في مفارقة غريبة لا تحدث الا في هذا الزمن الرديء الذي تقلب فيه الحقائق ويزور التاريخ ويصبح الخطأ صوابا والصواب خطأ، توجه محكمة مصرية الى الرئيس المعزول محمد مرسي تهمة الارهاب والتخابر مع حماس، في ما تبرئ محكمة اخرى الفريق احمد شفيق ونجلي الرئيس المصري المخلوع جمال وعلاء مبارك.
هذه المفارقة تجعلني وتجعل كل فلسطيني، ونحن المحبين لمصر واهلها، وهي التي احتضنتنا في ازماتنا ولطالما كانت عوننا لنا في محننا وفتحت لنا جامعاتها لنتعلم لاجيال، نشعر بالحزن لما آلت اليه مصر العروبة، مصر التي غادر الدنيا منها خالي وهو لواء طيار، اركان حرب في جيشها وشارك في حربي 67 و73، ولقمت اسرائيل الف حجر كلما دعت الضرورة، حتى يصبح التخابر مع حركة مقاومة فلسطينية تهمة، بدلا ان تكون وساما وشرفا يعلق على الصدور.
الغريب ان حكام مصر الجدد منذ الانقلاب العسكري وايام الرئيس المخلوع مبارك كانوا كلما ضاقت عليهم، لا يجدون سوى الفلسطينيين لتحميلهم اخطاءهم، فتارة يتم تلفيق الاتهامات للفلسطينيين المقيمين فيها وتنشر الشائعات على انها حقائق لينتج عنها حملات تحريض وكراهية وينبري كتبة معروفون، لشيطنة الفلسطيني وحركاته المقاومة.
وسائل الاعلام المصرية حاولت ومنذ الانقلاب وحتى الان تصوير حركة حماس على انها عدو الشعب المصري، فتارة تحذر المصريين من الغزو الحمساوي لسيناء بغرض احتلالها وتوطين الغزيين فيها بالاتفاق مع حركة الاخوان المسلمين، وتارة اخرى تحاول ان تقنع الشعب المصري بان الارهاب الذي تشهده سيناء هو مستورد من غزة وليس صناعة محلية، مع ان زعيم تنظيم القاعدة الحالي هو ايمن الظواهري وهو مصري الجنسية.
مسلسل تكريه الفلسطينيين كان ولازال مستمرا منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وهو لا يفرق بين انصار حركة فتح او انصار حركة حماس، بل انه بدأ قبل ظهور حماس بعشرين عاما على الاقل، ولا يقتصر على مصر فمن صبرا وشاتيلا الى نهر البارد في لبنان، ومن الكويت وتحريرها، الى العراق والغزو الامريكي له، كانت التهم المعلبة جاهزة لوصم الفلسطينيين بأي تهمة، باعتبار انهم لا بواكي لهم.
نريد فقط ان نذكر الشعب المصري العظيم ان سيناء كانت محتلة من قبل اسرائيل من عام 67 وحتى تحريرها في السبعينيات، وكان كذلك قطاع غزة، الا ان الفلسطينيين لم يتركوا اراضيهم في القطاع للسكنى في سيناء، وعندما اسقط الفلسطينيون حاجز معبر رفح ايام الرئيس المخلوع مبارك، بعد ان ضاقوا بحصار اسرائيل لهم وامعان حكومة المخلوع في تضييق الحصار عليهم، لم يبقوا في مصر بعد انتهاء المهلة التي منحت لهم بل عادوا الى اراضيهم، ولم ولن تكون لهم اطماع في مصر.
التهمة التي وجهت للرئيس مرسي، عار على جبين القضاء المصري، وهو القضاء الذي وقف بوجه مبارك عندما حاول توريث ابنه جمال، وقاطعوا واعلنوا الاضراب، تهمة مثل هذه لا تمثل مصر التي نحبها يا حكام مصر، فالشعب الفلسطيني وحركة حماس على وجه الخصوص مع مصر، ويتمنون لها الاستقرار والرخاء، والخروج من ازمتها بأقل الخسائر، ونحن نعرف بان حملات التشويه هذه ضد حماس والفلسطينيين لا تمثل مصر ولا شعبها الطيب الكريم المعطاء.
هذه التهمة التي وجهت للرئيس مرسي محاولة للاستخفاف بعقول العالم اجمع وليس الفلسطيني والمصري، لان محكمة الإسماعيلية التي وجهت الاتهام للرئيس مرسي لم تقدم دليلا واحدا على تورط حماس في ما تدعيه من مشاركة للحركة في اقتحام السجون المصرية وقتل جنود مصريين، وما تحاول حكومة الانقلاب ان تفعله لن ينطلي على أحد، فهذه القضية تعبر عن استهداف خطير سياسي وإعلامي للشعب الفلسطيني ككل، وليس حركة حماس فقط، ويتم استخدام القضاء فيه كأداة سياسية.
نحن نحب مصر ونحب شعبها ولكننا نحب فلسطين ايضا، والعداء المستشري لحركة الاخوان المسلمين في مصر ودول اخرى خرج عما هو مسموح به في الخصومة السياسية ومحاولة الانتقام من كل من له علاقة بالاخوان او متعاطف معهم لن يجدي، واتهام رئيس شرعي ومنتخب بالتخابر مع حركة مقاومة للاحتلال الاسرائيلي وترضخ تحت حصار خانق، هو قمة الاستخفاف بعقولنا، فارحمونا يا حكام مصر وارحموا عقولنا وارحموا الشعب الفلسطيني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحفي في القدس العربي *