بدأ النظام في ترويج أن مصر تواجه نقصا في المياه بشكل علني، مطالبا المواطن بالاستعداد لذلك والتلويح برفع أسعار المياه، والخروج في وسائل الإعلام للإعلان عن الكارثة التي ستقبل عليها مصر، محملا مسؤولية ذلك إلى أزمة سد النهضة الإثيوبي.
زيادة أسعار المياه
وقال عبد الفتاح السيسي: إنّه “من المهم أن يعلم المواطن حجم التحديات التي تواجهها الدولة وحجم المطالب أمامها، وضرورة أن يشرح المسؤول بالأرقام الخدمات التي تقدمها الدولة وما تتطلبه الدولة”.
وأشار السيسي، خلال جولته في مدينة السادس من أكتوبر، أمس السبت، إلى تدشين عدد من المشروعات، إلى أن “إنتاج 24 مليون متر مكعب من المياه يوميا يكلف الدولة 40 مليون جنيه، ويجب أن ننتبه لأنفسنا كمسؤولين والمصريين جميعا من أجل ترشيد الاستهلاك، ولا نقول المياه غالية أو الكهرباء غالية؛ لأن المواطن يدفع من 23 قرشا إلى 70 قرشا مقابل خدمة المياه النقية، وهو ما يمثل أقل من ربع تكلفة المياه على الدولة”.
ويرى مراقبون أن فتح ملف خدمة المياه ورغبة السيسي في تخفيض الدعم عن خدمة ارتبطت بدعم الدولة منذ بداية تعميمها، ولم يعرفها الشعب المصري إلّا مدعومة، هو مؤشر خطير على الضعف الذي أصبحت تعاني منه موارد مصر المائية، بالتزامن مع هزيمتها التي أصبحت شبه أكيدة في معركة “سد النهضة الإثيوبي”.
القابضة للمياه: هناك شح في المياه بسبب سد النهضة
وقال ممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة للمياه والصرف الصحي: “إن هناك عدة شرائح للمياه طبقًا للاستهلاك، تتمثل في الأولى من 0-10 أمتار مكعبة، وهي لم تتحرك منذ 1995 حتى الآن عن 23 قرشا، وارتفعت 7 قروش، والشرائح فيما بعد تزيد طبقًا للاستهلاك”، مشيرا إلى أن المواطنين يقعون ضمن الشريحة الأولى والثانية، لافتًا إلى ارتفاع أسعار فواتير المياه منذ يناير الماضي، وتم الإعلان عن ذلك بجميع وسائل الإعلام.
وأوضح “رسلان”، في مداخلة هاتفية مع سيد على ببرنامج “حضرة المواطن” عبر فضائية “العاصمة”، السبت، أن “هناك شحًا في المياه بسبب سد النهضة ، ولا بد أن نستعد له”، لافتًا إلى أن “هناك تكلفة تتم نتيجة تنقية المياه وتحليتها، ومعالجتها لتصبح صالحة للشرب تصل لنحو 160 قرشا للمتر المكعب، والدولة كانت تدعم المياه خلال الفترة الماضية، ومنذ 1995 حتى الآن لم يزد سعر متر المكعب من المياه عن 23 قرشًا”.
صحف النظام تحذر من كارثة
واستغاث الدكتور حسام مغازي وزير الري والدكتور عصام فايد وزير الزراعة برئاسة الجمهورية وجهات سيادية، عبر خطاب حمل عنوان “سرى للغاية”، أكدا فيه نقص المياه بشكل كبير في نهر النيل، ما تسبب في فتح خزانات المياه الإضافية عند السدود والقناطر الداخلية عند عدد من فروع النيل لتغذية الترع والمصارف الفرعية، ومنها رشيد ودمياط.
وقال مصدر مسؤول بوزارة الري، وفقًا لصحيفة البوابة نيوز، التي يرأس تحريرها عضو مجلس النواب المقرب من النظام، عبد الرحيم علي، إنه تم عقد اجتماع طارئ بين وزيري الزراعة والري اللذين اتفقا فيه على ضرورة مخاطبة الجهات السيادية لعقد اجتماع طارئ لمواجهة نقص المياه في النيل، فرغم أننا في فصل الشتاء بدأت المشكلة تظهر بشكل كبير؛ بسبب أن إثيوبيا لا تحترم أي اتفاقيات ولا تنتظر لحين الانتهاء من الدراسات الفنية من المكاتب الاستشارية لبناء سد النهضة.
