في الوقت الذي تقول ديباجة دستور لجنة الخمسين إن مصر رأس إفريقيا…جمَّد الاتحاد الإفريقي عضوية مصر بسبب الانقلاب العسكري.
وفي الوقت الذي يدعي الدستور إن مصر دولة عربية تعمل من أجل التكامل العربي… الخ، يُهان أقرب العرب إلينا في كل بقعة من بقاع مصر باتهامات فضفاضة، وبإمكانك أن تراجع ما ذكرته وسائل الإعلام وجمعيات حقوق الإنسان عن الاضطهاد المنظم لأكثر من ثلاثمائة ألف لاجئ سوري في مصر، ناهيك عما يلاقيه المواطن الفلسطيني المسكين داخل مصر أو على معبر رفح.
يقول بعض أعضاء لجنة الخمسين إنه دستور معجزة، وإنه لا مثيل له في الحريات، ولكن الغريب أنه دستور يضع سيف المحاكمات العسكرية على رقبة غالبية المواطنين.
وفي الوقت الذي يحاول أعضاء لجنة الخمسين أن يصفوا دستورهم بأنه ديمقراطي، يرسي مبادئ التعددية، نراه يجعل من وزير الدفاع (وهو مُعَيَّنٌ غير منتخب) إلها يعبد في الأرض من دون الله.
هذا هو جوهر الدستور المزعوم، إنه دستور عنصري، يحوِّل الغالبية الساحقة من المصريين خدما أو ضيوفا – على أقل تقدير – عند أصحاب الوطن الحقيقيين، أعني العسكر!
سيقول البعض إنني أبالغ، ولكن الحقيقة أن مادة وزير الدفاع، لا مثيل لها في تاريخ الديمقراطيات، وستظل هذه المادة أنموذجا فريدا على قدرة البشر على التَّسَفُّل، وسوف نُدَرِّسُها لأبنائنا وبناتنا في المستقبل لندلل لهم على حقيقة استبداد هذا النظام الذي أسقطناه.
لن أحدثك عزيزي القارئ على مواد بعينها، لأن الأمر أكبر من مجموعة مواد، إنه دستور عنصري، يُقَوِّي المعينين في وجه المنتخبين، فلا أحد من الذين انتخبتهم يستطيع أن يقترب من مؤسسة القوات المسلحة، سياسيا أو اقتصاديا أو غيره، وكذلك جميع أجهزة القضاء، ولا يوجد أي مواد تمنع التمييز في التحاقك بهذه الأماكن، وكذلك سائر مؤسسات الحكم، مثل الشرطة والخارجية، إنه دستور السادة والعبيد.
سيقولون لك انظر للنصف الممتلئ من الكوب، ووالله لقد نظرت إليه، فلم أجد إلا سمًّا!
سيقولون لك ضرورات المرحلة، ووالله لم أجد نهاية لهذه المرحلة التي زادت عن ستين عاما ويريدون لها أن تمتد إلى الأبد!
سيقولون لك نحن في حرب على الإرهاب، ووالله لم أجد إرهابيا أكبر من أجهزة الأمن التي تحرق المواطنين أحياء على أبواب السجون بعد أن قبضت عليهم!
سيقولون ويقولون ويقولون… وأنا أقول لهم، إن الدستور الذي يُقْتَلُ خلال كتابته آلاف المواطنين لا يُعَبِّرُ عني، والدستور الذي يُصَوَّتُ عليه وفي السجن آلاف المعتقلين لن أُشارك في التصويت عليه، والدستور الذي يُكْتَبُ في جلسات سرية، ودون أن يُطْرَحَ للحوار المجتمعي، لا يمكن أن أساهم في إعطائه شرعية كاذبة.
هذا دستور لجنة الخمسين، وأنا أنادي كل من فيها، وكل من له علاقة بالنظام … يا قوم… أرونا أنفسكم، أرونا (شعبكم) الذين تزعمون من دون المصريين، أرونا 22 مليونا وقعوا على ورقة تمرد، وأرونا 33 مليونا، أو 44 مليونا نزلوا إلى الشوارع والميادين يبايعون الانقلاب، ويؤيدون القتل…!
إذا لم يحصل هذا الدستور على ثلاثين مليونا من الموافقين فمعنى ذلك أن كل ما قيل من أرقام لم يكن أكثر من كذب صفيق.
لقد خضنا استفتائين في السنوات الثلاث الماضية، وصَوَّتَ في كليهما 18 مليونا من المصريين، وبالتالي إذا حصلتم على أقل من هذا العدد فإننا نكون قد هدمنا بناية من عشرة طوابق، لكي نبني بناية أصغر، كل ذلك لكي نغير بعض تفاصيل الواجهة، وفي سبيل هذا أضعنا الأرواح والأموال والوقت، وخلقنا الأحقاد بين الناس، وشرخنا المجتمع شرخا سيحتاج إلى سنوات من الترميم.
لقد هدمنا مسارا حقيقيا، نتج عنه دستور وانتخابات صوَّتَ فيها عشرات الملايين، فأرونا ماذا أعطيتمونا اليوم، هل استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير؟
للأسف… يبدو أن التزوير هو الحل، وإلا ستكون الفضيحة بجلاجل …!
وبالنسبة لأحرار هذا البلد، المقاطعة هي الحل، لا تعطوا شرعية للقتلة، هذا رأيي بعد بحث وتفكير.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …