تحت عنوان “عمليات السلام في أفريقيا” نشر مجلس العلاقات الخارجية تقريرًا لـ دانييل رينويك، استهله بالكشف عن ارتفاع عدد قوات حفظ السلام النظامية المنتشرة في إفريقيا إلى أكثر من 100 ألف بحلول عام 2015، أي ضعف ما كانت عليه قبل 10 سنوات.
وتُكَلَّف قوات حفظ السلام في أفريقيا بمهامٍ، يتزايد اتساع نطاقها، تشمل: حماية المدنيين، ومكافحة الإرهاب، وعمليات مكافحة التمرد، وتعتمد بشكل متزايد على الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، لكن المؤسسات متعددة الأطراف التي تنشر القوات تواجه تحديات تتعلق بمساهمات البلدان، والتدريب، والعلاقات مع الحكومات المضيفة.
أين تنتشر قوات حفظ السلام في أفريقيا؟
بحلول مايو 2015، كان هناك تسع بعثات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في أفريقيا، مدعومة بأكثر من 80 ألف جندي (80% من قوات حفظ السلام الأممية منتشرة في إفريقيا)، و15 ألف مدني. وتتواجد أكبر البعثات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ودارفور (بالاشتراك مع الاتحاد الإفريقي)، وجنوب السودان، ومالي.
في الوقت ذاته، يقود الاتحاد الإفريقي بعثة لحفظ السلام قوامها أكثر من 22 ألف جندي وشرطي في الصومال، تعرف اختصار بـ أميسوم AMISOM. أيضا لدى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس)، وهي تكتل مكون من 15 بلدا، بعثة صغيرة معترف بها أمميا في غينيا بيساو.
وهناك بعض قوات حفظ السلام الأصغر خارج مظلة الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة أيضا: فبحلول أبريل عام 2015، كان هناك أكثر من 1500 من قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات والمراقبين (MFO) في شبه جزيرة سيناء المصرية. (أنشأت إسرائيل ومصر قوة متعددة الجنسيات في عام 1981). ولدى الاتحاد الأوروبي بعثات تدريب صغيرة في مالي والصومال، كما نشرت فرنسا قوات في جمهورية أفريقيا الوسطى.
– توضح الخريطة التالية انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في القارة الأفريقية:
ما اختصاصات قوات حفظ السلام؟
تنشر الأمم المتحدة قوات حفظ السلام؛ لمنع أو احتواء القتال، وتحقيق الاستقرار في مناطق ما بعد الصراعات، والمساعدة في تنفيذ اتفاقات السلام، ومساعدة التحولات الديمقراطية.
ولتحقيق هذه الأهداف؛ تعمل الأمم المتحدة على تنفيذ الأنشطة التالية:
– نزع السلاح، وتسريح القوات، وإعادة إدماج المقاتلين السابقين.
– إزالة الألغام والأنشطة ذات الصلة
– الأنشطة المتعلقة بسيادة القانون
– حماية حقوق الإنسان وتعزيزها
– تقديم المساعدة الانتخابية
– دعم استعادة سلطة الدولة
– تعزيز الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي والتنمية
إجمالا، تتبع الأمم المتحدة ثلاثة مبادئ لنشر قوات حفظ السلام:
– يجب موافقة أطراف الصراع الرئيسية
– ينبغي أن تظل قوات حفظ السلام غير منحازة ولكن ليست محايدة
– لا يمكن لقوات حفظ السلام استخدام القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس والدفاع عن الاختصاص.
ومع ذلك تنتشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مناطق الحرب على نحو متزايد حتى بدون موافقة جميع الأطراف الرئيسية، كما هو الحال في مالي وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وهناك أيضا ضغوط دولية متصاعدة لكي تلعب قوات حفظ السلام دورًا أكثر نشاطا في حماية المدنيين. وعلى الرغم من مبدأ عدم الانحياز، تم تكليف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بعمليات هجومية ضد مقاتلين موصومين بأنهم أعداء، كما في مالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
في هذا السياق كتب بول وليامز، من جامعة جورج واشنطن، تقريرا جديدا لـ مجلس العلاقات الخارجية، قال فيه: “تطمس التكليفات المعاصرة- في كثير من الأحيان- الخطوط الفاصلة بين حفظ السلام، وتحقيق الاستقرار، ومكافحة التمرد، ومكافحة الإرهاب، ومنع الأعمال الوحشية، وبناء الدولة”.
