قرار الولايات المتحدة بوقف المساعدات العسكرية ليس طافيا لوقف العنف المتصاعد فامن المتوقع ان تكون الهجمات الإرهابية على المدنيين هي القادمة.
قرار إدارة أوباما بتعليق بعض المساعدات العسكرية لمصر هو حالة واضحة من التأخير ولكن أفضل من ألا تأتي أبدا. وعلى الرغم من أن الإعلان عنه كان من المقرر فى شهر أغسطس ولكن توقيته الآن هو تحذير لصناع الانقلاب العسكري فى القاهرة أن المعاملة القمعية للمعارضة ستغرق مصر فى مخاطر وأعمال عنف لا يمكن السيطرة عليها.
أطلق الجنود النار مرة آخرى على عشرات المحتجين السلميين فى نهاية الأسبوع الماضي وفى اليوم التالي قام مسلحون مجهولون باستهداف مجموعة من الأهداف الحكومية العسكرية فى أخطر سلسلة من العنف والعنف المضاد منذ الانقلاب.لم تعلن أي جهة مسؤليتها عن الهجمات ولكنه كان من المتوقع أن رفض الجنرال عبد الفتاح السيسي تهدئة الحملة الشرسة على الإخوان سيثير أعمال عنف. فى أي بلد بالعالم يحتجز رئيس جمهورية منتخب لمدة ثلاث أشهر دون تواصل مع عائلته أو المحامين؟ فى أي بلد آخر يتم إطلاق النار على المتظاهرين دون سابق إنذار وليس بالطلقات أو الرصاص المطاطي ولكن بالذخيرة الحية؟
لم تشهد مصر مثل هذا القمع لعشرات السنين ويبدو ان السنوات القليلة الماضية من حكم حسني مبارك كانت أفضل تقريبا: فاعلى الرغم من السيطرة الكاملة والضيق كانت هناك مظاهرات أكثر او أقل من الآن وكان يسمح للإخوان بتقديم مرشحين للبرلمان كمستقلين. وقد بدأت محاكم النظام باتخاذ إجراءات ليس فقط لحظر الحزب السياسي الذي أسسه الإخوان بعد 2011 ولكن أيضا قامت بحظر الجمعية الخاصة بهم وأنشطتها الاجتماعية تماما. فى خلال العام التي كان للاخوان فيه قوة جزئية فى مصر لم يكن سجل الإخوان جيدا حيث لم يبذلو جهدا كافيا لكبح جماح الشرطة والتي كانت انتهاكاتها واحدة من الشكاوى الرئيسية التي ادت الى مظاهرات يناير 2011. فى الواقع كان هناك أوقات للإخوان على استعداد فيها لتشجيع بلطجية الشرطة ضد معارضيها.ولكن إخفاقات محمد مرسي لا يمكن أن تتطابق ناهيك عن تبريرات ماحدث منذ الانقلاب فى 3 يليو من هذا العام.
وبنفس القدر هناك غياب فعلي لانتقادات الرأي العام أو الاحتجاج السلمي من قطاعات أخرى من المجمع المصري بخلاف ممؤيدي الإخوان. فالمجال على تويتر لا يزال مفتوح للمعارضة التي لم يتم الانتقام منها او اعتقالها حتى الآن لنشر تعليقات مناهضة للجيش هناك او على الفيسبوك.يرى النظام ماهو بمثابة صمام أمان مفيد وأكثر أهمية وهو التركيز على الصحافة الرسمية ومحطات التلفزيون والبرامج الحوارية والتوك شو لتوصيل رسائل بشعة عن الإخوان وجميع أعمالهم وكذلك الاستعانة بعدد قليل من الشخصيات البارزة الغير إخوانية للتحدث بها مثل محمد البرادعي. ونتيجة لذلك أصبح الاستقطاب التام هو السياسة السائدة وكانت اللهجة العاطفية فى النقاش ليست أكثر من الحدة الى أن أصبحت فرص المصالحة فى نهاية المطاف تبدو واهية أكثر يوما بعد يوم.
أنضم بعض السلفيين الى الاحتجاجات ولكن حزب النور الذي كان يمثلهم فى الانتخابات الأخيرة لا يزالو يترددون مابين مساندة الانقلاب والصمت. كذلك بعض الليبراليين والعلمانيين يتبنون شعار "لا للإخوان ولا للعسكر" ولكن إن لم يتم التخلي عن هذا السياج وإدانة تهديد المدنيين وقبع الحريات من قبل الجيش فسيكون موقفهم السياسي باطل. وعلى الرغم من أن الاقتصاد فى حالة يرثى لها فأن مجتمع الأعمال يتدنى يوميا ويحتاج لفتات من الآمل لكي ينهض. ولا يمكن العيش الى الابد على قروض السعودية والإمارات فالسياحة ميتة وهجمات يوم الأثنين بالقرب من متجعات البحر الأحمر والتي تعد الأولى من نوعها منذ عدة سنوات سيؤخر من انتعاشها.
حتى الآن وبعيدا عن المساهمة فى الاستقرار مايقوم به الجينرال السيسي وأتباعه من المدنيين سيوصل فقط بمصر الى مزيد من الاضطراب. وكذلك ضرب منطقة البحر الأحمر لآول مرة, هجمات هذا الأسبوع اوضحت أيضا أول استخدام لقذائف صاروخية ضد أهداف حكومية وسط القاهرة.
إذا كان العراق هو الدليل فإن المرحلة المقبلة ستشهد عنف إرهابي ضد المدنيين من خلال السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة. وربما يقوم الجينرال السيسي بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية, واستغلال ارتفاع نسبة العنف لترديد نغمة أن مصر تحتاج رجل قوي جديد. ولكن ماتحتاجه حقا هو أن يتعافى الإقتصاد تدريجيا وتتحقق العدالة الإجتماعية وقوات شرطة غير مسيئة يتم إدارتها بشكل سليم وبيئة مواتية لتعدد وسائل الإعلام وخيارات متعددة الاحزاب والتسامح الذي هو الداعم الحقيقي للإستقرار.