مع خروج الحشود الكبيرة خلال انتفاضة 2011 التي أطاحت بالدكتاتور حسني مبارك، ومع ترنح النظام القديم، لم يتدافع السياسيون والجنرالات فقط لحماية مصالحهم بل وكبار رجال الأعمال الذين كانوا على صلات بالنظام القديم؛ قاموا بحزم حقائبهم وملياراتهم وفروا من البلاد.
أحد هؤلاء كان حسين سالم الملقب بـ "أبو شرم الشيخ" وذلك لما يتملكه من فنادق عديدة في ذلك المنتجع الساحلي.
حصل سالم على مليارات الدولارات في مجالات الطاقة والأسلحة والضيافة، وذلك في عهد مبارك، حيث كان مقربا جدا منه لدرجة أنهما استثمرا معا، بحسب وثائق حصلت عليها فورين بوليسي.
كان هذا تحالفا مربحا لسالم في أوائل الألفية، ومنحه مبارك حق احتكار تصدير الغاز المصري إلى الأردن وإسرائيل وأسبانيا، وهو ما استخدمه سالم لبيع الغاز بأسعار أقل من أسعار السوق لسنوات مما أدى الى خسارة الدولة المصرية ما يقرب من 700 مليون دولار وفقا لمحكمة مصرية.
ولم يعد سالم إلى مصر منذ سقوط مبارك، لأسباب وجيهة، فقد قامت الانتفاضة لتعويض الملايين التي سرقها مبارك وأعوانه، وركزت سلسله من الدعاوى القضائية على الممارسات التجارية الفاسدة لسالم وعائلته.
في أكتوبر 2011 أدين سالم وابنه خالد وابنته ماجدة بالكسب غير المشروع من مبيعاتهم للغاز المصري، وحكمت المحكمة عليهم غيابيا بالسجن لسبع سنوات في يونيو 2012، وقد أدين سالم ببيع الغاز لإسرائيل بأقل من أسعاره في السوق الدولي وحكم عليه غيابيا بـ15 سنة وأمر هو ومن معه من متهمين بدفع غرمه تقدر بـ412 مليون دولار.
ومع كل ذلك فان سالم حاصل على الجنسية الأسبانية، مما أتاح له مراغه الأنظمه القانونيه بمصر، و يعيش بمدينه مايوركا باسبانيا مع ابنه و ابنته، وهم مطلوبون من الانتربول الدولي، و قد رفضت المحاكم الأسبانيه تسليمه الى مصر لعدم وجود اتفاقيات تعاون قانونيه ثنائيه بين البلدين. بالاضافه الى عدم ثقه المحاكم الاسبانيه بنزاهته العمليه القانونيه بمصر.
ولكن وللمرة الأولى منذ الإطاحة بمبارك، ابتسم الحظ لسالم وغيره من رجال أعمال زمن مبارك عندما أطاح الجنرالات بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو الماضي، قال سالم حينها إنه منتشٍ ويخطط للعودة إلى مصر، بحسب إفادة محاميه طارق عبد العزيز للفورين بوليسي. واتصل الملياردير المقرب من مبارك ببرنامج تليفزيوني شعبي في يناير ليقدم عرضا مفاده: أسقطوا عني التهم وسأعطي مصر ملايين ورحب مسئولون مصريون بالعرض علنا.
"سيد حسين سالم و رجال الأعمال النبلاء…مبادركتم هي محل تقديرنا حقا".. هكذا قال هاني صلاح المتحدث باسم مجلس الوزراء خلال الهاتف على قناة السي بي سي قائلا "أي شخص يقترح عرضا نبيلا و جيدا، لابد على الأقل من الاستماع له من أجل خير وطننا الغالي مصر".
وأضاف صلاح: منذ الإطاحة بمرسي فان مصر منفتحة على مبادرات المصالحة، وهو يتوقع عروضا مماثلة من رجال أعمال زمن مبارك الهاربين.
و يمكن التوصل الى صفقات المصالحة إما من خلال لجان معينة من قبل رئيس الوزراء ووزير العدل، أو أنها تتم بوساطة النائب العام المعين من الرئيس.
و تحمل المصالحة ما هو أكثر قليلا من إسقاط التهم في مقابل المال، وفي أثناء مكالمة هاتفية أخرى في 9 يناير، قام سالم بعرض 3.6 مليون دولار للحكومة للقيام بدفعه في السياحة والقيام بإصلاحات في الكنائس و المساجد وأقسام الشرطة في مقابل حريته. وهذا ما يعد انخفاضا حادا بالمقارنة بعرض ما قبل الاتقلاب. ففي مايو 2012 فقط قبل تولي مرسي الرئاسة عرض سالم نصف ثروته المقدرة بـ 1.6 بليون دولار مقابل تسوية التهم الموجهة إليه، وفقا لعبد العزيز.
