هكذا تجمع الناس حوله بصورة مذهلة ولم يتمكن من الخروج إلا بعد أكثر من ساعة من الحديث معهم وإجابتهم عن أسئلتهم بلغته البسيطة السهلة المليئة بالتواضع والتى لا يمل الناس منها. وكلما قام بعض معارفه باستئذان فريق من الناس لتركه يتحرك جاءت فرق أخرى والتفت حوله وهو لا يتأبى ولا يتضجر بل إن ابتسامته لم تفارق وجهه رغم آلام المرض.
وجدته يتحرك بصعوبة ولكن بثبات ويبتسم بثقة ورضا بقدر الله رغم شدة المرض. كلماته الهادئة فى معظم الأحيان تنفذ إلى القلب والعقل معا لأنها ليست كأى كلمات تنطلق فى الهواء ولكنها كلمات "مخدومة" فهى مشبعة بعلم موسوعى وتحليل عميق وثقة متواضعة وسرعة بديهة لافتة.
أقبلت عليه للسلام بعد أن خف الزحام حوله فإذا به يتحرك نحوى ويحتضنى بصورة مفاجأة.
لم أكثر من الكلام معه سوى كلامات قليلة فقد فضلت الاستمرار فى الإنصات إلى حديثه المتدفق الذى أتشوق دائما للاستماع إليه.
ذلك رجل لا أبالغ إن قلت إنه جامعة من العلم والتحليل والفكر والخلق الرفيع.. ابن مدرسة المتفوقين تلميذا وطالب الطب النابه ثم عالم الطب الذى فاضت عبقريته على الفكر والثقافة والتاريخ فصار مؤرخا نادرا فى تشريح الأحداث والمواقف التاريخية وقضايا الأمة ومستقبلها. والأهم أنه يحتفظ بخلق رفيع، ذلك الخلق الذى شح فى عالم اليوم كثيرا.
صاحب الموقف الكبير المقاوم بالكلمة للانقلاب ضمن قافلة الشرف وكلمة الحق التى نتابعها يوميا ضد الانقلاب الدموى. فصلوه من الجامعة ضمن قائمة الشرف من علماء مصر ورجالها الأبرار ظنا منهم أن ذلك يثنيه عن موقفه ودوره التاريخى الذى يقوم به الآن فلم يزده ذلك إلا قوة فى الموقف وثباتا على كلمة الحق التى قل الناطقون بها.
يتابعه المشاهدون يوميا -تقريبا- فيجدون فى كلامه -وزملائه المعارضين للانقلاب- دواء من حالة غثيان جارفة يفجرها بلاطجة السياسة وشبيحة الإعلام الذين حفظوا عن ظهر قلب أسطوانة معطوبة لا يملكون ترديد غيرها عن الرئيس المنتخب وعام حكمه اليتيم.
سيذكر التاريخ أن محمد الجوادى ورفاقه وتلك الثلة القليلة من الثابتين على طريق مقاومة الانقلاب الظالم هم بمثابة "كلمة الحق" التى يتم القذف بها على جبال الكذب والتضليل والنفاق فتدمغها وتهدمها على رءوس إعلام العار.