شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

بين صفقات فرنسا المليارية لبيع السلاح ومواقفها السياسية

بين صفقات فرنسا المليارية لبيع السلاح ومواقفها السياسية
  صفقة السلاح الفرنسي لمصر والتي تتضمن اربع فرقاطات حربية بقيمة مليار يورو، هي الاولى منذ عشرين سنة عندما ابرمت صفقة...
 
صفقة السلاح الفرنسي لمصر والتي تتضمن اربع فرقاطات حربية بقيمة مليار يورو، هي الاولى منذ عشرين سنة عندما ابرمت صفقة طائرات الميراج. ولكنها لن تكون الاخيرة، بل هي ضمن  سلسلة صفقات عربية وخصوصاً خليجية، فضلاً عن تنمية حركة التجارة والاستثمارات المشتركة، الامر الذي من شأنه ان يساهم في دعم الاقتصاد الفرنسي الذي لا يزال يعاني من سلبيات الازمة المالية الاوروبية، وهكذا تكون فرنسا قد بدأت قطف ثمار مواقفها من تطورات الشرق الاوسط، لا سيما مع استمرار "التباين السياسي" الذي يسيطر على العلاقات الاميركية مع دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، نتيجة تقارب واشنطن مع طهران في المفاوضات النووية والتي تم مؤخراً تمديدها حتى 24 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
 
لقد اثبتت التجارب ووقائع التطورات السياسية منها وحتى العسكرية، وعلى مر التاريخ لعدة عقود خلت، ان العلاقات الدولية تكون دائماً مرهونة باستخدام “الاقتصاد” من اجل تحقيق اهداف “السياسة”، مهما كان نوعها وتوجهاتها، وما يتطلب ذلك من رصد اموال تكون احياناً بلا حدود، لتمويل عمليات عسكرية، او صفقات اسلحة متنوعة من شأنها ان تساهم في احداث تغييرات “جيوبوليتيكية”، وتأتي ترجمة لمواقف سياسية تقتضيها مصالح الاطراف المعنية.
 
وفي هذا المجال، تبرز حالياً اهمية العلاقات الدولية التي تتحكم بتطورات منطقة الشرق الاوسط في ضوء تداعيات ثورات الربيع العربي، وخصوصاً الثورة السورية وما نتج عنها من صراع مصالح، اقليمياً ودولياً، وكذلك تطورات الثورة المصرية بمرحلتيها الاولى والثانية.
 
 
 
مصداقية الموقف الفرنسي
 
برزت مصداقية الموقف الفرنسي واهميته في التزام باريس شراكتها الاستراتيجية مع دول المنطقة، منذ اعلان الرئيس الاميركي باراك اوباما في آب (اغسطس) 2013 استعداده لتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري عقوبة له على قتل نحو 1500 سوري خنقاً بغاز "السارين".
 
وفي ذلك الوقت بدأ الفرنسيون يعدون العدة للمشاركة الفاعلة باي ضربة عسكرية سواء كانت محدودة او كبيرة، واستنفروا امكاناتهم القتالية لاجل ذلك، مع الاشارة الى الفارق الكبير بين حجم الآلة العسكرية الفرنسية المتواضعة والامكانات الاميركية الضخمة، ولكن تراجع اوباما عن توجيه تلك الضربة احدث حالة من "انعدام الثقة" بين الطرفين الخليجي والاميركي على خلفية الحرب في سوريا، في حين ان الفرنسيين كانوا يراهنون على تأمين مصالحهم الاقتصادية، وقد اثبتوا ان التزام فرنسا المباشر في الدفاع عن مصالح حلفائها الخليجيين هو التزام متعدد الاوجه بما في ذلك الالتزام الدفاعي والعسكري، وفي هذا المجال اكدت  وزارة الخارجية في باريس بلسان مارك باريتي المدير العام المساعد في دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا (في الوزارة) "ان لفرنسا مصالح استراتيجية واقتصادية يجب ان تدافع عنها، وهي ممتدة من جبل طارق الى مضيق هرمز، وعليها تأمين خطوط امداداتها بالطاقة، وحماية السوق التي تمثل 8 في المئة من اجمالي صادراتها ونحو 25 في المئة من مبيعاتها الدفاعية".
 