و بعد مرور ثلاث سنوات على التظاهرات التي خرجت ضد هذا النوع من أعمال المحسوبيات التي التهمت الاقتصاد المصري، فان الدولة تدعو الأشخاص أنفسهم هؤلاء الذين نهبوا البلاد، من أجل إنقاذ مالي. وعلى الرغم من مطالب المتظاهرين بالعدالة الاجتماعية، إلا أن مصر ما بعد الثورة شهدت تحسنا صغيرا ثمينا… ففي منظمة الشفافية العالمية احتلت مصر المركز 114 من 177 دوله على "مؤشر مدركات الفساد" وهو ما أدى الى انخفاضها بالفعل منذ عام 2011.
العلاقة بين رجال أعمال زمن مبارك والحكومة المصرية كانت قد قطعت من وقت طويل حيث ان الاتهامات التي لاحقت هؤلاء كانت قد بدأت في حكومة المجلس العسكري المؤقتة التي تلت سقوط مبارك، ولكن اختلف الوضع الآن فـ"المصالحة" قد تمكن الحكومة الحالية المدعومة من الجيش لإعادة نفس الشبكات من رجال الأعمال الموالين الذين ازدهروا في ظل مبارك.
هذه العملية " تفتح الباب لمزيد من الفساد والهروب من العدالة" بحسب قول غادة علي موسى أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية ورئيسة مركز الحكم، وهي وكالة حكومية مكرسة لمنع الفساد وتعزيز الشفافية. مضيفة: "اتفاق المصالحة المحتمل مع سالم سيصبح نموذجا يحتذي به الآخرون لاحقا".
رجال أعمال آخرين تجمعهم روابط بنظام مبارك بدأوا هم الآخرون في اصطفاف عروض المصالحة الخاصة بهم. حيث ذكر موسى، أن رشيد محمد رشيد في محادثات مماثلة مع الحكومة وعلى وشك وضع عرض جديد.
رشيد الذي حكمت عليه المحكمة بـ 20 سنة غيابيا وغرامة تقدر بـ330 مليون دولار في جرائم تربح وإهدار المال العام، كان قد فر هاربا إلى دبي منذ انتفاضة 2011.
"سيتواجد المناخ المناسب لتحقيق هذه المصالحات" بهذا أخبر إبراهيم الهنيدي نائب وزير العدل ورئيس جهاز الكسب غير المشروع (وهي الهيئة المسؤولة عن التحقيق في الفساد) الفورين بوليسي.
وبالرغم من أن سالم كان من أعتى رجال الأعمال وأكثرهم فسادا في البلاد وقد فرضت عليه أكبر الغرامات إلا أن هنيدي قال إن الحكومة لازالت مهتمة بالتوصل إلى اتفاق للمصالحة.
وقال طارق عبد العزيز محامي سالم للفورين بوليسي أنه قد حان الوقت لتسويه خلافات موكله مع الحكومة المصرية، حيث يعمل على تقديم المصالحة الرسمية. وهذا وقد تمت الإطاحة بمرسي فان موكله متفائل جدا.
وأضاف عبد العزيز: "الحمد لله هناك نظام قائم يهتم بكل المصريين، اليوم عندنا نظام جديد –نأمل في نظام عادل يقوم بتحريك الأمور للأمام".
وقد أنكر عبد العزيز تورط موكله وارتباطه بمبارك قائلا: "إن التهم ضد موكله تم تحريكها سياسيا". على الرغم من تسريب وثيقة من جهاز الكسب الغير مشروع توضح ارتباط سالم بمبارك وعائلته ورجال أعمال آخرين تابعين للنظام القديم وقيامهم بالاستثمار معا في صندوق خارجي في جزر الكيمن بالكاريبي حيث منطقه الملاذ الضريبي.
صندوق الاستثمار، والذي كان يسمى صندوق مصر، واستثمرت به 18 شركة مصرية في الأسمنت، والبنوك، والعقارات، والصلب، والنفط، والغذاء، والصناعات الزراعية.
رئيسة علاقات المستثمرين في بنك المجموعة المالية هيرميس، هانزاده نسيم كتبت في رسالة بالبريد الالكتروني أن بنكها أسس صندوق مصر في عام 1997. وعندما سئلت عما إذا كانت المجموعة المالية هيرميس على بينة من المستثمرين وراء الصندوق، كتبت نسيم أن البنك كان على علم تام بهويات المستثمرين والتي كانت لا ترتبط بأي ادعاءات ضدهم بارتكاب مخالفات في ذلك الوقت.
وبينما لم تكن أسماء مبارك وسالم مدرجة شخصيا كمساهمين، الا أن الصندوق اشتمل على شركات مملوكه لأولادهم، شركة Cleliaللأصول مملوكة لخالد وماجدة سالم؛ استثمار بقيمة 3 مليون دولار، وشركة بان وورلد للاستثمار مملوكة لجمال وعلاء مبارك؛ استثمار بما يعادل 250 ألف دولار، صندوق الاستثمار في الخارج حصل على إعفاءات ضريبيه كبيرة، فضلا عن السماح لهم بحماية استثماراتهم من أعين المتطفلين.
