شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

برهامي ومأساة الفتوى في واقعنا المعاصر ـ وصفي أبوزيد

برهامي ومأساة الفتوى في واقعنا المعاصر ـ وصفي أبوزيد
من مآسي واقعنا المعاصر أن يتصدر للإفتاء من ليسوا أهلاً له، ومن لم يشموا رائحة الفقه، وإذا نقلوا عن العلماء دلسوا عليهم...

من مآسي واقعنا المعاصر أن يتصدر للإفتاء من ليسوا أهلاً له، ومن لم يشموا رائحة الفقه، وإذا نقلوا عن العلماء دلسوا عليهم لعدم علمهم ولا إدراكهم لمرادات العلماء، وبخاصة الأئمة منهم.

وأقرب مثال على هذا الدكتور ياسر برهامي، الداعية السلفي المعروف، فهو طبيب ولا علاقة له بالفقه والفتوى، وكذلك تلميذه النجيب الذي كان يدير "محل سايبر"، ويتصدر الآن للإفتاء مفتريا على رسول الله.

فقد "أفتى" برهامي بأن الرجل الزوج إذا تعرض أحد لاغتصاب زوجته وإذا دافع عنها سيقتلونه، فينبغي هنا ألا يسمح لهم بقتله، ويتغاضى عن اغتصاب زوجته تقديما لحفظ النفس على حفظ العرض، وجوبًا!

وقد نسب هذا القول لسلطان العلماء للعز بن عبد السلام، والعز لم يقل بالوجوب مطلقا.

إنما جاء كلام العز في سياق حديثه عن تقديم الفاضل على المفضول، وليس الواجب على المندوب، وضرب له أمثلة، قال في المثال السابع عشر: "إذَا وَجَدَ مَنْ يَصُولُ عَلَى بُضْعٍ مُحَرَّمٍ، وَمَنْ يَصُولُ عَلَى عُضْوٍ مُحَرَّمٍ أَوْ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ مَالٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ حِفْظِ الْبُضْعِ وَالْعُضْوِ وَالْمَالِ وَالنَّفْسِ، جَمَعَ بَيْنَ صَوْنِ النَّفْسِ وَالْعُضْوِ وَالْبِضْعِ وَالْمَالِ لِمَصَالِحِهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، قَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ النَّفْسِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْعُضْوِ، وَقَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ الْعُضْوِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْبُضْعِ وَقَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ الْبُضْعِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْمَالِ". قواعد الأحكام: 1/ 104. طبعة دار القلم.

فهذا كلام ينتسب للفقه الحي، الذي يراعي الموازنات والأولويات، وهذا ليس غريبا على العز، فقيه المقاصد والأولويات والموازنات.

يضاف إلى هذا أن كلام العز مطلق عام ليس له سياق معين، أما كلام برهامي فله سياق لا يمكن معه هذا القول، ولا يصح أن تصاغ الفتاوى في السياق المصري الذي نحياه بهذا الشكل، وقد أجمع الأصوليون أن سياق الفتوى يجب أن يعتبر وإلا يكون إهماله استنباتًا للفقه في الهواء، واستصدارًا للفتوى في الفراغ.

ومن الغريب أن برهامي لم يتعرض لما تمارسه الأجهزة الأمنية من انتهاكات واغتصابات وقتل بالجملة، كل هذا عمدٌ وليس خطأ .. فهو لا يجرؤ على أن يقول للشرطة والأجهزة الأمنية "لا"، لا بملء فيه ولا بالهمس؛ إذ ما سأل عنه السائل يأتي في هذا السياق ، ويجب أن يُعَالَجَ السياق في الفتوى التي ليس من حق برهامي ومن على شاكلته أن يتعرضوا لها.

ثم أين كان برهامي أيام المذابح (الجرس الجمهوري، والمنصة، ورابعة، والنهضة، ورمسيس، والدقي، وغيرها)، ألم تُقتل فيها أنفس بل آلاف النفوس؟ لماذا تم إلجامه ورضي بهذه الدماء وسكت عنها، بل حملها لفصيل معين، ولم يستنكر وقوعها!!

ثم لماذا لا يوجه فتواه – إن صحت له فتوى – إلى المجرمين الذين يمارسون القتل والقمع والاغتصاب، ويقول لهم: كفوا عن القتل، كفوا عن الإجرام، كفوا عن اغتصاب بناتنا ونسائنا؟ .. أليس أيها البرهامي – أخزاك الله – وظيفة الأجهزة الأمنية توفير حماية الناس، وحفظ أمنهم ؟ أم أنك تركت هذا كله وحرمت على الزوج المغلوب على أمره أن يدافع عن عرضه وشرفه حتى لو أدى هذا إلى قتله؟!، ألم يقل النبي عليه السلام فيما رواه أبو داود بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ دُونَ دَمِهِ أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ »؟. أم أن الذي يفرط في دينه ودماء المسلمين يمكن أن يفرط فيما هو دون ذلك؟!

إنني أبرأ إلى الله تعالى من هذه الأقوال والمواقف التي تستنزل غضب الله على الأرض، وتستدعي انتقامه العاجل في الدنيا قبل الآخرة، يوم يقف الناس أمام الله عرايا لا تخفى منهم خافية!

إن مأساتنا المعاصرة في مجال الفتوى – بالإضافة لمن يفتون وهم ليسوا من أهل الفتوى – أننا نستدرج للإجابة عن أسئلة فرعية ونترك مصدر إثارة هذه الأسئلة الذي يجلب على الفقهاء والمشتغلين بالفقه سلوك مسارب بعيدة عن الرشاد، وربما انتهجوا فيها التسويغ والانبطاح… 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023