 
صفقات السلاح
 
تعد صفقة الفرقاطات الفرنسية لمصر والتي تم مؤخراً ابرامها من اهم الصفقات في اطار التعاون العربي-الفرنسي، مع العلم ان معلومات وزير الدفاع جون ايف لورديان تشير الى ان مبيعات فرنسا من الاسلحة والمنتجات العسكرية قد تضاعفت من 4.7 مليار يورو في العام 2012 الى نحو 7 مليارات في العام 2013، وحققت بذلك ارتفاعاً نسبته نحو 49%، وهي قفزة كبيرة وغير مسبوقة في تاريخ صناعة الاسلحة الفرنسية، حتى ان الوزير لودريان توقع استمرار ارتفاع المبيعات لتصل الى 8 مليارات يورو في العام 2014، واعاد وزير الدفاع الفرنسي السبب في هذا الارتفاع الكبير الى ارتفاع الطلب الشرائي التسليحي من بلدان منطقة الشرق الاوسط، حيث فازت الشركات الفرنسية بثمانية عقود شرائية شرق اوسطية في العام الماضي، مقابل ثلاثة عقود فقط في العام 2012، وكانت حصة منطقة الخليج نحو 40% من اجمالي مبيعات السلاح الفرنسي للعالم، اي ما يعادل نحو 2.8 مليار يورو .
 
وتبرز المملكة العربية السعودية كأهم زبون لصناعة الاسلحة الفرنسية، اذ بلغت حصتها 28 في المئة ، او ما يعادل نحو ملياري يورو منها 1.5 مليار يورو لتحديث اربع فرقاطات بحرية بهدف تفعيل قوة الاسطول الحربي السعودي، وتجري مفاوضات لشراء ست سفن حربية جديدة من نوع "فريم" وهي من اكثر السفن تطورا" في العالم ، ووفق صحيفة " لاتربيون " الفرنسية ذات التوجه الاقتصادي ، تنوي المملكة شراء ست غواصات ، بحيث تصل قيمة الصفقة المرتقبة الى عشرة مليارات يورو ، يضاف اليها صفقة اخرى لتطوير وتحديث سلاح الجو السعودي بقيمة 4 مليارات ، وقد ترتفع الى نحو عشرة مليارات في حال الرهان على طائرات مروحية وصواريخ وقاذفات ، وبذلك تصل قيمة الصفقتين الى نحو 20 مليار يورو ، مع العلم ان المفاوضات الجارية قد يتم انجازها تباعا" وبشكل تدريجي ، وربما يتطلب ذلك وقتا" طويلا" ، ويذكر في هذا المجال ان مفاوضات صفقة اعادة تأهيل الفرقاطات قد استغرقت نحو خمس سنوات .
 
ومن الطبيعي ان تأتي في اطار مبيعات الحكومة الفرنسية ، صفقة الثلاثة مليارات دولار التي تعهدت بها السعودية لتمويل تجهيز الجيش اللبناني بما يحتاجه من السلاح الفرنسي.
 
واذا كانت حصة الامارات ضئيلة ، وهي تقتصر على تجهيز شبكة اتصالات وسواتل رصد عسكرية ، عن طريق الاقمار الاصطناعية ، وقد تصل قيمتها الى نحو 700 مليون يورو ، فان فرنسا متفائلة بتوقيع صفقات تشمل طائرات ودبابات ، يجري التفاوض عليها حاليا" ، ويبدو ان وزير الدفاع جان ايف لودريان ، اكثر المتفائلين ، بسبب علاقته الوطيدة مع ولي عهد دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد ال نهيان .
 
اما بالنسبة لدولة قطر ، فقد بدأت في العام 2013 مفاوضات مع فرنسا للحصول على صفقة طائرا ت ، يتوقع المراقبون توقيعها خلال العام 2014 ، وذلك في اطار خطة لتجهيز قواتها المسلحة في المجال الجوي ، اضافة الى حاجتها الى فرقاطات وسفن حربية لتعزيز اسطولها البحري ، ويمكن ان تختار قطر مناقصة لشراء اربعة طرادات من نوع "DCNS ".
 
