التمسك بالسلميه مهما حاولو توريطهم فالصبر صبر ساعه ".
وحول استفزاز الانقلاب لسلمية الثورة يقول العميد الزيات "ارى ان هدم المساجد واحراقها بل وقصفها امر لا يرضى عنه اغلب قادة الجيش المصري .وصدقنى ان التظاهرات الحاشده واستمرار الثوره هو الامر الذي يريده اغلب قادة الجيش لانهم مصريون يحلمون كما الجميع بتطهير الفساد من مؤسسة العسكر".
فاتورة الحرية
ممدوح منير المتحدث الإعلامي باسم حزب الحرية والعدالة بالمحلة الكبرى أكد توقع الجميع لقرار حل الجماعة في ظل الإجراءات القمعية والملاحقات الأمنية التي طالت محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.
واستبعد عدم قدرة نظام الانقلاب على التصعيد أكثر من ذلك، معتبرا قرار حل الجماعة مجرد إجراء شكلي ودعائي للتسويق أمام الرأي العام الخارجي، مشيرا إلى أن حرق مئات المصابين أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة "أقسى وأشد إجراما من قرار حل الجماعة".
وأبدى اعتقاده بأن قادة الانقلاب "مصممون على إنهاء أي أمل في التوصل لحل للأزمة التي أوقعوا مصر بها "لكن الشعب المصري يعلق آمالا كبيرة على أن جميع هذه الأوضاع الاستثنائية ستنتهي بعد انتهاء الانقلاب وعودة الشرعية".
وأوضح المنير أن يقينه أنهم لن يخرجوا من هذه الوضعية إلا وهم محدودبو الظهر، بعدما فضح الشعب مدبري الانقلاب في كل أنحاء العالم وحشرهم في الزاوية، وهم يتلقون الضربة النوعية تلو الضربة، وأمّا مسألة سقوطهم وعودة الشرعية إلى الشعب فهي مسألة وقت فحسب.