يعد اختطاف أحد أجهزة الأمن المصرية -يرجح أنها المخابرات الحربية- لأربعة من وحدة كوماندوز تابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في سيناء بعد عبورهم من معبر رفح، وهم في طريقهم للعلاج في تركيا عبر مصر؛ يعد تطورًا نوعيًا في العلاقة الحميمة بين مصر وإسرائيل، وحلقة جديدة من حلقات التآمر على المقاومة.
لم يكتف الإعلام المصري باتهام حركة حماس بكل المشكلات التي تعاني منها مصر، بل تحول الجيش الآن إلى أداة بيد إسرائيل تطوعها تل أبيب كيفما شاءت لحصار المقاومة! وأمام حماس خيارات صعبة في التعامل مع هذه الأزمة!.
***
1 – خروج مصر من معادلة الصراع في 1979:
لا شك أن خروج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بزيارة السادات للقدس عام 1977، ثم توقيعه اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، دون اعتراض معلن من أي من قادة الجيش، باستثناء الفريق سعد الدين الشاذلي رحمه الله، لا شك أنه مثل نقطة التحول الأبرز في العلاقة بين القاهرة وتل أبيب.
كانت مصر بتوقيعها هذه الاتفاقية تنفض أيديها عن هذا الصراع برمته، بما يخالف معتقدات الغالبية الساحقة من المصريين، وبما يخالف دور مصر التاريخي كخزان بشري وفائض حضاري يهب بنجدة الأمة في وقت المحن.
كانت الاتفاقية تجعل الفلسطينيين يواجهون مصيرهم القاسي وحدهم، بلا دعم سياسي أو مالي أو عسكري من مصر، وكان عليهم أن يكملوا نضالهم منفردين، أو أن يعلنوا الاستسلام كما أعلنه السادات، ويلقوا السلاح ويعترفوا بإسرائيل!.
ليس هذا فحسب، فقد نجحت إسرائيل في التغلغل في المجتمع المصري ثقافيًّا وإعلاميًا وأمنيًا حتى خرجت نخب إعلامية مصرية تطالب الإسرائيليين بسحق المقاومة، وتطالب الجيش المصري بدك معسكرات حماس، كما حدث عندما طالبت عزة سامي نائب رئيس تحرير الأهرام بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بسحق حركة حماس، وكما طالب العديد من الإعلاميين الموالين للسلطة عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب بشن هجمة على قطاع غزة كما فعل في مدينة درنة الليبية!!.
***
2 – المخابرات الحربية 2013 توصي بالتعاون مع حماس:
لكن وفق وثائق ويكليكس التي نشرت في 2010، فإن إسرائيل -رغم كل تغلغلها السياسي والأمني والاقتصادي والإعلامي ورغم وجود كنز استراتيجي على رأس السلطة ثبت الأوضاع الجديدة عقب تطبيق كامب ديفيد- كانت مستاءة من أن الجيش المصري لا يزال يتدرب وكأن إسرائيل هي العدو، وأن قيادته رفضت تحويل عقيدته إلى محاربة الإرهاب!.
من ناحية أخرى؛ فوفق تقرير قديم مسرب للمخابرات الحربية المصرية نفسها، يحمل توقيع اللواء محمود حجازي -نسيب السيسي ورئيس الأركان الحالي- تعود لأواخر مايو/أيار من العام 2013، بما يسبق الانقلاب على الرئيس مرسي بأقل من شهرين، بشأن مقترحات النخابرات الحربية حول استعادة الأمن وتحقيق التنمية في سيناء، ونشرته شبكة الجزيرة، فإن الوثيقة الموقعة بخط يد اللواء حجازي لا تتضمن أي اتهام لجماعة الإخوان المسلمين أو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالإضرار بأمن سيناء.
