شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

احتفال 6 أكتوبر 2013 مشهد انقلابي بامتياز ـ د.نادية مصطفي

احتفال 6 أكتوبر 2013 مشهد انقلابي بامتياز ـ د.نادية مصطفي
  السيسي قائد الانقلاب يسرق الآن نصر 6 أكتوبر العظيم كما أن خطابه وخطاب رئيسه الانقلابي ورئيس وزرائه الانقلابي بهذه...
 
السيسي قائد الانقلاب يسرق الآن نصر 6 أكتوبر العظيم كما أن خطابه وخطاب رئيسه الانقلابي ورئيس وزرائه الانقلابي بهذه المناسبة، وهي خطابات مفعمة بالوعود الكاذبة والتطمينات الهشة، تشوه ذاكرة الشعب المصري عن هذا النصر العظيم. إن السيسي يوظف هذا النصر لتحقيق مكاسب سياسية وليجمل وجه الانقلاب القبيح وليغسل يداه من دم المصريين وحرياتهم. لأنه في واقع الأمر يكمل مشوار عملية الاستسلام والتبعية لأمريكا والتطبيع مع إسرائيل، وهو المشوار الذي دشنه السادات وأكمله مبارك على نحو تم معه –عبر 40 عاما- تفريغ نصر أكتوبر من محتواه ومن مآله المرتقب كعبور حضاري؛ حيث تحول مسار النصر إلى هزيمة حضارية تحت وطأة "السلام كخيار استراتيجي"، وحرب أكتوبر كآخر الحروب، والانفتاح الاقتصادي والرأسمالية المتوحشة، والانفلات القيمي، وجميعها قيود كبلت الاستقلال المصري برؤية ضيقة عن الأمن القومي المصري.
فبعد أن جسدت حرب أكتوبر نجاح القيادة والشعب في التغلب على أسباب هزيمة 1967، وعلى رأسها تدخل الجيش في السياسة والترهل المهني المؤسسي، فإذا بمسار 40 عاما يدعم من أشكال أخرى لهيمنة الجيش على السياسة والاقتصاد والمجتمع في مصر، ولو من الأبواب الخلفية. وها هو السيسي في 3/7 يستعيد بانقلابه العسكري بريق دور المؤسسة العسكرية في السياسة وبصورة مباشرة من جديد. فلقد ضرب السيسي بقوة ثورة 25 يناير التي تحدت نظام مبارك وفي قلبه نفوذ العسكر، حين ضرب مسارها الديمقراطي الوليد، مقدمًا قربانًا، وهو الإسلاميين، حماية للاستبداد من جديد.
وفي المقابل يتهم الانقلابيون الآن معارضي الانقلاب، الذين يخرجون منذ الجمعة 4/10 احتفالا أيضا بنصر أكتوبر، بأنهم لا يحبون الوطن ويكرهون الجيش وأنهم عملاء يثيرون الفتنة والفوضى، بل إنهم ليسوا مواطنين معارضين بل إرهابيين سيتم التصدي لهم بقوة لمنعهم من تكدير صفو الاحتفال، ومن ثم منع وصولهم لميدان التحرير وغيره من ميادين الاحتفال بقوة الغازات بل والرصاص الحي.
وفي واقع الأمر فإن هؤلاء رافعي شعار رابعة في ذكرى نصر أكتوبر، وهم يحتفلون بهذا النصر أيضا لأنه نصر الشعب المصري كله وليس جيش مصر بمفرده، إنما يحتفلون به كجزء من مقاومتهم لإرهاب الانقلاب وكشف أقنعة هذا الانقلاب وأهدافه. إنهم يرسلون رسالة قوية وواضحة، وهي أن من حرر الأرض وهزم العدو بالتحام قوي مع الشعب منذ 40 عاما، ليس هو ذلك الانقلابي الذي يرتكب مجازر دموية ضد الإنسانية، وليس هو الذي يكمم الأفواه ويعتقل الالآف ويعيد زرع الخوف والتخويف ويبث التحريض والعنصرية والكراهية بين أهل مصر.
إنه الانقلاب الذي يميز الآن بين شعبين أحدهما يمعنه بالقوة من الدخول لميدان التحرير للاحتفال مثل غيره من "المواطنين الشرفاء" (مؤيدي الانقلاب الذين يتم فتح الميدان لهم للاحتفال وهم يرفعون صورة السيسي وليس صور أبطال نصر أكتوبر).
