شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هيثم مصطفي يكتب: أن تحيا في عالم القتلة

هيثم مصطفي يكتب: أن تحيا في عالم القتلة
دخل الصليبيون أنطاكية بعد حصار طويل ... فاستباحوها قتلا و نهبا و إغتصابا ... بعدها بأعوام سيأتي من لقبه علماء عصره...

دخل الصليبيون أنطاكية بعد حصار طويل … فاستباحوها قتلا و نهبا و إغتصابا … بعدها بأعوام سيأتي من لقبه علماء عصره بالخليفة الراشد السادس .. نور الدين محمود زنكي .. ليقيم تحالفا مع إمارة أنطاكية الصليبية فقد كان هدفه تحرير بيت المقدس .

كان يحارب في جبهة أخرى .. يمارس القتل ضد مجموعة أخرى من القتلة . بعدها بقرون سيأتي إسلامين آخرون ليقوموا بنفس المناورة في نفس البقعة من الأرض … فلسطين . فقد أعادت حماس التعاون مع قتلة آخرين و هم سلطة أوسلو رغم أنهم سفكوا من الدماء ظلما و إعتدوا على الأعراض و مازالوا ينسقون أمنيا مع العدو في الضفة الغربية . و المقارنة التاريخية هنا ليست لغرض تبريري … أبدا الحقيقة أنني لا أرى حاجة للتبرير أصلا فمثل هذه المناورة طبيعي للغاية في عالمنا . فإن كان التحالف و العداء و السلم و الحرب حالات للعلاقات بين الدول و المنظمات فأحدهما و هو التحالف لابد أن يقع يوما ما مع قاتل … فكل الدول تحمل السمة . لا يخلق الحاجة للتبرير سوى الربط الخاطيء لمثالية المنهج الإسلامي بمثالية مفترضة للأداء السياسي لحملة هذا المنهج . وذلك من المستحيلات فإن كان الأداء السياسي منوط به معالجة الواقع فكيف تعالج هذا القاسي الذي لا يحابي مثالية منهجك مصرا على صبغ أدائك بها .

إن التعامل في المجال الجيوسياسي الدولي يفرض تبادلا للمواقع بين الأطراف المتصارعة لا يحتمل الخضوع لمقياس أخلاقية صداقة قاتل … في النهاية كلهم قتلة . فكيف أحيا و أنمو و أقاتل – كحركة أو دولة – بينهم دون أن أكون في جانب بعض القتلة ضد البعض الآخر ؟… كل الناجحين فعلوها . و الحقيقة أن تحديد أي القتلة تحالف و أيهم تحارب إنما يعتمد على أجندة أولوياتك كمسلم في هذا العالم و ليس على مدى قربهم منك … كل منهم كان له من دمك نصيب في وقت ما .

يبدو قطاعًا واسعًا من الحركة الإسلامية – قيادة و قواعد- بحاجة ماسة لإدراك حقيقة عالم القتلة فهم يقضون في مواجهة الأحداث وقتًا طويلًا في إنكار هذا الواقع و رفض التعامل معه و التحليق في سماء مثالية الإسلام . ثم عندما يستنزفهم التحليق و يضطرون للهبوط تنطلق آلة التبرير للتغطية على الهبوط الإضطراري , و لو أن من يقودهم كان يدرك حقيقة العالم بدقة ما حلقوا .. و لا برروا . يبدو أن حماس الفلسطينية بدأت الخروج من متلازمة التحليق و الهبوط الإضطراري هذه ربما تحت ضغط واقع مسئولية السلطة شديد القسوة و لكن الواضح أيضا أن قيادة حماس السياسية متقدمة على مستوى الإستراتيجية عن بقية الإسلاميين ربما بفعل الصراع الطويل مع عدو متقدم كالإسرائيليين … أو هو فقط الدرس المصري الذي فهمه الجميع !

لكل قاتله الذي يشغل مساحة من واقعه و الذي قد تضطره الأيام في لحظة ما إلى التصالح معه … في مصر إستطاع السيسي تجاوز الشهور الماضية من عمر الإنقلاب بنجاح و صعد رسميا و واقعيا إلى كرسي الرئاسة . و لا توجد إجابة في الوقت الحالي عن السؤال حول جدوى الحركة الإحتجاجية السلمية في الشارع . سيحتاج الإسلاميون في مصر إلى البحث عن قاتل آخر يكره قاتلهم ليتحالفوا معه و غالبا لن يجدوه و حينها عليهم أن يكونوا مستعدين للتعامل مع واقع حكم قاتلهم و المصالحة معه حتى يمتلكوا القدرة على القصاص منه تبدو هذه المرونة المقززة من ضرورات الحياة على هذه الأرض و التاريخ يخبرنا بكل أسف أن الحياة لم تعف أي من المسلمين الطاهرين منها !.

لا تصرخ معارضًا في وجهي بسمو المسلم فوق واقعه و أن واجبه هو تغييره و ليس التماهي معه … معك حق و أعدك أن أفعل عندما أمتلك القوة لفعل ذلك . و هذه هي معضلة الإسلاميين في مصر , أضاعوا فرصة إمتلاك القوة لتغيير واقع فرض بالقوة … و أضاعوا فرصة تفاديه بسلمية إذ هم آمنوا بها و رفضوا القوة .. و في السياق تستمر حرب طواحين الهواء .

سيقف الإسلاميون في مصر يومًا ليختاروا بين القتلة لصداقتهم, فحول الانقلاب تتقاطع مصالح غالبية القتلة على المستوى الدولي و الإقليمي . وبالتالي ستكون عملية الإختيار صعبة للغاية و ستعتمد على البحث الدقيق في التناقضات بين تحالف الإنقلاب و إستغلالها بشكل بناء . و لكن عليهم حين يفعلوا ذلك أن يتعلموا درسا مهما من إخوانهم الفلسطينيين فعندما إختاروا صداقة القتلة في وقت ما … كانوا يمتلكون القدرة على القتل !! . في عالم القتلة لن تجد قاتلا يعترف بكونك طرفا يمكن أن يدخل لعبة تبادل المواقع إلا عندما يذوق القتل على يديك .. هكذا طبيعة الدنيا . يبدو أن القتل هو النشاط الذي يجب أن تمارسه بانتظام ككيان سياسي كي تستطيع البقاء في هذا العالم و مصالحك فقط هي من تحدد متى .. و من ! . طريق الفشل في السياسة الدولية يبدأ عندما تزن علاقاتك بميزان الحق بينما هذه العلاقات لا تعرف سوى القوة قياسا … عندما تجعل الأيديولوجية مرجعية بينما لا يصلح هذا الموقع سوى المصلحة . و درس آخر من الحروب الصليبية الغنية بالدروس لواقعنا .. لقد ظلت القدس محتلة ما يقرب من تسعين عامًا و في النهاية إضطر يوسف بن أيوب … المسلم المجاهد إلى فتحها صلحا مع الصليبيين الذين أسالوا الدماء أنهارا حين إستولوا عليها و رعوا الخنازير في الأقصى ورفعوا الصليب فيه !!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023