شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تشابهات بين مجزرتين – بسيوني نحيلة

تشابهات بين مجزرتين – بسيوني نحيلة
لا يمكن أن تكون التشابهات أمرا عارضا، أو حدثا غير مقصود، ربما يكون ذلك صحيحا، إذا كان التشابه محدودا بنسبة قليلة، أما أن...


لا يمكن أن تكون التشابهات أمرا عارضا، أو حدثا غير مقصود، ربما يكون ذلك صحيحا، إذا كان التشابه محدودا بنسبة قليلة، أما أن يصل التشابه إلى حد التطابق، فذلك مما يدعو إلى البحث والدراسة، والتفكير والاعتبار. ومجزرتا (غزة العزة) و(رابعة الصمود) من النوع الذي كثر التشابه فيه إلى حد يثير العجب والاستغراب، ويؤكد وحدة المصدر،كما يشير إلى اتحاد الفاعلوراء هاتين المجزرتين.


ومن خلال هذا المقال،نستعرض أهم نقاط هذه التشابه، ليحيى من حيّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة:


الزمان: كانت البداية في شهر رمضان المبارك، عند الحرس الجمهوري والمنصة، حيث بدأ القتل بالمئات، غدرا،وظلما، وعدوانا، فلم يزد القتلُ الصامدين في ميدان رابعة إلا ثباتا وإصرارا.وفي نفس الشهر الكريم كانت عُلُوج الصهاينة بسماء غزة، تحصد المئات، بدون سابق تنبيه ولا إنذار.ثم كانت المحرقة الكبرىفي الأيام الأولى من شهر شوال، شهر عيد الفطر، ففي ميدان رابعة الصمود، والنهضة، ورمسيس،…وغيرهاأتى الإجرام بلا قلب، ولا إحساس، وبعشوائية لا تعرف بين البشر، على آلاف الشهداء والجرحى من الأبرياء المسالمين.وفيغزة الصمود، ومع العيد، أيضا، كانت مجازر الصهاينة الحاقدة في الشجاعية وخزاعة، ورفح،… وغيرها لا تفرق بين حجر ولا شجر، ولا بين إنسان وجماد، تحصدآلاف الشهداء والجرحى من المواطنين الأحرار.


المكان: في قطعة من فلسطين الأبية، تسمى (غزة العزة)، أبى رجالها، ونساؤها، وأطفالها، إلا أن يعيشوا أو يموتوا أحرارا، كما خُلقوا أحرارا، يدفعون الغاصب المحتل للأرض والوطن، فحوصروا من جميع المنافذ والمعابر.


وقطعة من مصر الحبيبة، تسمى (رابعة الصمود)،أصر المعتصمون فيها على الحرية والكرامة، والوقوف أمام الغاصبين لإرادة الأمة المحتلين للسلطة، فحوصر أهلهايوم المذبحة من جميع المخارج.وقيل: هناك مخرج آمن لمن ترك الميدان، ولم يكن المخرج المزعوم إلا بابا من الذل والهوان، فكان الاعتقال والسحل والتنكيل بالشرفاء الأماثل. وفي غزة قالوا: هناك معبر لجار عربي شقيق، لم يكنفيه إلا الطرد والمذلةوالامتهان للأحرار الشجعان.وفي كلا المكانين كانت كاميرات النفاق والعمالة،تقوم بالخديعة، وتزين البهتان، وتزور الحقائق! من أجل تضليل الرأي العام في الداخل والخارج.


الجريمة:لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلها، قتل المدنيين الأبرياء، قصف الأطفال البرآء، حرق الجثث والجرحى أحياء، إحراق المساجد، وهدمها، واستباحة الحرمات والأعراض والأموال، تدمير المدارس، تأميما،أوقصفا، تزوير الحقائق والوقائع، نشر الأكاذيب والأباطيل، تلفيق التهم، وتشويه الوعي، وإماتة الأحاسيس، وإشاعة الفرقة، وتعمد التضليل، والحنث في اليمين، والغدر فيالأمان والعهود.


الضحايا: في غزة العزة ورابعة الصمود، كانوا هم الرجال والنساء، والأطفال والشيوخ، الركع السجود، الصائمون القارئون للقرآن، الصامدون المستمسكون، الصابرون المرابطون، الذي لا يملكون إلا حناجر التكبير والتهليل، وطلقاتالحوقلةوالحسبلة،وسلاح الأكف بالدعاء، وسهام الشكوى إلى الله بالسحر. عزتهم وكرامتهم فيما قاموا من أجله، الحرية والتحرير، والعزة والكرامة. وصفهم الغاصب الغشوم، الفاجر الحاقد، بأنهم جميعا(إخوان مسلمون)، ورماهم بأنهم (إرهابيون مخربون) فكانت هذه تهمتهم؛ ومن أجل هذا سُفكت دماؤهم، واستبيحت أعراضهم، وبرر المجرمون قتلهم، وسوّق الدهماء مجازرهم.