من أين يأتي العاملون في حفظ السلام؟ وما مصدر تمويلها؟
بنغلاديش والهند وباكستان تتكفل بإرسال معظم القوات لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، في حين تعتبر أن الولايات المتحدة واليابان وفرنسا أكبر الممولين. أما أكبر البلدان المساهمة بقوات في بعثة أميسوم، فهي: أوغندا وبوروندي وإثيوبيا وكينيا. فيما يأتي التمويل إلى حد كبير من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وغالبا ما يكون الانفصال بين تلك الدول التي ترسل جنودا وتلك التي تمول البعثات مصدرا للصراع. ذلك أن الدول الغنية تنفق أكثر على حفظ السلام، لكنها ترسل قوات قليلة نسبيا، وفي الوقت ذاته، فإن البلدان التي ترسل قوات أو يتأثر مواطنوها مباشرة ببعثات حفظ السلام كثيرا ما تكون كلمتها غير مسموعة فيما يتعلق بتشكيل القوات ومهامها.
– توضح الخريطة التالية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في إفريقيا:
كشفت مراجعة داخلية، أجريت في عام 2014 لممارسات قوات حفظ السلام المتعلقة بحماية المدنيين، عن بعض هذه التوترات. وجد الباحثون أن قوات حفظ السلام فشلت في حماية المدنيين في عدة مناسبات. هذه النتائج أغضبت الدول التي تمول الميزانية السنوية لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بقرابة 8 مليارات دولار، في حين طالبت البلدان المساهمة بقوات برفع بدلات جنودها الذين يخدمون في بعثات الأمم المتحدة (قرابة ألف دولار للجندي شهريا).
وقد استشهدت الهند والبرازيل بمساهمات أفرادها في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في سياق مطالبتهما ليصبحا عضوين دائمين في مجلس الأمن، فيما شكا العديد من الحكومات الأفريقية عن عدم وجود تأثير يُذكَر لرأيهم في تشكيل وتحديد مهام عمليات الأمم المتحدة في القارة. وهم إنما “يرغبون في الهروب من وصاية الأمم المتحدة في أزمات المستقبل”، على حد وصف ريتشارد غوان، خبير المؤسسات الأمنية متعددة الأطراف في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
من جانبهم، دعا زعماء أفريقيا والأمم المتحدة أن تلعب القوات الإفريقية دورًا أكبر في تحقيق السلام والاستقرار في القارة، لكن لا تزال هناك قيود تتعلق بالميزانية. ورغم أن الأمم المتحدة لديها ميزانية منتظمة لحفظ السلام، يجب على الاتحاد الافريقي أن يسعى باستمرار لدى المانحين، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لتمويل بعثاتها. حيث تأتي 2.3% فقط من ميزانية الاتحاد الأفريقي من الدول الأعضاء في الاتحاد.
حول هذه النقطة، يقول بول وليامز، من جامعة جورج واشنطن: “نقص المصادر المحلية للتمويل؛ يقوض مصداقية الاتحاد الافريقي كلاعب رائد في قضايا السلام والأمن داخل القارة، ويقلل من قدرته على إدارة مبادرات معينة”.
ما مدى فعالية عمليات حفظ السلام؟
أحرزت بعثات حفظ السلام نتائج متباينة في أفريقيا. تلك التي جرت قبل نحو عشر سنوات في غرب أفريقيا بالتعاون مع مجموعة (إكواس)- في ليبيريا وسيراليون وساحل العاج- أشيد بنجاحها على نطاق واسع، في أن حين البعثات الحالية إلى أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وجنوب السودان ودارفور لم تؤدي إلى تحسن الاستقرار. “هذه البعثات فشلت إلى حد كبير؛ لأنها نُشِرَت في ظل اشتعال الحرب، حيث لا يريد المتحاربون أنفسهم وقف القتال”، على حد قول “وليامز”، رغم إشارته إلى أن هذه البعثات تمكنت من حماية العديد من المدنيين، وتقليل بعض أسوأ تداعيات الحرب الأهلية.