وتبرز الاهمية الاقتصادية لمبيعات السلاح، على اساس ان كل عملية خارجية جديدة تعتبر فرصة ذهبية للصناعات العسكرية الفرنسية لتعرض تكنولوجياتها الحديثة وامكاناتها العملانية. وباعتراف احد اعمدة الصناعات العسكرية الفرنسية رئيس شركة “داسو” افياشن اريك ترابية ضمن شهادته امام البرلمان الفرنسي، بان العمليات العسكرية الفرنسية في ليبيا ومالي اعطت دفعاً جديداً لبرامج التسلح للجيش القطري والاماراتي، لصالح الاسلحة الفرنسية، ومنها اقتناء طائرة “رفاييل” القتالية.
 
لذلك من الطبيعي ان يستغل القطاع الصناعي العسكري في فرنسا، كما في دول اخرى مصدرة للسلاح، فرص اندلاع حرب في سوريا او غيرها، من اجل عرض مهارات اسلحتهم واقناع شركائهم باستيراد المزيد منها. 
 
ويلاحظ ايضاً انه كذلك في حالة اللاحرب قد تكون مناسبة لتصدير السلاح، وهذا ما اثبتته فرنسا لشركائها وحلفائها في المنطقة، عندما استنفرت امكاناتها العسكرية والتحضير الفعلي للعمليات في سوريا من الجو ومن البحر وربما ايضاً من البر، بما يعطي باريس مصداقية كقوة عسكرية فاعلة في البحر المتوسط والشرق الاوسط.
 
 
تجارة واستثمار
 
بما ان المملكة العربية السعودية اكبر دولة خليجية، وهي من اهم الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة منذ اكثر من 80 سنة، فقد راهن الفرنسيون على النتائج الايجابية التي سجلتها زيارة رئيسهم فرانسوا هولاند الاخيرة الى المملكة، والتي اكد فيها على:”اهمية العلاقات السعودية الفرنسية من منطلقات دور البلدين في الامن والاستقرار على الصعيد العالمي” منوهاً بمكانة المملكة وتاريخها العريق وشعبها وما تلعبه على صعيد الاقتصاد العالمي باعتبارها البلد العربي الوحيد في مجموعة العشرين التي ترسم السياسيات الاقتصادية العالمية، فضلا عن انها اكبر دولة خليجية ، وكذلك دورها كأكبر منتج للنفط بالعالم وجهودها في الحفاظ على اسعار عادلة له تحقق مصالح الدول المنتجة والمستهلكة.
 
وتشير ارقام وزارة التجارة والصناعة في الرياض الى ارتفاع حركة التجارة السعودية – الفرنسية الى 44 مليار ريال (نحو 12 مليار دولار)، وهي تميل لجانب المملكة بنسية 60 في المئة، وتعتبر فرنسا ثامن اكبر دولة مصدرة للسعودية، وثالث اكبر دولة مستثمرة في المملكة، حيث تعمل فيها اكثر من 70 شركة فرنسية، مع العلم ان قيمة الاستثمار السعودي في فرنسا لا يتجاوز 600 مليون يورو.
 
وفي اطار الدعم العربي للاقتصاد الفرنسي مكافأة لباريس على موقفها المؤيد والداعم لقضايا دول مجلس التعاون خصوصاً بالنسبة للازمة السورية وموقف ايران الداعم للنظام السوري، وموضوع النووي الذي يهدد دول المنطقة واستقرارها، فقد اعتمدت خريطة طريق لوسائل تعزيز حركة التبادل التجاري بين فرنسا ودول الخليج والبالغ حجمها نحو 19.67 مليار دولار سنوياً، مع العلم ان الميزان التجاري هو لصالح فرنسا حيث تبلغ صادراتها الى الخليج نحو 14.27 مليار دولار، مقابل 5.4 مليارات حجم مستورداتها من دول مجلس التعاون، وتتجه المساعي بين الجانبين الى تشكيل مجلس اعمال خليجي فرنسي مشترك وتشكيل لجان ثنائية مشتركة لتطوير العلاقات الاقتصادية بينهما.
 
اما بالنسبة للاستثمارات المشتركة، فقد تم الاتفاق على اعتماد خطة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مختلف انواع الاستثمار، فضلاً عن قيام الشركات الفرنسية الكبيرة بتنفيذ مشاريع متنوعة في منطقة الخليج، واكد امين عام غرفة التجارة العربية الفرنسية الدكتور صالح بكر الطيار بان حجم الاستثمارات الخليجية في فرنسا مرشحة للارتفاع لا سيما مع توافر الفرص المناسبة بفعل الازمة الاقتصادية والمالية الحالية.
 
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023