شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الحكومة مابتحكمش – رمضان الموصل

الحكومة مابتحكمش – رمضان الموصل
  في أتون الغيبوبة التي يعيشها قطاع كبير من الشعب المصري يظن البعض أنه يعيش في...

 

في أتون الغيبوبة التي يعيشها قطاع كبير من الشعب المصري يظن البعض أنه يعيش في دولة تحكمها مؤسسات أو تؤثر فيها شخوص أفرادٍ يُختارون لتولي حقائب وزارية أو رئاسة الحكومة، لكن الحقيقة المرة أن الحكومة لاتحكم والوزير لايتخذ قراراً لأن هناك من يحكم وهناك من يتخذ القرارات ويظهر الوزير فقط في وسائل الإعلام كستار لمتخذي القرار أو متحدث رسمي باسمهم بوجاهة أرستقراطية وهيبةٍ مصطنعة.

 

ففي كل وزارة من الوزارات ديوان يعج بآلاف الموظفين ممن تم تعيينهم بوساطات الفاسدين من أباطرة الحزب الوطني، وهم في الغالب دوائر ضيقة عائلية أحياناً (تعيين أبناء العاملين)، وبين هذه الآلاف "مراكز قوى" داخل كل ديوان تتحكم في دوران عجلة الوزارة أو تعطيلها تستمد قوتها ونفوذها عادةً من علاقات وثيقة بأجهزة سيادية في الدولة (سواء عسكرية أو عامة ) عادة مايكون لها عليهم فضل في تمكينهم من وظائفهم أو قامت لاحقاً باستقطابهم وتحريكهم لخدمة توجهاتها وخططها لإدارة الدولة والتحكم في مفاصلها، ولأن هذه الأجهزه السيادية كلها في قبضة عسكريين (سابقين أو حاليين) فدواوين الوزارات وأفرعها هي فعلياً في قبضة الجنرالات، يحركون سياساتها كما يشاءون لتحقيق مصالحهم وطموحاتهم، ولايملك الوزير أو رئيس الحكومة في الأمر شيء، إذ ربما يتخذ قراراً فلا تنفذه أو تعطله مراكز القوى داخل وزارته، والتي تتحكم فيها دولة فساد العسكر فيبدو الوزير فاشلاً أو ضعيفاً، وفي حال كان الوزير وديعاً وتمت السيطرة عليه بالكامل يتم التسويق له كنموذج ناجح!!

 

قليلون هم على مر تاريخ الجمهورية المصرية من تمكنوا من مواجهة مراكز القوى هذه ومن وراءها من الأجهزة السيادية؛ لذا فإن مصيرهم عادة الحرب والإبعاد وربما الاعتقال والحبس كما في حالة وزيرنا المخطتف الدكتور أسامة ياسين، وتوأمه في الشعبية الدكتور باسم عودة الذي كان حبيب الشعب، وأثبتت التقارير أنهما كانا فرسي الرهان في حكومة هشام قنديل رغم الحرب الإعلامية ضدهما، إلا أن قدراتهما على مواجهة مراكز القوى، وفرض سيطرتهما على نقطة الفعل بديواني وزارتيهما كان يلمسه رجل الشارع لأنه ببساطة يمسه في الخدمة المقدمة إليه.

 

دون ذلك من أداء الوزراء فإنك تحدثني عن حكوماتٍ ووزراء تعمل كسكرتارية لدى دولة فساد العسكر التي تسيطر على كل مفاصل الدولة من خلال الأجهزة السيادية، وهنا بيت القصيد، ففي الدولة الديمقراطية المنشودة هناك مكان للكفاءة والخبرة التي يحاسبها الشعب من خلال صندوق يتحكم فيه المواطنون؛ ليمارسوا رقابة فاعلة على خدامهم من الوزراء وقيادات الأجهزة التنفيذية، فيتمكن المواطن لاحقاً من طرد الوزير أو معاقبة المسؤول إن هو لم يتمكن من خدمته بالشكل اللائق، أما في الديكتاتوريات فالمسؤول عادةً لايحتاج حتى لأن يفكر فهناك من يفكر له ويقرر عنه بل ويعلن أيضاً نجاحه ويعيد تعيينه ويسوق لإنجازاته التي لايعرف هو عنها!!

 

مايحدث في دواوين الوزارات هو نفسه أو أكثر قليلاً حال دواوين المحافظات التي يسيطر على الوظائف التنفيذية العليا فيها عسكريون سابقون، وتبلغ السيطرة مداها لتصل لمجالس المدن والقرى الصغيرة فيما يعرف مجازاً "بالدولة العميقة".

 

والخلاصة، أنك لايجب أن تجهد نفسك باللهث خلف ما يروجه الإعلام المُمَول من أن حكومةً قد استقالت أو أن حكومةً جديدة تتشكل أو أن فلاناً مرشح لوزارة كذا أو علاناً رفض وزارة كذا أو حتى أن المرشح لرئاسة الحكومة فاسد أو لص، أو غير ذلك من حكايات ألف حكومة وحكومة التي يشغلون الرأي العام بها لإيهامه أن هناك دولة أو أنك تعيش في وطن، فلا معنى لحكومة لم تكن موجودة أصلاً أن تستقيل ولا معنى لأخرى جديدة لن تفعل، وطالما أن هناك جهات سيادية وأجهزة فوق الدولة؛ فالطبيعي أن هذه الأجهزة هي التي تحكم حتى ولو اختاروا مجموعة من السكرتارية وسموهم وزراء.

 

فقط عندما تعلو دولة القانون، ويتساوى الناس في الفرص، وتنتهي سيادية السيادية، ويُحكم الناس بدستور لا يصنع دولة داخل الدولة؛ وقتها يمكنك أن تهتم بالحكومة، وبشخص رئيسها وكفاءة وخبرات وزرائها، وحتى ذلك الحين ركز في "صوابع الكفتة" لأن "الحكومة مابتحكمش".

 

المصدر: رصد



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023