لكن ثمة انتقادات لفشل قوات حفظ السلام في التدخل في اللحظات الحرجة: فقد خلُص التحقيق الداخلي الذي أجرته الأمم المتحدة عام 2014 إلى أن قوات حفظ السلام استجابت مرة واحدة فقط، في خمس حالات، تعرض فيها المدنيون للتهديد، بينما فشلت في استخدام القوة في أعنف 10 هجمات على المدنيين بين عامي 2010 و2013. وكشف تقرير أصدرته هيومن رايتس ووتش في عام 2014، أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والقوات الكونغولية فشلت في منع وقوع هجوم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ما أسفر عن مقتل ثلاثين مدنيا على الأقل. وفي حالات أخرى، اتهمت قوات حفظ السلام بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان: حيث تورطت قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي في اختفاء 11 شخصا في جمهورية أفريقيا الوسطى خلال عام 2014، كما تخضع قوات حفظ السلام الفرنسية للتحقيق بتهمة الاعتداء الجنسي هناك.
كيف تصبح عمليات حفظ السلام ناجحة؟
“لكي تكون عمليات حفظ السلام فعالة؛ فإنها بحاجة إلى أن تكون جزءا من مجموعة أوسع من أدوات واستراتيجية إدارة الصراع لحل النزاعات وتحقيق المصالحة” على حد قول “ويليامز”. ذلك أن التوسع في استخدام الأدوات الدبلوماسية، مثل: الوساطة والمفاوضات وإنفاذ السلام (يمكن أن يشمل الإجراءات العسكرية المدعومة من مجلس الأمن)، وبناء السلام، الذي يُعَرَّف بأنه: “تعزيز القدرات الوطنية” لإدارة الصراع، قد يقلل من الاعتماد على قوات حفظ السلام.
كما أن العلاقات الجيدة مع الدولة المضيفة تلعب دورا حاسمًا، إذا كانت المهمة جزءا من عملية حقيقية وتسوية سياسية فعالة. يقول ويليامز: “يجب أن لا تتوقع قوات حفظ السلام إنهاء الحروب إذا كانت هذه الأدوات الأوسع غائبة، أو كان المتحاربون أنفسهم لا يريدون السلام”.
ويتفق الخبراء على أن بعثات حفظ السلام الأنجح؛ ترتبط باستراتيجية سياسية فعالة، ولديها أهداف وتوقعات واضحة، ومدربة وممولة جيدا. “على المدى الطويل، تميل عمليات السلام إلى النجاح؛ حيثما كانت استراتيجياتها السياسية واضحة للتقريب بين الأعداء القدامى”، على حد قول “غوان”، الذي أضاف: ” حتى الانتشار العسكري الكبير، بدون استراتيجية سياسية، سوف يفقد التأثير مع مرور الوقت”.
يقول بروس جونز، من معهد بروكينجز: إن قوات حفظ السلام بحاجة إلى مزيد من حرية العمل، والمزيد من دعم الدول الغنية. مضيفًا: “ما رأيناه في التسعينيات كان النهج القائل: “ليست وظيفتنا أن نقمع هذا الطرف أو ذاك. مهمتنا هي لمراقبة السلام. وكان هذا ببساطة غير كافٍ”. ويرى جونز أن قوات حفظ السلام لتكون فعالة، فإنها تحتاج إلى إذن للقيام بعمليات هجومية وتلقي تدريب والحصول على معدات أكثر تقدما.
جدير بالذكر أن مجلس العلاقات الخارجية، من أكثر مراكز صنع القرار الأمريكية تأثيرا ونفوذا من خارج الحكومة. وقد أنشأه أكبر رجلي أعمال في التاريخ، ج ب مورجان وجون روكفلر عام 1921، كقناة اتصال وتنسيق بين قطاع الأعمال (رؤوس الأموال) والحكومة الأمريكية. ومن أعضائه البارزين مادلين أولبرايت وديك تشيني وكوندوليزا رايس وتوماس فريدمان وجيمس ولفنسون وبول ولفويتس.
“القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” مهددون في سيناء
في 4 يونيو 2012، نشر معهد واشنطن تحيليلا لـ ديفيد شينكر، زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في المعهد، استهله بالقول: “بعد مرور ثلاث عقود، وسقوط نظام مبارك، والمكاسب الانتخابية التي حصدها الإخوان المسلمون، إلى جانب الفراغ الأمني في سيناء، والسياسات الشعبوية في القاهرة؛ وُضِعت المعاهدة والقوة المتعددة الجنسيات والمراقبون تحت ضغط لم يسبق له مثيل.
واستعرض “شينكر” خلفية تاريخية لهذه القوة، التي نشأت في المقام الأول داخل أروقة الأمم المتحدة عقب اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979. فبعد أن استخدمت الصين وروسيا حق النقض “الفيتو” للاعتراض على المهمة في مجلس الأمن، اتفقت واشنطن ومصر وإسرائيل على تشكيل “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” خارج إطار الأمم المتحدة، وذلك بتحديد إدارة القوة وتمويلها بمعرفتهم الخاصة. وبموجب الملحق 1 من المادة الثانية من المعاهدة فقد أسند إلى “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” مهمة مراقبة “المنطقة ج” التي تعادل تقريبا ربع مساحة سيناء وتمتد على طول الحدود مع إسرائيل.
وتتشكل “القوة المتعددة الجنسيات” والمراقبون التابعون لها (في يونيو 2012) من 1656 فردا عسكريًا ينتمون إلى اثني عشر دولة في المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح إلى جانب 17 مسؤولًا مدنيًا في الجزء المتبقي من شبه جزيرة سيناء. وبالإضافة إلى العمليات البرية فإن “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” يقومون بدوريات استطلاع جوية فوق سيناء للتحقق من أن نشر القوات المصرية يتفق مع التزامات مصر. وتساهم الولايات المتحدة بما يقرب من 700 فردًا في “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” موزعين على “فريق عمل كتيبة المشاة” ووحدة الدعم اللوجستي (التي تقوم بتوفير الطائرات والقيام بعمليات جوية) وعلى غيرها من الأطقم العاملة. وبالنسبة للميزانية، تتولى إسرائيل ومصر وواشنطن تمويل القوة بالتساوي، حيث ساهمت كل منها بمبلغ 25 مليون دولار في عام 2011 مدعومة بمنح تقل عن ذلك بكثير من الدول الأخرى (كان قد بلغ مجموعها أقل من 4 ملايين دولار في العام الماضي). وفي عامي 2005 و2007 تم تمديد تفويض “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” لضمان مطابقة التواجد المصري المعزز على طول الحدود مع غزة مع المعاهدة.
خطر الاستنزاف
وتحت عنوان “خطر الاستنزاف” ختم شينكر تحليله بالقول: “في ضوء هذه العوامل، سوف تواجه “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” تحديات كبيرة في الأشهر والسنوات القادمة. كذلك فإن حالة عدم الاستقرار الأمني في شبه جزيرة سيناء سوف تجعل من الصعب على نحو متزايد لـهذه القوات أن تنجز أعمالها على أرض الواقع، رغم أنها جددت مركباتها في السنوات الأخيرة والكثير منها مدرع إما كلياً أو جزئياً. وبسبب تزايد مخاوف الاختطاف فقد تم إلغاء الكثير من الدوريات، كما تحدثت التقارير عن خفض عدد طلعات الاستطلاع الجوية نظراً للتخوف من قيام الإرهابيين أو غيرهم من الجهات الفاعلة باستخدام “نظم الدفاع الجوي المحمولة” وإذا استمر الموقف في التدهور فقد تخفض «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» من دورياتها بشكل أكبر، مثلما حدث مع “قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان”. وسيضعف التزام المانحين إذا بدأت أعداد الضحايا من القوات تتزايد. ومع مرور الوقت سيصعب الدفاع عن مهمة «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون»، هكذا بكل بساطة إلا إذا تحسنت الأوضاع الأمنية في سيناء – أو إذا تم تغيير قواعد الاشتباك، وهو ما يبدو مستبعدا.
يُذكَر أن “شينكر” عمل سابقًا في مكتب وزير الدفاع كمدير شؤون دول المشرق، والمساعد الأعلى في سياسة البنتاغون الخاصة بدول المشرق العربي. وكان مسؤولًا في هذا المنصب عن تقديم المشورة إلى وزير الدفاع وكبار قادة البنتاغون حول الشؤون السياسية والعسكرية لسوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية.