هل كان لا بد من أسبوع كامل لدراما عودة أحمد شفيق، للتحضير لاتخاذ القرار الأخير بإعدام ثورة يناير، بالنطق بما يسمى “حكمًا قضائيًا مدعمًا بالرأي الشرعي” بإعدام رئيس مصر، محمد مرسي وعشرات من رجال الثورة؟
الملمح الأساسي في هذا الاستعراض الهائل الذي قدمه شفيق، على مدار أسبوع، هو التأكيد على أن مرسي ليس رئيسًا شرعيًا، بادعاء أن الانتخابات مزورة والفائز شفيق.
كان الهدف الأول والأخير من استدعاء شفيق، لكي يدور على كل فضائيات عبدالفتاح السيسي، لنزع الشرعية عن نظام محمد مرسي، رئاسة ومجالس نيابية، لتطلع شمس اليوم التالي، والقاضي (نصف المتعلم) يبني قراره بتأييد إعدام الدكتور محمد مرسي، على أنه لم يكن رئيسًا لمصر، منذ الثلاثين من يونيو 2013.
وعلى هامش العرض الرئيسي، لا بأس من الإلقاء ببعض أدوات التسلية، يتلهى بها فصيل من يسارٍ كان ثوريًا، ثم أضحى انقلابيًا، ويخشون من احتمال ضعيف لخروجه من الحظيرة، مثل الحكم الابتدائي بحبس الضابط قاتل شيماء الصباغ، لتنطلق صيحات الهتاف بالقضاء الذي لم يفقد نزاهته كاملة، بعد.
لا تضيّع الثورة المضادة وقتًا، وتحدد أهدافها بدقة، وتضرب في التوقيتات السليمة، لا أتحدث عن هؤلاء الوكلاء التنفيذيين الذين اختطفوا الحكم في مصر، بل من يقف وراءهم ويديرهم بحسابات محكمة، من ذلك التنظيم الدولي الذي يأخذ على عاتقه الإجهاز على أية احتمالية لانعتاق عربي من النظم المستبدة التي تتغذّى على لحوم التبعية للمشروع الغربي، الذي يتخذ مصلحة إسرائيل معيارًا وحيدًا للحكم على الأشياء.
“الثورة- المقاومة- الاستقلال” ذلك هو الثالوث الذي تستهدفه “الثورة المضادة”، بقصفها العنيف، لذا، لا تندهش كثيرًا لو كنت قد شعرت، وأنت تستمع إلى ديباجة قرار الإعدام، أمس، بأنك تقرأ تعليقًا لكاتب يميني متطرف في “هاآرتس”، أو قائمة قرارات وتوصيات للكنيست، خصوصًا مع الفقرات التي أفاضت في الحديث عن المقاومات العربية، بوصفها رديفًا للأعداء الإرهابيين المتربصين بمصر، ولا ترى في ثورة يناير إلا مؤامرة إرهابيةً، نفذها عملاء وخونة، من المرتبطين بالأوغاد الذي يهددون أمن إسرائيل.
نعم، يتحدث قضاء السيسي سياسة، ويشتغل سياسة، ولا يخفي عداءه وكراهيته لثورة يناير، ومجمل تجليات ربيع عربي مجهض، فماذا عن المعسكر الآخر الذي يناهض مشروع الانقلابات والثورات المضادة؟
السؤال عن ماذا لدى أولئك المعارضين المحترفين الذي يتحدثون لغة سمسرة وصفقات، وليس حديث ثورة، وإن ادعوا ذلك؟
ماذا لدى هؤلاء الذين يتعاملون مع الاصطفاف الثوري، باعتباره “مقاولة”، وليس ضرورة أخلاقية وحضارية، تستحق أكثر من الاستسلام لشهوة اعتلاء المنصات وركوب الميكروفونات، والتقلب بين المجالس والكيانات، على نحو أسرع من التنقل بين الشواطئ والمنتجعات؟
ماذا لدى هؤلاء الذين يستمتعون بالفرجة على مباراة بين استبداديْن، أحدهما عميق والثاني أعمق، و”يقرمشون” كميات هائلة من السفسطة بالتحليلات والتوقعات والأمنيات، بشأن نتيجة المنافسة بين السيسي وشفيق؟
الواقع البائس يقول إن الذين يفترض الناس أنهم نخبتهم الثورية، وطلائعهم في النضال، اكتفوا بالانتقال إلى مقاعد المتفرجين، وكبائن التعليق على المباراة المثيرة، بل إن بعضهم لا يتورع عن التلميح بانحيازاته الدفينة لهذا الفريق أو ذاك، وكأنها مباراة بين “الأهلي” و”الزمالك”.
خطايانا الثورية كثيرة؛ لعل أولها ما اقترفناه جميعًا حين اعتبرنا أن الحادي عشر من فبراير 2011 هو المتمم لثورة يناير، ومارسنا ما كنا نظنه نضجًا ورشدًا ثوريين، وطلبنا من جمهور الثورة أن يغادر الملعب، وكتبنا القصائد الركيكة الفارغة في تلوين الأرصفة بألوان العلم، وكأن الثورة وضعت أوزارها واكتملت.
شخصيًا، لا أسامح نفسي على أني أجبت سؤال شباب أطباء “عيادة التحرير” بأننا انتصرنا، وعلينا الانتقال إلى مرحلة جديدة من الكفاح، خارج الميدان.
غير أن الخطيئة الأكبر، هذه الأيام، أن نذعن ونستسلم لهبوط سقف الأحلام، إلى الحد الذي تقف فيه الثورة متفرجة على نزال قطبي الثورة المضادة، ونرضى بانخفاض مستوى أمنياتها، إلى التعلق بأن يجهز أحد الوغدين على الآخر.
إنهما يتنافسان على إحراق ما تبقى من آثار للثورة، والفائز منهما سيكون أكثر شراسةً وتعطشًا لدماء “فلولها”.
نعم، للأسف، تحولنا إلى “فلول” و”حزب كنبة”، إلا هؤلاء البواسل والباسلات، ممن يزرعون الأرض مقاومة وثورة.