سبب المجزرتين:أرض احتلت واغتصبت بتواطؤ عالمي، وسكوت إقليمي، ودعم محلي عربي، فهبت فلسطين وفي طليعتهم أشاوس غزة، ينادونبتحرير الأرض وكرامة الإنسان، ومقاومة المحتل الغاصب، ورفع الظلم والحصار، وإنهاء الاحتلال.


إرادة شعب سُلبت، وسلطة اغتصبت، وثورة أمة سُرقت، بمؤامرة دولية إقليمية، ودعم عربي محلي، فقام المصريون وفي مقدمتهم أسود رابعة، ينادون باسترداد الإرادة والشرعية، ومقاومة الخيانة والعمالة، ورفع الظلم والحصار عن مكتسبات الأمة ورجالاتها.


هدف المجزرتين:في غزة ورابعة: أرادواإسكات زئير الأسود الصدّاع بالحق، وإخماد جذوة الحرية والكرامة المتقدة، وإخفاتالنخوة ولهيب العزة والحماسة في شباب الأمة، وإرهاب المتعاطفين المترددين، وإطفاء نور الحق الأبلج، وإحلال ظلمات الضلال والإذلال، وقمع الفضيلة، ونشر الرذيلة.


أرادوا إسلاما ساكتا قابعا لا حراك فيه، ومقاومةناعمة على صنيعتهم؛ فقرروا القضاء علىروح الإسلام الحق، الذي هو:دولة ووطن، أو حكومة وأمة. وهو مادة وثروة، أو كسب وغنى. وهو جهاد ودعوة، أو جيش وفكرة. وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة. وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء. كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.


وسيلة الأحرار في مجابهة المجزرتين: السلمية هي الشعار والمنهج. السلمية التي تعني عدم الخنوع والخوف، وعدم الركوع والركون، وعدم الذل والاستسلام، وعدم النزول على رأي الخونة والمعتدين.


سلمية لا تهاجم بالعنف، كما أنها لا تستسلم للهجوم. سلمية لا تعتدي، ولكنها ترد كيد المعتدين، سلمية لا تعرف الفجور ولا الطغيان، ولكنها تؤرّق الفجار وترهب الطغاة. سلمية تؤمن بأن الموت دون العرض والأرض والمال والحرية والدين هو أصل الشهادة، وباب الشهداء. سلمية: تزيدها الدماء والأشلاء صمودا وعزة وإباء، سلمية: لا تنتهي إلا بالنصر أو الفوز.


المفاوضات:أرادوا أن تكون استسلاما وخنوعا، ومذلة وركوعا. مفاوضات يمليها طرف مستعلٍ بآلة البطش والطغيان، وبيد ملوثة بالدماء. فبعد اغتصاب الإرادات والحريات، وقتل وخطف المئات، وإهدار كرامة الألوف، وسرقت ونهب الأموال والمقدرات؛ أرادوافي مصر أن يفاوضوا بالإفراج عن المعتقلين زورا، وإسقاط الأحكام الملفقة، ووقف آلة القتل والدمار الآثمة، بشرط الرضى بالأمر الواقع، والتنازل عن وقفات الصمود وصمود الوقفات، وبإسكات شعارات الحرية والشرعية. وفي غزة: بعد احتلال الأرض والمقدسات، وقتل المئات من الأطفال والنساء، وتخريب البيوت والمساجد، ونهب المقدرات، فاوضوا بوقف القتال الإجرامي، أمام وقف المقاومة الباسلة، وفتح المعابر المذلة، أمام نزع سلاح العزة والكرامة، وبدفع المليارات، أمام دفن الروح الوقادة الوثابة نحو الآخرة. وجَهِل المفاوضون الأقزام إن أصحاب المبادئ الربانية والقيم الصادقة لا يفاوضون إلا بالعزة والكرامة، ولا ينزلون على رأي الفسقة المجرمين، فإما حياة تسر الصديق، أو صمود يغيظ العدى.