على العكس؛ فالوثيقة الموقعة بخط يد اللواء حجازي -مدير المخابرات الحربية آنذاك- توصي بالتعاون مح حماس لضبط الحدود ويشيد بجهودها في هذا الشأن على الجانب الآخر من الحدود!.
كان الثمن الذي دفعه السيسي ليصبح رئيسًا هو تغيير عقيدة الجيش من أن إسرائيل هي العدو إلى محاربة الإرهاب، وإقامة منطقة عازلة في سيناء بتهجير الأهالي وتدمير منازلهم، وشق ترعة على حدود قطاع غزة بعد هدم الأنفاق على الحدود، إحكاما لحصار أهل القطاع والمقاومة الإسلامية فيه.
وهذا ثمن يسيل لعاب الصهاينة ويجعلهم يقبلون ويدعمون انقلاب السيسي لتحقيق هذا الهدف الغالي، حتى لو كان انقلابًا على مبارك نفسه كنز إسرائيل الاستراتيجي، فما بالك برئيس من الإخوان المسلمين رفض حتى أن يذكر اسم إسرائيل طيلة عام؟!
***
3 – مصر.. من التطبيع إلى التطويع!
حادث اختطاف أربعة من أفراد وحدة كوماندوز تابعة لحماس من قبل جهاز أمني مصري يرجح أنه المخابرات الحربية -حيث يتواجد الجيش فقط كامل المنطقة- يعد انقلابًا أمنيًا كما وصفته حماس، وانتقالاً من مرحلة خذلان المقاومة، والتعاون مع الاحتلال، إلى مرحلة تطويع الجيش المصري بالكامل لخدمة المصالح الأمنية الإسرائيلية، والانتقال من مشاهدة الفلسطينيين يذبحون، إلى “القتال على الأرض جنبا إلى جنب لصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي”! وهذا تطور نوعي غير مسبوق.
صحيح أنه في 2010 تم اعتقال شقيق المتحدث باسم حركة حماس سامي أبو زهري، وتم تعذيبه حتى الموت، لكن الموقف الآن يختلف! فالأمر لا يتعلق بفلسطينيين يريدون عبور القطاع لأسباب إنسانية أو لتلقي العلاج، ولا حتى بكوادر سياسيين لحركة حماس، بل بمقاتلين من وحدة كوماندوز تابعة للقسام، مصابين وفي طريقهم للعلاج؛ بما يجعل هؤلاء الأربعة “أسرى” في سجون السيسي، في وقت تلوح فيه صفقة لتبادل الأسرى بين حماس والاحتلال قريبا! فأي عار يلحق بمصر والمصريين وهم يعتقلون المجاهدين في سبيل الله الذين أذاقوا اليهود ذل الهزيمة ورعب المقاومة! فحتى الخيانة لها درجات، وها هو السيسي ينحدر من درجة إلى درجة!.
***
4– خيارات صعبة تواجه حماس
أمام حركة حماس خيارات صعبة حيال هذه الأزمة؛ فإما أن تصعد مع الجار القريب مصر، الذي قضت ديكتاتورية الجغرافيا بأن يكون المعبر الوحيد للفلسطينيين الذي لا تتحكم فيه إسرائيل هو معبر رفح المصري!.
وأمامها أيضًا أن تصمت على هذا التصعيد، وتخسر أربعة من كوادرها المدربين جيدًا على قتال اليهود، بما لا يضمن لهذه الحادثة أن تتكرر مجددًا!
أرى أن حماس لا بد أن تمارس تصعيدًا إعلاميًا قويًا تجاه السيسي، بالتوازي مع تحركات سياسية في محاولة للخروج من هذه الأزمة، طالما أن السيسي وإعلامه قرروا عدم الاكتفاء باتهام حماس بكل المشكلات والتفجيرات التي تمر بمصر، بل ذهبوا إلى أن يكونوا أداة تطوعها إسرائيل لمواجهة المقاومة وقتال المقاومين بدلاً منهم! إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً! ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا!.