ارتبط رسم السيدة المصرية الريفية عند كثير من الفنانين في لوحاتهم الفنية بحملها أواني فخارية فوق رأسها إيحاءا منهم بمشاركتها زوجها في العمل والاجتهاد , هذه الأواني الفخارية كادت تغيب من مخيلة الفنانين والمبدعين ؛ لأنها اليوم تطارد من قِبل مسئولي البيئة حتى كادت أن تندثر مثلها مثل الدخان الذي كان ينبعث عند صناعتها ، بعد أن كانت مصدرًا للربح الوفير ، وكان فَنِّيُّوها من أثرياء القوم .
ويعد فن صناعة الفخار من الشواهد الملازمة ، والمميزة ، لحضارات أمم العالم ؛ إذ يعبر عن مدى تطورها وحضارتها , وصناعة الفخار رغم أنها أبسط أشكال الفن ، هي في الواقع من أصعب الحرف. وهي الأبسط لأن لها طبيعة بدائية ، ولأنها شائعة بين العامة . ومع ذلك فهي الأصعب ؛ لأنها تنطوي على شكل من التجريد , وقد شاعت صناعة الفخار بمصر منذ عصور ما قبل التاريخ .
فبمجرد دخولك إلى محافظة الفيوم وبالتحديد قرية الأعلام ستعرف أنك فى مقر أقدم الأماكن لصناعة الفخار فى المحافظة ، وستجد أن سر الصنعة ينتقل من جيل إلى جيل ويرثه الأبناء عن الآباء والأجداد ..
وهذا ما رواه لنا الحاج سيد هاشم شيخ المهنة فى تلك القرية الذى ورث المهنة عن جدوده وعلمها لأولاده بالتتابع ..
شبكة "رصد" التقت هؤلاء ؛ لتعرف منهم سر صنعة الفخار وتميز المصريين فى هذه الصناعة عن غيرها من البلدان ، وأسرار أخرى يكشفوها لنا .
بدأ الحاج سيد حديثه قائلاً : "إن صناعة الفخار سحر يحتاج لفنان ، فأنت تحول الطين إلى أشكال رائعة فنية وجميلة" ، مضيفاً أن صانع الفخار أصبح مهنة نادرة جداً ، بالرغم من تميز مصر بهذه الصناعة عن غيرها من البلدان ، وخاصة قرية الأعلام ، حتى أننا نورد الفخار إلى دول أوروبية تنبهر بهذا السحر المصرى .
وقال هشام سيد أحد أبناء الحاج سيد : إن "قرية الأعلام تضم أكثر من 15 وحدة لصناعة الفخار ، حيث بدأت القرية الدخول فى هذه الصناعة منذ اكثر من 100 سنة وحتى الآن" ، مضيفاً أن صناعة الفخار كانت موجودة بالقرية منذ آلاف السنين ولكن بشكل عشوائى ، حتى تم تطوير القرية مع مرور الوقت " .
وحكى عن أسرار الصناعة ، قائلاً : "هناك شروط لعامل الفخار الجيد ، ومنها أنه عندما يبدأ يكون عمره لا يزيد على عشر سنوات ، لأنها مهنة إحساس والإحساس لابد أن يُزرع فى الطفل وهو صغير ، ويتركز فى كف اليد يعرف متى الطين خُمر أو "استوى" ، وبعد ذلك يقدمه للصانع يصبغه ، حيث لا يوجد شكل معين لقطعة الفخار ، فالصانع يصنع الشكل الذى يخطر على باله فهى مهنة إحساس من الطراز الأول .
وعن مراحل صناعة الفخار أكد لنا أنّ لكل قطعة طريقة عمل خاصة بها ، فهناك قطع تصنع على مرحلتين وقطع أخرى تصنع على ست مراحل .