إن سالم لم يخدع مصر فقط بل سرق أيضا من الولايات المتحدة. ففي عام 1979 ومن خلال شركته للنقل والخدمات الشركة المصرية الأمريكية ((EASTCOمنحت عقدا لنقل لشحن بعض البضائع العسكرية من الولايات المتحدة إلى مصر، وجاءت الصفقة في أعقاب اتفاقيه كامب ديفيد، عندما بدأت المبيعات العسكرية الأمريكية في اغراق القاهرة وجعلت الشحن من الأعمال التجارية المربحة.
واستطاع سالم أن يزيد أرباحه عن طريق فرض تكاليف شحن مبالغ فيها من وزارة الدفاع الأمريكية، بين عامي 1979 و1981، وفقا لوثائق محكمة أمريكية، قدمت EATSCOفواتير مزورة ل 34 شحنة، والتي بمقتضاها دفعت وزارة الدفاع الأمريكية 8 مليون دولار. في عام 1983، أقر سالم بانه مذنب في اتهامات جنائية في المحكمة الجزئية الامريكية في المنطقة الشرقية من ولاية فرجينيا. وبلغ مجموع الغرامات وتسويات الدعاوى المدنية التي دفعها سالم والشركات المشاركة في المخطط بأكثر من 4 ملايين دولار.
وجاء معظم ملايين سالم من صفقات حبيبته في مصر، حيث حصل على معاملة تفضيلية من حلفائه في المناصب العليا في الحكومة. في أبريل 2011، شهد رئيس المخابرات عهد مبارك عمر سليمان أمام النائب العام المصري أن شركة سالم، وشركة شرق البحر المتوسط للغاز، كانتا قد تسلمتا عقد احتكار لتصدير الغاز إلى إسرائيل والأردن وإسبانيا في وقت مبكر 2000s، عن طريق الالتفاف حول عملية تقديم العطاءات المعتادة. وسئل سليمان للإدلاء بشهاداته عن الخدمات المخابراتية المصرية وزعم مشاركتها في التوسط في صفقات الغاز.
وقال سليمان إن سالم ومبارك كانا أصدقاء لأكثر من 20 عاما، وكانت تجربته في التعاملات التجارية مع إسرائيل السبب في اختياره لهذه الصفقة.
"[سالم] تعامل مع الإسرائيليين قبل من خلال ميدور"، وقال سليمان، مشيرا إلى أن -وقتها -سالم كان رئيسا لشركة الشرق الأوسط لتكرير النفط، وهو المشروع المصري الاسرائيلي الذي أنشئ في عام 1993 لبناء مصفاة مشتركة على الساحل الشمالي لمصر وتمديد خط أنابيب النفط إلى إسرائيل.
بعد سبع سنوات، باع سالم 37 في المائة من شركة شرق البحر المتوسط للغاز بقيمة 4.2 مليار دولار وفقا لموقع أخبار اسرائيلي للأعمال، موقع غلوب.
ليس من الصعب أن نرى لماذا يدفع سالم بجد من أجل المصالحة. إذا رفضت مصر عقد الصفقة وتفاوضت على اتفاق لتسليم المجرمين، فإنه من الممكن أن تنجح الدولة في الحصول على أصوله المجمدة في سويسرا وهونغ كونغ، واسبانيا. اتفاقية تسليم المجرمين سيسمح لمصر بإدانة سالم في شخصه، ففي العديد من البلدان -بما في ذلك تلك التي كانت ثروة سالم مخبأة بها -تتطلب مثل هذا الحكم النهائي حتى تعيد الأصول المسروقة لمصر.
إذا ما تم تسليمه بنجاح للوطن، سيكون سالم ملزما بدفع أكثر من 4 مليارات دولار غرامات وتعويض، كما سيخدم 22 عاما في السجن على أساس إجمالي الأحكام الصادرة بحقه من قبل المحاكم المصرية.
من ناحية أخرى، رجوعا الى صفقة المصالحة، ليس من شأنها فقط أن تضع سالم مرة أخرى في نعيم الحكومة المصرية، بل إنها أيضا تضع حدا للتحقيقات الأجنبية التي من شأنها ما إذا كانت ثروته هي نتيجة لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
"سيكون من الصعب جدا على السلطات السويسرية مواصلة الادعاء ضد حسين سالم إذا أسقطت السلطات المصرية التهم الموجهة إليه"، وقال أوليفييه ونشان، ضابط العلاقات المالية الدولية في إعلان المنظمات غير الحكومية السويسرية برن. "لا يمكن الاستيلاء على المال إلا إذا ثبت أنه من أصول غير قانونية".
الآن، بعد ثلاث سنوات من الثورة ضد عهد مبارك والمحسوبية، يبدو سالم أقرب إلى هدفه من أي وقت مضى. ومن السخرية، فيشيد سالم الآن بالحكومة المدعومة من الجيش لمكافحة نفس التعاملات التجارية المخادعة التي، بالنسبة لكثير من المصريين، هو رمزها. على حد تعبيره في يناير " الآن ذهب عصر الفساد والظلم."