كان الدكتور محمد البرادعي من أكبر الدَّاعين إلى تظاهرات 30 يونيو التي قام على أساسها الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، ليعيَّن بعد ذلك نائبا لرئيس الجمهورية، لمدة استمرت أقل من شهرين، إذ استقال مع بداية مذبحة رابعة العدوية في 14 أغسطس، ليدخل بعدها الرجل في صمت طويل استمر حتى وقتنا هذا.
ومع حلول الذكرى الثانية لمذبحة رابعة العدوية، نسترجع لحظات الاستقالة وما تلاها، وكيف كانت ردود الأفعال عليها، والتي تظهر أنه على الرغم من الدور الذي أدّاه البرادعي في الانقلاب وبعده في محاولة تجميل صورته خارجيا، فإنه لم يكن مقبولا ولا مرضيا عنه من قِبل عديد من النخب السياسية المؤيدة للانقلاب العسكري.
الاستقالة
“قدَّم الدكتور محمد البرادعي استقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية”، كان هذا هو أحد الأخبار البارزة التي أذيعت في النشرات الإخبارية ظهر يوم الأربعاء، الموافق 14 أغسطس 2013، في أثناء تغطية عملية فض الاعتصام، والتي استمرت لعدة ساعات.
وذكر البرادعي في استقالته أنه لا يمكنه تحمل قرار لا يتفق معه، في إشارة لقرار فض الاعتصامين، حيث قال: “لقد أصبح من الصعب عليَّ أن أستمر في حمل مسؤولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها، ولا أستطيع تحمّل مسؤولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله، ثم أمام ضميري ووطني، خاصة مع إيماني بأنه كان يمكن تجنّب إراقتها”، معتبرا أنه كانت توجد حلول بديلة لفض الاعتصام واستخدام العنف.
الحلول البديلة
وألمح البرادعي في الاستقالة الخاصة به، إلى أنه كانت هناك بدائل سياسية سلمية مطروحة، حيث كشف مصدر مقرب منه أنه كان هناك حل سلمي على وشك التنفيذ، وقد وافقت عليه جماعة الإخوان، ويتضمن إخلاء نصف ميدان رابعة العدوية، مقابل إطلاق سراح سعد الكتاتني وأبو العلا ماضي، القياديين بالجماعة، وبدء الجلوس على طاولة لبحث الحلول السياسية دون اللجوء إلى العنف، حسب ما قال المصدر في حينه.
وأضاف المصدر أن عدة دول عربية وأجنبية رحبت بذلك الحل، إلا أن المجلس العسكري أصرّ على قرار فض الاعتصام بالقوة وسط مباركة بعض دول الخليج.
الآراء السياسية تجاه قرار الاستقالة
تعرّض البرادعي لعديد من ردود الأفعال من جانب النخب السياسية المؤيدة للانقلاب، جراء قرار الاستقالة من منصبه والسفر خارج البلاد، فقد اعتبر البعض موقفه متخاذلا، والبعض رأى أنه أنهى مهمته وغادر البلاد، بينما أكد البعض الآخر أن ذلك القرار من ضمن حقوقه ولا لوم عليه.
واعتبرت حركة تمرد، التي جمعت توقيعات سحب الثقة من الدكتور محمد مرسي، قرار استقالة البرادعي هروبا من المسؤولية، قائلة في بيان لها أصدرته بعد الاستقالة: “كنا نتمنى أن يقوم بدوره لإيضاح الصورة للرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، وشرح أن مصر تواجه إرهابا منظما خطورته كبيرة على الأمن القومي المصري”.
ووصف ثروت الخرباوي، المحامي والكاتب المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والمؤيد للانقلاب، القرار بأنه “خيانة عظمى للوطن”، قائلا: “تقديم البرادعي استقالته في هذا التوقيت أسقط القناع عنه، وأثبت لنا جميعا أنه يعمل ضمن مخطط غربي أميركي يريد إسقاط مصر”.
كما كان للكاتب الصحفي مصطفى بكري، رأيٌ أيضا في استقالة البرادعي، موضحا أن الاستقالة أمر “متوقع”، موضحا أن البرادعي لا يهمه مصلحة الأمن القومي، وقدومه لمصر كانت لمهمة ما، وغادر فور انتهائها، وذلك خلال مداخلة تليفونية على إحدى القنوات، وأضاف: “موقف البرادعي لا يختلف عن الأعداء، فليذهبوا جميعا إلى الجحيم”.
أما جبهة الإنقاذ، الجبهة المعارضة للدكتور محمد مرسي في أثناء فترة حكمه، والتي كان البرادعي عضوا مؤسسا فعالا فيها، فكان لها رأي أقل قسوة، حيث صرح الدكتور وحيد عبد المجيد، القيادي بالجبهة، بأن قرار الاستقالة حق من حقوق البرادعي، وذلك ناتج عن وجهة نظر خاصة به.
وبعد عامٍ من جريمة فض الاعتصام، وفي لقاء صحفي للدكتور حازم الببلاوي، رئيس الوزراء السابق لحكومة الانقلاب، في حوار صحفي مع إحدى الصحف، قال الببلاوي إن قرار فض الاعتصامين بالقوة كان هو الأرجح، وأضاف معلقا على قرار استقالة البرادعي: “لقد فوجئنا من هذا القرار، لكن ما دام أن البرادعي له رأي آخر غير فض الاعتصام فمن حقه أن يتخذ قرار الانسحاب”.
وأكد الببلاوي أن البرادعي أصرّ على رأيه من البداية، إذ إنه كان يرى أن هناك حلول بديلة، وأن الدكتور البرادعي رفض قرار الفض المطروح، خشية تكرار التجربة الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي، مضيفا أنه كان يتمنى أن يبقى البرادعي في مصر وأن لا يغادرها.