إعلام الأشرار: في رابعة الصمود وغزة العزة، خرجت أبواق الشر من اللئام، ممن يسمون إعلاميين وإعلاميات، ينفثون الخُبث والخَبث، وينشرون القذر والزبل، فجعلوا الضحايا الشرفاء مجرمين عملاء، والقاتلين المجرمين أشاوس وأبطالا!وقاموا يصفون المقاومين البواسل بالإرهابيين الأشرار، والمحتلين الجبناء بالمحررين الأطهار! وصفوا الحرائر الطاهرات العفيفات بأنهن فاجرات عاهرات، ورفعن العاهرات المومسات إلى منزلة الأمهات المثاليات! ورموا الشباب الحر الغيور بالتغييب والتضليل، وجعلوا البلطجة والتحرش والاغتصاب رمزا للمواطنين الشرفاء!.


وغاظهم، وأقلق مضاجعهم، وأماتهم كمدا، أصوات صدعت بالحق من دول عَزّت بانتمائها للحق وأهله، وقنوات إعلامية ارتفعت بنزاهة القول والفعل، وأفراد شرفاء رفضوا العمالة والضعة، تحركوا بإحساس الإنسانية، وقلب الآدمية، وضوابط المهنية، فنطقوا بما سمعوا، وأسمعوا بما رأوا، وقرروا الوقوف مع الأمم والشعوب لاسترداد الحقوق المسلوبة، ونصرة المظلوم المستغيث، فما كان جزاؤهم إلا أن رموا جميعا -بسبب مواقفهم الشامخة في غزة ورابعة- بدعم الإرهاب، ومؤازرة الإخوان، ولم يقف الأمر عند ذلك إنما كان التحريش عليهم، والتأليب على مصالحهم، والاعتداء السافر على أفرادهم.


ففي رابعة، استُهدفت الكاميرات الصادقة، وقُنصَ، وقُتل، واعتُقل من الصحفيين الأحرار، وأُغلقت القنوات والمكاتب الإعلامية، وحوكم أفرادها. وفي غزة لم يختلف الحال، فكم من صحفي قُتل قنصا! وكم من مكاتب لقنوات محايدة قُصفت غدرا! وكم من اتهامات نُسبت إلى أحرار الصحافة والإعلام افتراءً وزورا!.


مخاسر المعتدين:فقدان الآدمية، فالإيغال في القتل، والتمادي في الفجور، والتباهي بالعدوان على الأطفال والنساء، وتبرير فعل المجرمين الأفاكين، وتزيين شرور وسوء أعمال الخائنين الغاصبين، دليل على إماتة الحس الإنساني وضياع قلب الآدمي، ويالها من خسارة!. يقول تعالى:(نسوا الله فأنساهم أنفسهم).


فقدان النصراء المخلصين، والمؤيدين الصادقين، والمدعمين المتجردين. إن من أسوأ ما يعاقب به المجرمون في الدنيا:زمرة المنافقين، وحاشية المنتفعين، وطاعة الجبناء الخائفين، ومشورة المداهنين، يقول تعالى:(فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين). فمقام الإنسان يعرف بمن حوله! فهو الخزي في الحياة الدنيا! يقول تعالى:(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).


مكاسب ومبشرات: التمايز والتباين بين المؤمن والمنافق، والصادق والمخادع، والأمين والعميل، من أعظم مكاسب المواجهة بين الحق والباطل. يقول تعالى:(ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب) فميزت رابعة الصمود الحق من الباطل، والمواطن من العميل، والصدوقمن الكاذب اللجوج، وعلماء الدين والآخرة من علماء السلطة والدنيا، وأحزاب الزور والبهتان منأحزاب المبادئ والإيمان. أما غزة العزة، فقد كشفت المخبوء، وأبانت المستور،صهاينة يسوسون بلاد العرب والمسلمين، يختبئون خلف اللغة والثوب والدين، ويتوارون خلف الشعارات المزيفة، والأهازيج الهابطة؛فأسقطت غزة الأقنعة، وأبانت العورات والسوءات! فلم تعد الأمور سقطات في لحن القول، ولا تسريبات الكواليس، التي يدركها المحللون، إنما أصبحت تصريحات في ظاهر القول وعلنه،يفهما العامة والغافلون.


وكان من نتائج التمايز أن وُضع الخبيث بعضه على بعض، وتراكم الباطل بعضه فوق بعض، مما يمهد لما وعد الله به في قوله:(ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون).


إن من أعظم مكاسب المجزرتين، أنهما أعلنتا عن ميلاد جيل جديد، به ينتصر الحق، ويمحق الباطل، فهم مفرزة الإيمان، منهم اصطفى الله الشهداء، ورفع الله قدرهم بما يلقونه من شدة التمحيص،وميز الظالمين، وبهم سيتم وعد الله الأكيد، نصر الدنيا وجنة الآخرة.


تمعن قوله تعالى في سورة آل عمران: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يعلم الله الذين آمنوا منكم ويعلم الصابرين).

د/ بسيوني نحيلة
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر
 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023