هما من أبناء مدينة طوخ محافظة القليوبية الناشطين في العمل الخيري منذ زمن، صارت الجمعية التي ساهما في تأسيسها قبلة لكل محتاج بالمدينة، تنوعت الأنشطة ما بين معارض خيرية وتزويج الفتيات اليتيمات والفقراء وتحفيظ القرآن وإعانة الفقراء وكفالة الأيتام وجمع جلود الأضاحي وصرف العلاج لغير القادرين وغيرها.. حتى صار اسمها يضاهي -ويفوق- كبرى الجمعيات بالمحافظة، وطمحا بشدة إلى تطوير العمل بالجمعية؛ غير أن سلطات الانقلاب العسكري كافأتهما على عملهما الدؤوب في الخير بثلاث سنوات سجنا.
وقضت السبت 26 أبريل 2014 محكمة بالقليوبية على كل من أحمد عيسى الملاح وحمدي موسى بالسجن ثلاث سنوات بتهم التظاهر والبلطجة، وذلك بعد أن تم القبض عليهما عشوائيا من شوارع مدينة طوخ، عندما فضت قوات الأمن فعالية شبابية في 3 يناير الماضي وشرعت في القبض على المواطنين من الشوارع.
ولأن عيسى وموسى معروفان في المدينة بنشاطهما في مجال البر والخير، فقد أرشد عنهما مخبرو أمن الدولة من الشارع أثناء رجوعهما من صلاة الجمعة يومها، فتم اعتقالهم وتوجيه اتهامات التظاهر والبلطجة إليهما مع لائحة طولية من تهم أخرى.
الطريف أن بعضا من هذه التهم الموجهة إليهما حدثت وقائعه بعد تاريخ اعتقالهما، وهو ما ينسف جميع التهم ويكشف أنها كيدية برأي هيئة الدفاع عنهما، غير أن المحكمة اكتفت بإسقاط هذه التهم ومعاقبتهما على بقية الاتهامات رغم عدم وجود أدلة بحسب تأكيدات الدفاع.
ولا يكاد محتاج أو فقير في مدينة طوخ يغفل عن اسم جمعية "سنابل الخير" التي ساهم كل من موسى وعيسى في تأسيسها، وشغل أحمد عيسى منصب أمين عام الجمعية، بينما تولى موسى منصب أمين الصندوق، وكان كل منهما يقتطع من وقته ليقضي أوقاتا طويلة في مقر الجمعية يقضي حوائج الفقراء، أو ينظم لنشاطات مرتقبة.
ويقول أحمد غانم أحمد أعضاء الجمعية عنهما: لقد تم اختيار مقر الجمعية بجوار منزليهما المتقاربين، ونجحنا في الحصول على شقة في ذلك المكان ليسهل لهما متابعة الأنشطة التي لم يكون يكلان من تنظيمها.
ويضيف: "لقد صار مقر الجمعية بيتهما، فالأول يمضي وقت الصباح، والثاني يعود من عمله ليواصل حتى ساعات متأخرة من الليل، حتى إن كل أصدقائهما ومحبيهما توقفا عن السؤال عنهما بالمنزل، فالسؤال والمرور عليهما يكون بمقر الجمعية أولا، لقد بذلا مجهودا لا يبذله أي شخص لو كان يتقاضى راتبا؛ فما بالك بالمتطوعين".
رفقاء البر.. والسجن
غير أن الثنائي الذي عمل بكدٍّ في نشاطات البر لم يكن يتوقع أن يترافقا كذلك في غياهب الاعتقال، وأن يتركا مقر الجمعية وحيدا مغلقا، والفقراء لا معيل لهم إلا الله، بعد أن كانا يساهمان في إعانتهم على تخطي مصاعب الحياة.
وفي الثالث من يناير، خرج كل من أحمد عيسى وحمدي موسى من المسجد عقب صلاة الجمعة، ليتم اعتقالهما بمنطقة السنترال على مقربة من منزلهما، وذلك بعد تأكيدات مرشدي مباحث أمن الدولة لقوات الانقلاب العسكري أنهما من الإخوان المسلمين.
وبعد ما يزيد على ثلاثة أشهر، كتبت "جهاد" ابنة الأستاذ "حمدي موسى" التي دأبت على إرسال رسائل الشوق إلى أبيها المعتقل على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك مرفقة بصوره، رسالة مقتضبة لتقول: بابا اتحكم عليه بـ3 سنين.. الحمد لله على كل شيء.. اللهم انتقم.. حسبنا الله ونعم الوكيل".
كلمات جهاد المقتضبة أعقبها سيل من تعليقات ورسائل صديقاتها وأبناء المدينة الذين استنكروا الأحكام وآزروها، وهو ما دفعها للرد قائلة: "لا تواسوني.. هذا أمر الله واحنا تحت أمر ربنا"..
لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لمحمد أحمد عيسى، الذي اغترب بحثا عن لقمة العيش، ففوجئ باعتقال أبيه، وهو ما دفعه إلى التعبير عن غضبه وانعدام ثقته في منظومة العدالة بمصر، وصار بين مطرقة العودة إلى بلد يموج بالاضطرابات ليقف بجوار إخوته الصغار بلا عمل ولا سبيل أمامه، أو البقاء في الخارج ينهشه القلق على أشقائه الذين لا يزالون في مراحل التعليم.
غير أن معاناة أسرتيهما –على ألمها- لا تقارن بمعاناة أشد لعشرات ومئات أسر الأيتام والفقراء التي صارت تعتمد على جمعية "سنابل الخير" في "شهرية" تعينهم على غلاء الأسعار ومتطلبات الحياة، وهي الحال التي لم كسابقتها بعد أن كان الكثير من أصحاب الأموال الذين يثقون في كل منهما يتبرعون للجمعية عن طريقهما، فلما غابا انقطعت الصلة بينهم وبين الجمعية، فلم يجد الفقراء رافدا.
وبأسى يشير أحد الشباب إلى لافتة الجمعية المعلقة وبابها المغلق أثناء سيره أمام مقرها قائلا: "لم يكن ذلك الباب ليغلق في وجودهما، ولم يكن أصحاب الحاجات لينقطعوا من التردد على هذه الشقة الضيقة، لست أدري كم من الأسر التي انقطعت عنها الإعانة الشهرية أو علاجها، حتى المحفظون الذين كانوا يتناوبون على تحفيظ الأطفال أو التجار الذين كانوا يمدون الجمعية بمواد للمعارض المخفضة، والشباب الذين كانوا يتصلون لهم للتطوع بجهدهم في أنشطة الجمعية المختلفة كشنط رمضان ومعارض السلع المخفضة وجمع الجلود ورحلات الأيتام.. كلهم الآن يشكون انقطاع نهر الخير الذي كانوا سببا فيه".
وختم حديثه لـ"رصد" متسائلا بألم: "هل صارت مكافئة صنع الخيرات وعمل الخير بمصر هو السجن والاعتقال؟ بأي ذنب أخذ هؤلاء؟ الشباب الذي كان يشارك في عمل الخير يجلس الآن على المقاهي.. هل هذا هو ما يريده الوطن من أبنائه؟".