قال الكاتب الإسرائيلي، هداس هروش، إن شبه جزيرة سيناء، لا سيّما ساحل البحر الأحمر الجنوبي الشرقي، طوال سنوات عديدة، كانت مركز جذب للسيّاح، فمنذُ توقيع معاهدة السلام بين “إسرائيل” ومصر، وعودة شبه الجزيرة إلى السيادة المصريّة، قام المصريون بتطوير المنطقة كموقع سياحيّ مُعدّ لجمهور أوروبي وإسرائيلي، وبُنيت بها قرى استجمام عديدة وفنادق فاخرة تابعة لشبكات فنادق دولية.
وأضاف -في مقال مترجم له، نقلًا عن موقع “المصدر”- أنه بسبب أسعار المبيت المنخفضة، القُرب من “إسرائيل”، الأمن النسبي، والخدمات باللغة العبرية، اعتُبرت سيناء مقصدًا سياحيًّا مفضَّلًا للإسرائيليين، حتى قبل سنوات معدودة، في كل إجازة امتدّ طابور كبير من الإسرائيليين الذين أرادوا عبور الحدود إلى سيناء عبر معبر طابا الحدودي. وقد كانت بانتظارهم هناك سواحل طبيعية وواسعة، رمل وماء نقيّ، وطاقات مكّنتهم من الهدوء والشعور بشكل أفضل.
وأشار الكاتب إلى أن عددًا غير قليل من الإسرائيليّين رأوا في سيناء أفضلية كبيرة لتوفّر الحشيش والماريجوانا، غير الشرعيّين وغير المتوفّرَين كثيرًا في “إسرائيل”، فيما كانت وافرة، رخيصة، وبجودة عالية في سيناء، دون احتمال كبير للقبض عليهم. أدّى هذا إلى أن يُنظَر إلى كثير من المسافرين إلى سيناء على أنهم “مُخدَّرون” أو “مرميّون”، لكنّ هذا لم يمنع عائلات مع أولاد أو سيّاحًا أكبر سنًّا ومستقرين من السفر إلى هناك.
وأفاد أن مناطق الاستجمام المفضّلة للإسرائيليين كانت؛ رأس الشيطان، دهب، بير سوار، نويبع، المحاش، طابا، وغيرها؛ حيث في هذه الشواطئ ثمة فنادق فاخرة إلى جانب “خُشَش”، أكواخ من قشّ مفروشة، أحيانًا غير موصولة بالكهرباء، يمكن لكلّ شخص أن يختار الظروف التي تناسبه، وفقًا لموازنته وطبيعة الإجازة التي يحبّ.
وأضاف المقال، أنه على طول الكيلو مترات الستمائة لشواطئ البحر الأحمر في شبه الجزيرة، يقع بعض أجمل مواقع الغطس في العالم، التي تشكّل قبلة يحجّ إليها الغطّاسون من كل أرجاء المعمورة، الحدود البحرية، الممتدة على طول شبه الجزيرة، هي في وضع مُمتاز بالنسبة للحدود الموجودة شمال الحدود مع إسرائيل على طول شواطئ إيلات، سواءً بسبب قلّة الغطّاسين نسبيًّا، أو بسبب التطوير السياحي القليل نسبةً إلى كمية الشواطئ.
وتطرق الكاتب إلى روائية إسرائيلية، كانت معتادة على الذهاب إلى سيناء للاستجمام بشكل دائم، تقول: “بدأت رواية عشقي لسيناء قبل 13 سنة، كنتُ في الثامنة عشرة حين انبهرت عيناي أول مرة بالشواطئ الذهبية، البحر الفيروزي، و”الخُشَش” الملوّنة، رحّب البدو بنا ترحيبًا حارًّا، كان الطعام ممتازًا، تسلّل الهدوء الساحر سريعًا إلى داخلي، ونسيتُ هموم العالم بأسرة لحظةَ جلستُ على الأرجوحة الشبكية القريبة، وجدتُ إجازة الأحلام، في الظروف المثالية، أقرب ما يمكن إلى الطبيعة والبحر، أقلّ نفقات مالية، والمقابل- أكبر قدر ممكن من السعادة”.
وتتابع الإسرائيلية: “في تلك الأيام، كانت سيناء مكانًا عُذريًّا وآمنًا جدًّا. نبع الإحساس بالأمان عن البدو أيضًا، الذين عبّروا عن مشاعر دافئة تجاه الإسرائيليين حسب أصول الضيافة لديهم، وكذلك لأنّ الوضع بين إسرائيل ومصر كان جيّدًا نسبيًّا، لم تكن هناك تحذيرات، لم تُحّذر وزارة الخارجية من السفر إلى هناك مرارًا، وكان الوضع السياسي لدى الجيران هادئًا، كان الصخب الوحيد الآتي من الجنوب نابعًا عن دويّ الأمواج”.
عام 2004
واستدرك الكاتب، أن كل ذلك بدأ بالتغيُّر عام 2004، وبالتحديد في أكتوبر، الذي يقضي الكثير من الإسرائيليين إجازة فيه بسبب الأعياد اليهودية؛ حيث وقع عدد من التفجيرات ضمن ما يُدعى “هجمة الإرهاب على سيناء”، بدأ الهجوم بتفجير في فندق هيلتون طابا، ثم وقع في الليلة نفسِها تفجيران آخران هزّا شاطئ رأس الشيطان الهادئ، أودى التفجيران في مركزَي السياحة الشعبيَّين بحياة 34 شخصًا، بينهم 13 إسرائيليًّا، فيما أصيب 171 آخرون.
