شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الأزهر.. منبع العلم والثورة

الأزهر.. منبع العلم والثورة
  برز اسمه كواحد من أقدم جامعات الدنيا، بثّ أنوار علمه إلى كل البلدان وفي جميع الاتجاهات،...

 

برز اسمه كواحد من أقدم جامعات الدنيا، بثّ أنوار علمه إلى كل البلدان وفي جميع الاتجاهات، حتى بلغت شهرته الآفاق، غير أنه أيضا أرق الغزاة والطغاة، فانطلقت من باحاته وساحاته ثورات خلعت حكومات وهزت ممالك وقهرت غزاة.. إنه الأزهر الشريف الذي نبع منه العلم في مصر، والثورة أيضا، حتى صار قبلة الطلاب والثوار على مر العصور.

 

ومن جديد، لا يزال طلاب الأزهر اليوم كأنهم يسيرون على خطى الأجداد في مظاهرات هي الأكثر زخما بين الجامعات والمدن والقرى للمطالبة باحترام إرادة الشعب المصري التي عبر عنها في استحقاقات انتخابية متوالية، ورفضا للانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس منتخب للبلاد انتخابا حرا ونزيها.

 

موقف طلاب العلم في جامعة الأزهر الشريف لا يختلف كثيرا عن ثورات أجدادهم التي خرجت من ساحات الأزهر مرارا، من قلب جامعة الأزهر التي تعد المؤسسة الدينية العلمية الإسلامية العالمية الأكبر في العالم، ومع بدء فصل دراسي جديد بها بعد تأجيل لأكثر من أسبوع، ودعوة طلابها لانتفاضة ثانية تلحق بهبتهم المزلزلة في الفصل الأول، توجهت الأنظار نحو هذا الصرح الذي يتعامل معه الانقلاب ككتلة واحدة ترفضه ولا تقبل نظام حكمه.

 

دور الأزهر الثوري بدأ مبكرا، حيث لم يتأخر كثيرا عن نشأته ودوره الدعوي، حيث برز بعد إعادة افتتاحه في عهد الدولة الأيوبية -بعد أن كان قد تم إغلاقه فيما أغلق من مدارس المذهب الشيعي-واتجاه السلاطين في العصر المملوكي بمصر إلى إعمار الجامع الأزهر، وإسباغ الرعاية على علمائه وطلابه بالمنح والهبات والأوقاف، وأتيح للأزهريين المشاركة في النهضة العلمية والاجتماعية والثقافية في الدولة، وتصاعدت هذه المكانة إلى أن كان لهم دور أكثر في توجيه سياسة الحكم.

 

الثورة والدعوة

 

دور الأزهر الدعوي والديني لم يثن علماءه عن دورهم الوطني في صد الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 والتي كانت بمثابة مفتتح الغزوات الاستعمارية، فيذكر التاريخ أن الثورات المصرية الكبرى كانت تبدأ من صحن الجامع الأزهر الشريف، وأن شيوخه كانوا يتقدمون الثوار ضد الظلم والفساد والاحتلال الأجنبي مهما كانت درجة القمع والتنكيل التي يتعرضون لها.

 

اندلعت ثورة القاهرة الأولى ضد نابوليون بونابرت وانتهت إلى إعدام 80 شخصًا دون محاكمة، إلى جانب قتل عدد من علماء الأزهر الشريف كان من بينهم شيوخ كبار من أمثال الشيخ عبدالوهاب الشبراوي والشيخ أحمد الشرقاوي والشيخ سليمان الجوسقي "شيخ طائفة العميان"، و13 عالمًا من علماء الأزهر، وقام جنود بونابرت بانتهاك حرمة الأزهر ذاته، ودخلت القوات الفرنسية بخيولهم إلى صحن الجامع.

 

أئمة الدعوة.. وقادة الثورة

 

ولم تكد تمضي سنتان على ثورة القاهرة الأولى حتى قاد عمر مكرم وخليل البكري ثورة القاهرة الثانية ضد كليبر -القائد الفرنسي للحملة بعد هرب نابليون من مصر- ويذكر التاريخ أن طلبة الأزهر كانوا في مقدمة الأحداث الكبرى الساخنة ، ومن بين هؤلاء البطل السوري سليمان الحلبى الذي كان مجاورًا بالأزهر، وغضب لقتل شيوخه وأساتذته فما كان منه إلا أن قام بقتل القائد العام، في حديقة بيت الألفي بك مقر إقامته.

 

ثم جاء محمد علي وحاول تقنين وصايته على مصدر شرعيته، فقام بتعيين الشيخ محمد الشنواني شيخا بعد وفاة الشيخ الشرقاوي خلافًا لما أجمع عليه العلماء بترشيح محمد المهدى، ومصادرته أموال الشيخ السادات وتهديد أرملته بإغراقها في النيل، والتخلص من الزعامة الشعبية التي مثلها عمر مكرم بنفيه.

 

ووقف الأزهر بشيوخه مع الزعيم أحمد عرابي في الثورة العرابية عام 1881 ضد الخديو توفيق، وفي ثورة 1919 كان له مشهد القيادة بزيه المعهود.

 

طلاب.. على خطى الشيوخ

 

وفي عهد الحكم العسكري، عانى المصريون على مدار أكثر من 60 عاما من الحكم المستبد، وتسرب يأسٌ في نفوس البعض من إمكانية أن يقوم الأزهر بدوره من جديد، أو يشد على يد الظالم ويقول له يا ظالم، فتزينت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 بزي الأزهر العامر بالطلاب والعلماء، وانتشرت العمائم الأزهرية في ميدان التحرير ترد على فتاوى نادت بعدم الخروج على الحاكم مهما بلغ استبداده وباعتبار المتظاهرين والثوار "خوارج"، ولكن سرعان ما انكسرت تلك الأصوات النشاز أمام صوت الشارع وتضحيات علماء الحق في الميادين.

 

وبعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، أبى طلاب الأزهر اليوم إلا أن يجددوا عهد الأمس بتقديم عشرات الشهداء من الطلاب والطالبات والأساتذة في مجازر الحرس الجمهوري ومن أعلى أسوار كلية الدعوة أمام المنصة ومجزرتي النهضة وفض رابعة وحتى داخل المدينة السكنية وفي رحاب محراب العلم بالجامعة، إضافة إلى الطالبات والطلاب المعتقلين والأحكام الجائرة التي وصل أحدها إلى 17 عاما على شباب لم تتجاوز أعمارهم عشرين عاما.

 

طلاب جامعة الأزهر لم يكونوا وحدهم الذين آثروا السير على مذاهب الجدود والمشايخ الكبار، فقد برز من وسطهم أيضا صوت العالم الجليل المستشار الأول لشيخ الأزهر الدكتور حسن الشافعي الذي دوت كلماته بعد مجزرة المنصة: "يا عباد الله في كل مكان، أنكروا المنكر الغليظ الواضح المتبجح، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، هل نقبل أن نكون شياطين وخُرسًا؟".

 

وصدع قائلا: "اللهم إني لا أملك في شيخوختي إلا الإنكار والبراءة. أبرأ إليك من فعل هؤلاء. وما التظاهر في الساحات بجريمة تستوجب كل هذا القتل بمشروعية التفويض المزعومة لاستباحة الدماء المعصومة.. اللهم إن هذا منكر لا يرضيك".



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023