وأوضح المصدر أن إثيوبيا بدأت بالفعل في حجز المياه وتخزينها في بحيرة سد النهضة بطريقة عشوائية غير مدروسة؛ ما تسبب في نقص المياه بشكل كبير عن المنسوب الذي من المفترض أن تكون عليه في فصل الشتاء، وهو ما ينذر بكارثة على المزارعين في فصل الصيف الذي يشهد استهلاك كميات كبيرة من المياه، وخروج مساحات كبيرة من الرقعة الزراعية بسبب عدم وصول المياه إلى نهاية الترع والمصارف.
وأشار المصدر إلى قلق وزيري الزراعة والري من وقوع تلك الكارثة في الصيف؛ حيث إن أنواع الزراعات في الصيف تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، مثل الأرز والذرة، وغيرهما من المحاصيل الإستراتيجية.
وأفاد مصدر مسؤول بوزارة الزراعة بأن التماسيح التي تم العثور عليها من قبل المواطنين في الإسماعيلية والمريوطية، ليست عن طريق الصدفة كما صرحت بعض المصادر في وزارة البيئة، ولكنها نتيجة لتزويد النيل بكميات كبيرة من بحيرة السد العالي.
وشدد المصدر على أن هذه المؤشرات تنذر بكارثة على الفلاحين؛ حيث إن جميع محافظات مصر تعتمد على مياه النيل ونقص المياه يؤثر بشكل كبير في محطات تحلية المياه على فروع النيل المختلفة.
وتشير الإحصاءات الرقمية، والتي أجرتها وزارة الري المصرية، إلى تأثر مصر المحتمل بسد النهضة، وإلى أن حصة مصر من المياه ستنخفض بواقع 12 مليار متر مكعب لتصل إلى حوالي 35 مليار متر مكعب، وقت ملء خزان السد المقدرة سعته بحوالي 74 مليار متر مكعب، وهذا يعني انخفاض كفاءة شبكة الري والشرب بنحو 30 في المائة، علما بأن مصر حاليا تعتبر من الدول الفقيرة مائيا؛ حيث لا تتجاوز حصة الفرد 650 مترا مكعبا سنويا من المياه، وهو ما يعادل ثلثي المعدل العالمي.
وأزمة نقص المياه المحتومة لا تتوقف عند حد ضعف مياه الشرب، فتقديرات وزارة الري تؤكّد أن كل مليار متر مكعب ستنقص من حصة مصر المائية ستعرضها لفقدان 200 ألف فدان زراعي، في الوقت الذي يحاول فيه السيسي التظاهر المضي قدما في تنفيذ مشروع طموح لزراعة مليون و500 ألف فدان.
تاثير السد لم تبدأ والقابضة للمياه تبرر فشلها
ومن جانبه قال الدكتور مغاوري شحاتة، خبير الري والموارد المائية، إن سد النهضة لم يبدأ في حجز الماء بشكل مكثف بعد، وإن السد حاليًا لا يؤثر في المياه في مصر كما يدعي رئيس الشركة القابضة للمياه.
وأضاف “مغاوري” في تصريح خاص لـ”رصد” أن مصر تعاني من شح المياه، ومن بين أسباب نقص المياه الكمية الكبيرة التي تهدرها الشركة القابضة للمياه التي تصل إلى 35% مهدرة من الشركة والصرف الصحي.
وتوقع “مغاوري” أن يكون تأثير السد في شهر سبتمبر القادم، مشيرًا إلى أنه سيكون له تأثير كبير في المياه في مصر ولكن لا يمكننا حساب تأثيره في الوقت الحالي.
وأوضح أن مسألة الحساب الكمي التي من الممكن أن يسببه السد معدل متغير طبقًا للفيضانات والأمطار وكمية الحجز التي ستقوم بها إثيوبيا، ولكن في المحصلة سد النهضة سيؤثر في المياهن ولكن تصريحات رئيس الشركة القابضة غير علمي.
تأثير السد قادم
ومن جانبه أيد أحمد فوزي دياب كبير الخبير المائي بالأمم المتحدة وأستاذ الموارد المائية بمركز بحوث الصحراء تصريحات مغاوري شحاتة مؤكدًا أن الحجز لم يبدأ بعد بسد النهضة حتي يؤثر في المياه.
وأكد فوزي في تصريح خاص لـ”رصد” أن تأثير السد قادم وعلى الدولة الاستعداد لذلك، ولكن سبب نقص المياه الحالي أن مصر تعاني من فقر مائي فعلي، وأن هناك سدة سفلية تعمل على حجز المياه ومن الممكن أن تؤثر في نوعية المياه وكمية التدفق.