إنه الانقلاب الذي لا يقود الآن أمة عربية وإسلامية في نضالها ضد المشروع الأمريكي الصهيوني، كما تجسد خلال حرب أكتوبر حين وقع الحظر على البترول وتقديم الدعم لشرف العسكرية المصرية، ولكنه الانقلاب الذي يستجدي الآن الصدقة ممن سبق وتمتعوا بقوة مصر الناعمة والصلدة على حد سواء. وهو الانقلاب الذي لا يقدر أن يتلاعب بقوتين أعظم كما حدث في 1973، ولكن يستمر في الخضوع لتبعية الولايات المتحدة والتي يسعى جاهدًا لينال رضاءها، كما يوقع الانقلاب مؤيديه فريسة وهم خطير أنه يناضل من أجل استقلال مصري في مواجهة ما يسميه ضغوط أمريكية ضد "إرادة الشعب المصري في 30/6/2013". فإذا لم تكن الولايات المتحدة قد عارضت الانقلاب بقوة، فإن مسلكه الداخلي والخارجي يجتهد الآن لاستمرار التحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن السيسي وأعوانه يكملون المرحلة الراهنة من استراتيجية أمريكا وإسرائيل للحرب على الإرهاب (المقصود به الآن كافة روافد الإسلاميين وليس القاعدة فقط..).
بعبارة أخرى، إن الشعب الرافض للانقلاب وهو يحتفل بنصر أكتوبر إنما يهدف إلى التذكرة بما نريد أن يكون عليه جيشنا الوطني وأن يستعيد عقيدته وروحه التي حققت نصر أكتوبر 1973.
ومن ناحية أخرى، فإن مشهد تصدي الشرطة والجيش بقوة مفرطة للمتظاهرين في 6/10، أوقعت 50 شهيدًا وأكثر من 200 مصابًا و300 معتقلا، قد أكد كيف أن الحل الأمني الاستئصالي هو اللغة الوحيدة التي يعرفها الانقلاب ضد معارضيه. وبذا يتعارض معنيان كبيران في احتفال هذا العام بنصر أكتوبر: أولهما معنى الحريات وحقوق الإنسان التي ينتهكها الانقلاب، والثاني معنى النصر على العدو والاستقلال الوطني الذي يوظفه الانقلاب لتجميل وجهه.
وأخيرًا، فالأكثر دلالة في هذا السياق المعقد والمركب هو مغزى الاحتفالية الفنية التي انعقدت في استاد الدفاع الجوي، في نفس الوقت الذي يسقط الشهداء والمصابين والمعتقلين. فإن الكلمة الافتتاحية لأحد الممثلين ثم فقرات الحفل الزاعقة من على مسرح فاقع الألوان ومتلألئ الأضواء ينضح بالبذخ السفيه، ثم منصة النخبة الانقلابية المطلة على هذا المسرح وسط ظلام دامس يلف مدرجات الاستاد والمفترض أنها تضم "الشعب" الذي ظل وراء حجاب لا يعبر عن وجوده إلا ما يذاع من صفيره وتهليله، كل هذا يمثل مشهدًا انقلابيًا مبتذلا من الناحية الإنسانية والقيمية، ناهيك عن فجاجته السياسية، وتجسدت هذه الفجاجة مع كلمة السيسي الختامية للحفل.
فالاحتفال رسمي نخبوي باهظ التكلفة مؤمَّن ومحصَّن، في حين ينعقد احتفال آخر شعبي في ميدان التحرير. وكانت المنصة تجسد إرث 60 عامًا من شخصنة النظام المصري بقيادات عسكرية: ابن الرئيس عبد الناصر، حرم الراحل الرئيس أنور السادات، المشير طنطاوي وزير دفاع مبارك لمدة عشرين عامًا، الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء الانقلابيين وقائد الانقلاب. إنه إرث ثلاثي الروافد: الناصرية، الساداتية، المباركية، يؤكد تحالف هذه الروافد في ثورة مضادة لثورة 25 يناير، أفرزت الطبعة الرابعة من نظام هذه الدولة العميقة الذي أسسه العسكر منذ 1952، أي نظام الانقلابيين ضد الشرعية الدستورية. وهو النظام الذي يحظى بمساندة خليجية (حضور وزير خارجية الإمارات).
وفي النهاية، وعلى ضوء استدعاء خلفية الرصاص والدم والشهداء والمعتقلين عبر أرجاء العاصمة الكبرى ومصر كلها، فإن السيسي يختم الحفل بكلمات على رأسها: التذكرة بالتفويض ضد الإرهاب، على أساس أن تفويض الشرطة والجيش يضع مسئولية عليهم أمام الإرادة الشعبية.
فعن أية مسئولية يتحدث: مسئولية استكمال إقصاء واستئصال تيار الدفاع عن الشرعية والرافض للانقلاب؟ كيف؟ وهذا التيار في صمود واتساع رغمًا عن أنف الانقلابين الذين يرفضون الاعتراف بالأمر الواقع على الأرض، ومازالوا يسفهون من جدوى هذه المقاومة ويبالغون في عدم تأثيرها وخاصة على مواقف الخارج من الاعتراف بالأمر الواقع الذي فرضه الانقلاب؟
 
