من جديد، تفجرت مشكلة القمامة في وجه المواطن المصري الذي أصبح تلازمه مشاهد القمامة وتضيق عليه الطرقات، وتسد أنفه بالروائح الكريهة، لتطل برأسها من جديد أزمة طالما عانى منها المواطن وأفقدته حقه في بيئة نظيفة.
وتعتبر مشكلة القمامة في مصر من أكبر المشاكل التي يعاني منها المواطن المصري حيث يسبب تراكم القمامة في الشوارع في تعطيل المرور وتلوث البيئة وتؤدي إلى انتشار الأمراض؛ بينما تقول الحكومة إن مشكلة القمامة تحملها تكاليف باهظة للتخلص منها.
مشكلة القمامة
وتفاقمت مشكلة القمامة في مصر بعد سيطرة الشركات الأجنبية على رفع القمامة، حيث تقوم شركتان إحداهما إيطالية والأخرى إسبانية برفع القمامة عن محافظات القاهرة الكبرى، إلا أن هذه الشركات لا تقوم بالخدمة المطلوبة منها حيث ما زالت مشاهد هذه القمامة في الشوارع كما هي.
كما أن من مشاكل القمامة ضعف الأيدي العاملة حيث إن معظم العاملين في القمامة من كبار السن وأصحاب الإعاقات وكان سبب تشغيلهم في هذه الوظائف هو إعاقتهم.
كما تعد مشكلة عدم تدوير المخلفات في مصر من أكبر المشاكل التي تؤدي بالقمامة إلى ما هي عليه الآن، حيث لا يتم تدوير القمامة بالشكل المطلوب كما يتم في العديد من الدول.
القمامة كنز مفقود
وتشير الإحصائيات إلى أن حجم القمامة في مصر يصل إلي أكثر من 20 مليون طن سنويا ومن المتوقع أن يصل حجمها إلي نحو 30 مليون طن خلال الأربع سنوات القادمة، والسؤال هنا: هل يمكن أن تكون القمامة كنزاً يمكن استغلاله؟
الإجابة يؤكدها معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة؛ ففي دراسة أجراها المعهد فإن القمامة وحدها في القاهرة تصنف ضمن أغني أنواع القمامة في العالم. حيث إن الطن الواحد من القمامة من الممكن أن يرتفع ثمنه إلى 6 آلاف جنيه لما يحتويه من مكونات هامة تقوم عليها صناعات تحويلية كثيرة.
وتنتج القاهرة وحدها قرابة 13 ألف طن قمامة يوميا، وتتعدى مخلفات الفرد الواحد 700 جرام يوميًا، ويمكن للطن الواحد أن يوفر فرص عمل لثمانية أفراد على الأقل بما يعني أن تدوير القمامة يتيح توفير 120 ألف فرصة عمل من خلال عمليات الفرز والجمع والتصنيع.
حملة وطن نظيف
وبعد انتخاب د. محمد مرسى كرئيس للجمهورية، وبعد عشرين يوما من توليه الرئاسة دعا إلى حملة قومية على مستوى مصر بكاملها عنوانها "وطن نظيف ليس فيه قمامة"؛ وكان مخططا لهذه الحملة أن تقوم بعدة أمور بحسب بعض الخبراء وهي إعادة هيكلة الهيئة العامة للنظافة والتجميل وإعادة النظر في سياسات العمل المتبعة والأهداف المسئولة عن تحقيقها وتحسين أوضاع العاملين بها وتطوير الأدوات والمعدات المستخدمة في العمل وإنشاء شركات مساهمة مصرية ذات شكل حضاري يشارك فيها المصريون بأسهم ذات أسعار منخفضة تكون في متناول الجميع وتكون هذه الشركات مسئولة عن النظافة في مصر.
بالإضافة إلى إنشاء مصانع لتدوير المخلفات على مستوى الجمهورية في جميع المحافظات في المناطق الصحراوية لمعالجة وتدوير هذه المخلفات وتحويلها إلى مواد غير مضره بالبيئة، وإنشاء صناعات صغيرة حول هذه المصانع لاستخدام مخرجات هذه المصانع وإعادة تصنيعها مرة أخرى في منتجات يمكن الاستفادة منها، والتوعية المستمرة للجمهور وتغيير الثقافة التي ترسخت عند البعض في عدم اهتمامهم بنظافة الشوارع وعدم المحافظة على البيئة، وسن قوانين تجرم من يلقي بالمخلفات في الشوارع والطرقات والأماكن العامة.
