شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الأزهر بين نعال الانقلاب وصمود الطلاب – جمال عبد الستار

الأزهر بين نعال الانقلاب وصمود الطلاب – جمال عبد الستار
لا أعتقد أن يومًا مرَّ على الأزهر الشريف يشبه ذلك اليوم، ولا أظن أن حقبة مرَّت على محياه الجميل كتلك الحقبة القميئة، ولا...

لا أعتقد أن يومًا مرَّ على الأزهر الشريف يشبه ذلك اليوم، ولا أظن أن حقبة مرَّت على محياه الجميل كتلك الحقبة القميئة، ولا أعلم أنه تردى في الوحل والسفاهة كتلك الفترة التي نحياها!

نعم إنه «الأزهر» المعروف بعمقه العلمي، وتوازنه الفكري، وسمعته العالمية الراقية ودروه الرائد في رد الشبهات، ودحض الافتراءات، ومقاومة التفريط والإفراط.

أكتب اليوم بين قرابة أربعين عامًا أشرف فيها بالانتساب لمؤسسة الأزهر الشريف جامعًا وجامعة، منهجية ومرجعية، تاريخًا مشرقًا وحاضرًا مزهرًا، وبين ثمانية أشهر رأيت فيها أزهرًا لا أعرفه، ومنهجية لا أرتضيها ومرجعية لا سند لها إلا وساوس الشيطان، وحاضرًا لا يرضى عنه إلا الكهنة والرهبان!

بين حاضرٍ تتقلب فيه قيادة الأزهر بين نعال المجرمين ولعق أحذية الضلال، والتمطي في أحضان العهر ومخادنة الفجار!

 فهذا مُعمَّم يُجلسه «مبارك» على رأس المؤسسة العريقة لامؤهل له إلا التلون والتآمر، وصدق الخدمة لأمن الدولة وسدنة النظام، فلم يكن يوما خطيبًا بليغًا، أو متبحرًا في العلم دقيقًا، أو مؤلفًا للأسفار حصيفًا، أو متحدثًا بالحكمة أريبًا، فهو يلبس لكل مهنة لباسها، ولكل وظيفة ثيابها، فهو لما يراد منه سباق!

إن أردوه مؤيدًا للثورة كان إمامها! وإن أراده معارضًا كان عدوها! وإن أرادوه للانقلاب كان كاهنه، وإن أرادوه في الدم كان سافكه، وإن أرادوه مع الكنيسة كان راهبًا، وإن أرادوه مع العلمانيين كان حداثيًا، وإن أرادوه مع الصوفية كان درويشًا، وإن أرادوه في الإمارات كان هبيشًا، وإن أرادوه سلفيًا كان وهابيًا!

وهذا مُعمَّم آخر يأمر بقتل الساجدين، ويُهني من ذبح الصائمين، ويُعلنها في كل صباح أنه لا مشروع للمسلمين، ولا حرمة للمساجد، ولا مكان في الوطن للمصلحين، لا لشيء إلا لأن رائحة الصلاح تزكم أنفه والمبطلين!

وهذا عربيد مُعمَّم بلغ من العمر أرذله، يُفتي بكفر أهل القرآن، ويتودد إلى المجوس وعبدة الشيطان، ويُحرِّض على قتل المجاهدين وحماية الصهاينة المحتلين، وينبري مُدافعاً عن شرف الراقصات، ومكانة الغانيات، وهو وإن لقبوه كريمه فهو أجهل في دين الله من «البهيمة»!

وآخر هلالي مأجور، يُحلل الرقص والخمور، ويفتي بثواب الراقصات، وإن ماتت مجاهدات في الحانات، فمقامهن في أعلى الجنات، مع الشهيدات الفاتنات الباذلات!

ويسبق كل العلماء، بالافتئات على السماء، بأنها وعلى وجه الاستثناء، أمطرت رسلًا وأنبياء، وخصت تكريمًا أرض المحروسة بكائنين: أحدهما سيسي والآخر جاموسة! ويهنئ القاضي اللعين لحكمه بإعدام المجاهدين!

ونكرة يؤمم المساجد ويزرع فيها كل فاسد، ويفصل الخطباء البارعين، ويوقف لجنة القدس الأسير خدمة للصهاينة المجرمين!

وآخرون رضوا بالصمت المهين، وعاشوا تحت أنقاض المراجع يبحثون عن حكم عظيم: ماذا لو أن نملة قُتلت على وجه الخطأ تحت أقدام المحرمين!

كل هذا الركام الذي يدفع أي عاقل إلى المسارعة بالتبرؤ من مجرد الانتساب إلى هذه المؤسسة يتلاشى خجلاً أمام طلاب صنعوا من المجد ثياباً فلبسوه، وبنوا بدمائهم الزكية صرحا للكرامة والشهامة والرجولة والإباء!

وتنافست حرائر الأزهر مع أحراره في تنظيف الأزهر من عار المفسدين، وتطهيره من دنس الأدعياء الخائنين.

فرسموا للأزهر مستقبلًا باهرًا وغدًا مزهرًا، وأعادوا إلينا شرف الانتساب إلى حصن الإسلام المنيع، وأعلنوها في العالمين ناصعة: «إن المستقبل يقينًا لهذا الدين».

فما أخافهم التهديد والوعيد، وما أرهبتهم قنابل الغاز، ولا أرعبهم رصاص المجرمين، وما هالهم فصل من الجامعة فهم أسودها، ولا حرمان من الامتحانات فهم للحرية وقودها، ولم يعبئوا بحرس جامعي أو رئيس للجامعة بلطجي، أو كلاب بوليسية أو حتى آدمية، وما فت في عضدهم بناء الأسوار، فالأسوار لا تمنع الأحرار، ولا تخيف الثوار، ومادام جنود الأزهر في الميدان، فكبر ربك وارفع الآذان وقل معهم مهما كلفك النداء:

نحن الفتيان بنو الأزهر أقسمنا يمينًا لن نقهر

 وكتـــابُ الله بأيدينا نتحدى الشرطة والعسكر

فها هي قُبلة أضعها على رؤوس أبنائي طلاب وطالبات الأزهر، وها هي بُشرى أسوقها للعالم بغدٍ مُثمر، وها هو يوم قريب أرتقب فيه عاقبة كل من بغى وتجبر.

وإنه بإذن الله لقريب..

د / جمال عبد الستار

الأستاذ بجامعة الأزهر

الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة

 

 

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023