مع صباح كل يوم جديد منذ انقلاب 3 يوليو، لم تعد تخلو الأخبار اليومية عبر القنوات الفضائية والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي عن حملات اعتقالات واسعة تشنها سلطات الانقلاب ضد من يخرج أو يتظاهر أو يرفع شعار رابعة، أو من يعرف بأن لديه نشاط سياسي ضد الانقلاب العسكري.
فحال مصر منذ انقلاب 3 يوليو – بحسب خبراء وسياسيون – لم يذكره تاريخ في دول الاستبداد، فالاعتقالات العشوائية لا تفرق بين صغير وكبير، امرأة أو رجل، طبيب أو وزير أو فلاح، الكل سواء. "الزنزانة" أصبحت مأواهم من أجل مطالب خرجوا من أجلها.
لكن يبقى سؤال يطرح نفسه، هل يكون للاعتقالات العشوائية نتائج كارثية على الدولة؟
قلق بالغ
فقد طالب رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الشيخ يوسف القرضاوي بوقف الاعتقالات عشوائية والتعذيب في السجون خصوصاً للنساء والعلماء والصحافيين والشبان".
وأعرب القرضاوي في بيان له عن "قلق بالغ" بسبب "ما وصلت إليه حالة الحريات العامة، وحقوق الإنسان في مصر"، من "اعتقالات عشوائية طالت كل فئات الشعب المصري حتى النساء والأحداث القصر، فضلاً عن العلماء والإعلاميين والشبان من الطلاب وغيرهم".
وأدان القرضاوي هذه الاعتقالات مطالبا بالحرية الفورية لجميع المعتقلين"، داعياً إلى "وقف كافة أشكال الاعتقال العشوائي والتعسفي للمواطنين المصريين الذين يعبرون بسلمية عن حقهم الشرعي في الاعتراض على الانقلاب العسكري في مصر".
اعتقالات طالت الجميع
الأمر لم يتوقف عند الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فقد أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها بشأن التوقيفات والاعتقالات بحق النشطاء السياسيين والمجتمع المدني والمتظاهرين السلميين المستمرة في مصر.
وأفادت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، ماري هارف، خلال مؤتمر صحفي، بأن «الولايات المتحدة تشعر بالقلق العميق إزاء جميع الاتهامات والتوقيفات والاعتقالات التي تجرى في مصر بدوافع سياسية»، مشيرة إلى أن «هذه الإجراءات تضع إشارات استفهام حول تطبيق سيادة القانون بشكل عادل وحيادي، ولا تمضي قدمًا بالعملية الانتقالية في مصر».
ونشرت صحيفة "واشنطن بوست، تقريرا عن حملة الاعتقالات التي تم تنفيذها ضد عدد كبير من المصريين في الآونة الأخيرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن موجة الاعتقالات في الأشهر الماضية شملت الآلاف، لا يقتصرون فقط على أنصار الرئيس محمد مرسي، ولكن أيضا صحفيين ونشطاء يساريين ومواطنين عاديين تم اعتقالهم في ظل الفوضى. بينما اعتقلت قوات الأمن البعض على جرائم مثل تصوير المظاهرات.
21317 معتقلا!
وقال محمد زارع الخبير الجنائي إن عدد المحتجزين ضخم، وهناك عملية سجن منهجية لأي شخص يعتبر تهديدا.
بينما قالت سلسبيل الغرباوي، وهي طالبة تم اعتقالها في ديسمبر الماضي قبل أن يتم إطلاق سراحها، وإن كانت لا تزال قيد التحقيق: "من الواضح أن الحكومة الحالية ليس لديها موارد للسيطرة علينا، فحتى المجرمين كانوا يشكون من زحامنا في السجون".
ووفقا لمبادرة "ويكي ثورة" الصادرة عن المركز المصرة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن 21 ألفا و317 شخصا قد تم اعتقالهم منذ الثالث من يوليو وحتى نهاية العام الماضي، وعدد صغير منهم فقط تم إطلاق سراحه.
الاعتقالات العشوائية تؤدي للتطرف
وتسأل الكاتب عبد الباري عطوان في مقال له بالقدس العربي لماذا يقف الاتحاد الأوربي صامتا أمام الانقلاب على الديمقراطية وحكم صناديق الاقتراع؟ هل لأن الفائز في هذه الديمقراطية هو من أنصار التيار الاسلامي، وهل هم مع الديمقراطية في بلادنا التي تأتي بأحزاب وفق مقاساتهم، وتطبق سياساتهم ومشاريعهم في الهيمنة في المنطقة؟
وأضاف أن الاتحاد الاوروبي سقط وكل المقولات الليبرالية التي تدعي التمسك بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة سقطت ايضا، وبات واضحا ان الليبرالي في مفهوم الغرب هو الذي يتخلى عن عقيدته وقيمه ومبادئه، ويتبنى المبادئ الغربية التي تضعها واشنطن ومحافظوها الجدد.
وأضاف أن أنصار ‘الديمقراطية’ وحكم صناديق الاقتراع، يتدفقون بالآلاف الى ميادين المدن والقرى والنجوع لكي يطالبوا بعودة الرئيس المنتخب، ويعبروا عن استعدادهم للشهادة من اأجل هذا الهدف. مؤكدا أن الانقلاب العسكري سيؤدي حتما الى خدمة الجماعات المتطرفة داخل التيار الإسلامي بشنّه لحملات اعتقالات دون أي مسوغات قانونية، وتحت اتهامات واهية.
سجون سرية
وحذرت جريدة الفاينانشال تايمز البريطانية في تحليل مطول عن أوضاع السجون في مصر مما وصفتها بمخاوف من أن اعتقال الحكومة المؤقتة المصرية آلاف المعارضين في سجون سرية قد يؤدي إلى ظهور نوع جديد ممن وصفتهم بالجهاديين.
وأشار التحليل الذي حمل عنوان: "سجون مصر السرية" إلى أن أغلب السجون المعلنة كطرة وبرج العرب تشهد حالات تعذيب وإهانة للمعتقلين، أما السجون السرية فتشهد أنواعا أخرى من التعذيب لا تخطر على البال.
ونقلت الصحيفة أن شبكة السجون السرية قد اتسعت بعدما شددت السلطات قبضتها ضد المعارضين منذ انقلاب يوليو الماضي.
لكن يبقى التساؤل مطروحا، ماذا ستجني مصر جراء اعتقال شبابها؟ وهل ستوقف السجون تظاهرات الشباب؟