كما استهدفت الحملة توفير الأدوات التي تساعد الجمهور في الحفاظ على البيئة والاستفادة من الأقسام والمراكز البحثية في الجامعات المصرية الخاصة بالبيئة، والاستمرار في حملة وطن نظيف كل ثلاثة أشهر لتذكير الناس بأهمية المشروع والاحتفال داخل الشوارع مع الناس بالنجاحات التي تحققت وتحفيزهم على الاستمرار.
الرئيس والنظافة
كما التقى الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي وزير الدولة للإنتاج الحربي، في إطار جهود الدولة المكثفة لحل مشكلة القمامة ومتابعة إنتاج وحدات لتدوير القمامة محلية الصنع، وأوضح أن مصانع التدوير التي تنتج محليًّا تتسع لتدوير 15 طنًّا في الساعة، وتعمل 10 ساعات يوميًّا للوصول إلى مستوى مرضٍ وحضاري وآمن بيئيًّا، وافتتح الدكتور محمد مرسي مصنعا لتدوير المخلفات بمدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، كما اهتم بزيادة وتطوير العمل بمصنع ١٥ مايو بحلوان للحد من تفاقم الأزمة.
كما اتفق الرئيس محمد مرسي مع رئيس الوزراء التركي علي تسليم 150 سيارة لجمع القمامة. حيث تم تسليمهم بالفعل لمصر قبل الانقلاب العسكري، وزاد عدد العمال وعدد صناديق القمامة وعربات نقل القمامة بشكل ملحوظ.
نماذج ناجحة
وخلال فترة الرئيس محمد مرسي كان هناك بعض النماذج الناجحة في ملف القمامة من خلال الشخصيات التي تم تعيينها في الجهات الخدمية.
وكان من هذه النماذج الناجحة نموذج حي المعصرة حيث تعاقد المهندس علي القط رئيس حي المعصرة مع شركة "نهضة مصر" وهي شركة مصرية مائة في المائة.
الانقلاب ومشاكل المواطن
بعد انقلاب الثالث من يوليو تم تكليف الدكتور حازم الببلاوي بتشكيل حكومة الانقلاب، إلا أنها لم تنجح في حل المشاكل التي كان يعاني منها المواطن المصري أو نجح الإعلام في اصطناعها.
حيث اعترف الدكتور صلاح جودة -وهو أحد مؤيدي الانقلاب- عن حكومة الببلاوي إنها فشلت في إعطاء أمل للشعب المصري ولم تحل مشاكل المواطنين الغلابة رغم المقومات التي تتوفر لديها ولم تكن متوفرة لحكومة هشام قنديل على حد تعبيره.
وقال الدكتور فخري الفقي، مساعد رئيس صندوق النقد الدولي سابقا إن أداء حكومة الببلاوي كان محبطا، ولم تلبِ طموحات الشعب، مؤكدا أن حكومة الببلاوي غرقت في المشاكل اليومية ولم تضع خطة طوارئ اقتصادية لاستغلال الحزم المالية التي ضختها دول الخليج لمصر بالشكل الأمثل
الانقلاب والقمامة
ومن جانب آخر قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن مؤسسات الدولة في مصر فشلت في معالجة مشكلة القمامة التي تغرق فيها البلاد؛ مضيفة أنه "من المخجل أن تفشل دولة في إدارة نفاياتها في القرن الواحد والعشرين!!".
وأوضحت الصحيفة أن "أجهزة الدولة لم تستطع معالجة أزمة القمامة وإعادة تدويرها". مؤكدة أن المصريين يعتمدون على جامعي القمامة "الزبالين" في التخلص من النفايات.
وأشارت إلى فشل الدولة بمؤسساتها في إقامة دورة لإعادة تدوير المخلفات والتخلص من النفايات الحيوية، الأمر الذي يحمل المصريين تكلفة مضاعفة من أجل التخلص من القمامة بالدفع لـ"جامعي القمامة" مرة؛ ومرة أخرى للحكومة.
ولفتت الصحيفة إلى أن "الزبالين" يجمعون ما يقرب من 9 ملايين طن من القمامة؛ أي ثلثي قمامة القاهرة يوميًّا من إجمالي 15 مليون طن مخلفات القاهرة، لافتة إلى أن الدولة لم تعترف إلى الآن بعمل "جامعي القمامة" على الرغم من دورهم الكبير في هذه الأزمة.
وزادت القمامة بشكل ملحوظ في شوارع القاهرة والمدن بشكل لم تستطع الشركات الأجنبية التعامل معه، كما لم تستطع الهيئات العامة للنظافة والتجميل بالمحافظات المختلفة التعامل معها ليبقى المواطن هو الضحية، أمام غول القمامة الذي التهم حقه في وطن نظيف، وتركته الحكومة وحده في مواجهة ذلك الوحش، متفرغة لمحاولة تثبيت حكمها والقضاء على معارضيها.