وأشارت الحاجة أم هشام إلى أن مهنة الفخار اندثرت بشكل كبير ، رغم أنها مهنة مربحة جداً فى أى مكان ، أما فى مصر فهى مهنة فقيرة جداً ، على الرغم من أن مصر بها الفسطاط أقدم مدينة فى التاريخ لصناعة الفخار من عهد الفراعنة ، بالإضافة إلى وجود سبع مدن مذكورة فى التاريخ لصناعة الفخار ، منها : تونس ، المغرب ، الفسطاط ، تايلاند ، نيوزيلاندا ، المكسيك ، والفسطاط أقدمهم جميعاً .
من جانبه أكد عماد أبو زيد شعبان ، فني صناعة الفخار بالفيوم ، أن بداية المشكلات بدأت مع تحضُّر الأسر واعتمادها علي الأواني المعدنية ، وسط السبعينات ، حتى أصبح الاعتماد عليها هو الأساس وبالتدريج انتهى وجود السلع الفخارية من المنازل باستثناء بعض الأسر التى تضع أواني فخارية لفَلْتَرة المياه وتبريدها مثل (الزير والقلة) أمام منازلهم .
وأكمل: "أصبحنا أقرب إلى المزار السياحي ؛ حيث تأتي أفواج من السائحين لمشاهدة كيفية صناعة هذه الأواني ، وتحوَّلْنا إلى سلعة سياحية جديدة للبلاد ولكن قرارات المحافظين ترفض وجودنا ؛ بسبب تلوث البيئة ".
وأكدوا جميعاً أن أغلب الناس يعتقدون أن صناعة الفخار تقتصر على صناعة القلة والزير وطواجن الطعام ، ولكن هذه الصناعة أصبحت تدخل فى كل شىء فى الديكور ، مثل: الفازات ، الأباجورات ، وحدات الإضاءة وغيرها ، حتى أن كل الأشكال الفخارية تطلبها الفنادق والمطاعم والمحلات الكبرى والقرى السياحية سواء على مستوى الفيوم والمحافظات ، كما كانت تأتى طلبيات من دول أوروبا والولايات المتحدة للفخار المصرى .
وأضاف هشام سيد أن صناعة الفخار حدث لها طفرة فى الفترة الأخيرة بسبب دخول الفنانين فى هذا المجال وابتكارهم لتصميمات وأشكال رائعة ، وإضافتهم لمسات فنية على أشكال الفخار أدت لتطويره وملائمته للأذواق فى العالم أجمع ، علاوة على دخول فن الرسم على السيراميك فى صناعة الفخار .
وأشار إلى أن مهنة الفخار تحتاج إلى دعم ورعاية لنا من قبل الحكومة ، من خلال الاهتمام بنا وبصانع الفخار فى مصر ودعمه ، وكذلك إدخال الغاز الطبيعى فى منطقة قرية الأعلام ، حيث إنهم يتكلفون مبالغ كبيرة بسبب استهلاكهم أنابيب البوتاجاز بشكل كبير فى الصناعة ، مضيفاً أنهم يحتاجون أيضاً للتشجيع المعنوى لهم وتقدير فنهم وعدم وضع العراقيل أمامهم .
وشدد الحاج سيد هاشم على أن أهم ما يميز الفخار المصرى هو العامل الماهر ، فصانع الفخار المصرى يتميز بالمهارة والإتقان ، مشيراً إلى أن أنواع الطين الذى يستخدم فى صناعة الفخار هى : الطين الأسواني وأسبوكله والبروسلين وطمى النيل وأحسنها جودة هو الطين الأسوانى .
وانهي كلامه قائلاً : "زمان فى القرى والأحياء كان جهاز العروسة لا يخلو من الفخار ، وكان أهل العروسة يشترون صينية نحاس وعليها أربع قلل مزينة بالحلى ، والعفش كان على عربيات الكارو والدولاب يحملوه أربعة وصينية القلل النحاس فى المقدمة ، بالإضافة إلى قدرة السمنة البلدى المصنوعة أيضاً من الفخار ، وكانت موجودة فى البيوت الغنية والفقيرة .