وأضافت المقالة “مباشرةً بعد التفجيرات، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تحذيرات من السفر، وطلبت من الإسرائيليين عدم السفر إلى سيناء، وأخبرت المواقع الإخبارية عن “آلاف الإسرائيليين الذين يعودون أدراجهم من سيناء”، كما امتنع سيّاح عديدون من الاقتراب إلى المنطقة، بعد شتاء هادئ نسبيًّا، ينخفض فيه النشاط وعدد السيّاح بشكل طبيعيّ، ورغم آمال القيّمين على المنشآت السياحيّة في المنطقة، لم يكن الصيف القادم “ما كان يومًا ما”.
ويتابع: “قُبَيل بدء الصيف، بدأت التقارير في “إسرائيل” تعرض سواحل بديلة “للمُحبَطين من سيناء”، وبدأ المستجمّون يبحثون عن مكان آخر للاستجمام والهدوء، لكن رغم التجارب، استمرّ كثيرون في الادّعاء أن لا بديل لشواطئ سيناء، “إذا كانت الشواطئ قريبة ورخيصة، في البلاد مثلًا، فإمّا أنها غير جميلة كفاية، أو أنها مكتظّة بالسيّاح، مثل إيلات، ناهيك عن شواطئ اليونان وتركيا، إذا كانت جميلة ومنعزلة كفايةً، مثل تايلاند، فهي بعيدة جدًّا، والوصول إليها باهظ الثمن ومُضنٍ”.
ونقل الكاتب، رواية أحد سكّان القدس الذي اعتاد على الاستجمام كلّ صيف في سيناء، يقول: “للوصول إلى سيناء، كان كلّ ما علينا فعله أن نستقلّ الحافلة بسعر بخس، أن نجتاز الحدود، فنصل مباشرة إلى الفردوس -قريب، رخيص، والأهمّ جميل وهادئ جدًّا، هذا ناهيك عن محبي الغطس، الذين وجدوا عالمًا مذهلًا تحت المياه بعيدًا بضع ساعات فقط عن البيت”.
ويؤكد هروش، أنه رغم المساعي المصرية للحفاظ على أمن السيّاح، قلّت جدًّا السياحة الإسرائيلية في سيناء، فأقفل عدد كبير من مواقع الاستجمام التي كانت تعتمد على السيّاح الإسرائيليين أبوابه، أو بدأ بالاتّكال على السياحة الأوروبية.
ولكنه عاد ليقول: “ورغم ذلك، ظلّ بعض الإسرائيليين أولياء لفردوسهم الخاصّ دونما خوف، محافظين على علاقات وديّة مع البدو هناك، في الفترة التي كانت التفجيرات الانتحارية تحدث في كل حدب وصوب في إسرائيل، كان الهروب إلى سيناء بالنسبة لبعض الإسرائيليين بمثابة “شاطئ الأمان”، بالمعنيَين، واستمرّت مجموعات صغيرة من السيّاح في السفر إلى هناك سنويًّا.
عام 2011
لكن عام 2011، تغيّر كلّ شيء مجدّدًا، هذه المرة بشكل متطرّف أكثر، بعد أن اجتازت مصر انقلابًا، تابع الكثير من الإسرائيليين بترقّب ما جرى في ميدان التحرير، استمعوا إلى الأخبار، وقرأوا التحليلات، لكن من عدم اليقين الكبير، كان ثمة استنتاج واضح جدًّا -لا يمكن السفر إلى سيناء بعد- حسبما قال “هروش”.
وأشار إلى أن الخوف والشكّ، اللذين لم تنجح التفجيرات في زرعهما في عدد من الإسرائيليين، امتدّا مع وصول تقارير عن فوضى عارمة في مصر، عدم استقرار في السلطة، مناطق كاملة خارجة عن سلطة القانون، وعناصر إرهابيّة ملأت الفراغ الناتج، أضحت سيناء أرضًا مهجورة، منطقة حدودية يخاف حتى القانون من أن يدخلَها.
وتابع: “برهن انعدام الهدوء الذي شهدته الحدود، والتفجيرات التي خرجت من منطقة سيناء وأنفاق التهريب التي استمرّ يُكشَف النقاب عنها أنّ المخاوف مبرَّرة، اكتمل في سيناء المسار الذي بدأ عام 2004؛ إذ تحوّلت إلى مكان غير آمن بشكل جليّ بالنسبة للإسرائيليين وما زالت الأوضاع الأمنية في سيناء في حالة دهور مستمر، وحتى أن الوضع يسير من سيء إلى أسوأ، خاصة بعد أن استطاع تنظيم الدولة الإسلامية الدخول إلى شبه الجزيرة عبر حركات جهادية هناك بايعته، وفي الأول من يوليو 2015، شهد شمال سيناء هجمات متزامنة من قبل تنظيم “أنصار بيت المقدس” أودت بالعشرات من قوات الجيش المصري”.
وأعرب الكاتب عن أسفه، راجيًا أن تنجح حملة التطهير التي يقوم بها السيسي في القضاء على أوكار الإرهاب، وأن يعود الاستقرار إلى مصر في أسرع وقت ممكن، حتّى يتمكن الإسرائيليون من العودة إلى الفردوس الشرق أوسطي.