إن كلمة السيسي في نهاية حفل- الخزي والعار، الذي لم تشهد مصر له مثيل من قبل، يكتمل مغزاها بحديثه المتزامن لجريدة المصري اليوم.. ومن أخطر ما قيل فيه أن ولاء القوات المسلحة للوطن وأن ولاء الإخوان للجماعة وللأمة ولا ترتبط بالوطن، وأن مشروعهم فشل وانتهى، وأن الوطن كان في خطر أنقذه الانقلاب منه. إن الخطورة في هذه المفاهيم تكمن في التماهي بين الجيش والوطن، وتقديس الجيش وقياداته باعتباره هو من يحدد الخطر على الوطن ويحدد مفهوم الأمن والمصلحة الوطنية وكيفية حمايتها بل وتوقيت التدخل من أجل هذه الحماية حتى لو اقتضى الأمر إسقاط رئيس مدني منتخب انتخابًا حرًا نزيهًا لأول مرة في تاريخ مصر بحجة أن رؤيته وسياساته تهدد الأمن المصري وأركان الدولة المصرية.
 
والدلالة الأكبر لهذه التصريحات (برجاء قراءة النصوص كاملة وربطها بسياق الأفعال والممارسات) أن الانقلاب لم يكن ضد رئيس فاشل ولكن ضد مشروع هذا الرئيس برمته وضد التيار الفكري والسياسي الذي يمثله.
 
لكل ما سبق وغيره أقول أن السيسي يسرق نصر أكتوبر ويستكمل مسار مبارك ومسار السادات منذ 1977، في خنق حريات المصريين وإحكام قيود التبعية حماية لشبكة مصالح مادية يحرقون في سبيلها كل قيم، مؤكدين أن الحريات والاستقلال الوطني -وهما صنوان- سقطا ضحية الانقلاب. وحمل مشهد الاحتفال بذكرى 6 أكتوبر في 2013 العديد من الدلالات بهذا الصدد.
فليحقق السيسي، إذا استطاع ولن يستطيع، الاستقلال الوطني، ولكن لن يكون الثمن هذه المرة أيضًا حرياتنا. فلا نقبل أن يتكرر مشهد عبد الناصر، الذي رفع راية مشروع استقلال وطني وعدالة اجتماعية ولكن ملتحفًا باستبداد وقهر، لأنه لا استقلال خارجي والداخل يرفل في خوف واستبداد. وبالطبع فإن خطابات الاستقلال الوطني الزائفة الآن، مقابل نزع صفة الوطنية وإلصاق تهمة الخيانة بمعارضي الانقلاب، ليست إلا أوراقًا للمناورة وللتجميل، فلا يمكن للانقلاب أن يحقق استقلالا وطنيًا ويحمي أمنًا قوميًا وهو يقهر الحريات ويدفع لانهيار اقتصادي ويقسم الشعب إلى شعبين يحرض كل منهما على الآخر. إنه آخر طبعة من نظام 23 يوليو بطبعاته الثلاث السابقة، مع ناصر والسادات ومبارك، تناوبوا على شعب مصر وأوصلوه إلى ما هو عليه الآن، ووظف كل منهم شعاراته وسياساته، وها نحن مع الطبعة الرابعة مع انقلاب السيسي يعيد الساعة للوراء 60 عامًا وليس عامين ونصف فقط.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
* أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومديرة مركز الحضارة للدراسات السياسية


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023