توسعت وسائل الإعلام الرسمية في نشر إنجازات مزعومة لنظام الانقلاب العسكري في مصر، وتحول وضع أساس لبعض المشروعات وكأنها أصبحت حقيقة، وتحولت طموحات استيعاب تلك المشروعات بعد تنفيذها أعدادا من العمالة، إلى الزعم بتوفير مليوني فرصة عمل من تلك المشروعات، رغم أن معظمها ما زال مجرد تصورات على الورق، ولا نقول إنها ما زالت في دور الدراسة الهندسية أو الدراسة الاقتصادية أو دارسة الجدوى، فحتى تلك الأمور البديهية مع التفكير في أي مشروع، لا يتم الأخذ بها في كل الحالات.
وكان تبرير قائد الانقلاب لذلك على الملأ بأن هذه أمور معطلة للإنجاز، وتضيع الوقت حين قال إنه لم يلتزم بخطوات العرض لمشروع أنفاق قناة السويس على الشركات ثم قبول عطاءات ثم فحصها فنيا وإداريا للاختيار فيما بينها، رغم أن القانون يحتم ذلك، لكنه أثبت من خلال ما فعله طوال ثلاث سنوات أن رؤيته فوق القانون.
وظل أنصار الانقلاب يبررون تصرفاته مهما كان شذوذها، إلا أن تعطيل العمل بالدستور قد دعا بعض أنصار النظام لمراجعة أنفسهم، ثم كان اختيار أجهزة سيادية لأعضاء البرلمان بشكل فج عاملا مساعدا.
وساعد توسع الجيش بالنشاط الاقتصادي على حساب رجال الأعمال ، في تراجع حماس رجال الأعمال في تأييدهم للنظام، وإن ظلوا يشيدون به اتقاء لبطشه بعد أن شاهدوا ما تم مع بعضهم من زج بالسجون وتشهير واتهام بالاحتكار ، إلى غير ذلك من منع التعامل مع إنتاج مصانعه خلال توريد المستلزمات لمشروعات شركات الجيش.
وكان العامل الأهم لتراجع حماس أنصار الانقلاب خاصة من الطبقات الشعبية هو استمرار صعود أسعار السلع والخدمات، رغم وعد قائد الانقلاب بخفض الأسعار، مما زاد من السخط الشعبي على اعتبار أن كثيرين يقيسون مدى رضاهم عن أي نظام بمستوى أسعار السلع الأساسية.
وحتى عندما سأل أحد إعلامي النظام الجنرال عن ارتفاع أسعار الخدمات الحكومية، ومنها أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي ومياه الشرب، كان الرد بأن المستهلكين يدفعون 60% من تكلفة تلك الخدمات.
وكان حبس عشرات الشباب لمجرد تظاهرهم اعتراضا على إقرار النظام بملكية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بتهمة التظاهر، بينما تم السماح لآخرين بالتظاهر رافعين علم السعودية بميدان عام.
وكان موقف النظام مما حدث بنقابة الصحفيين، عاملا مساعدا على كشف استعانة النظام بالبلطجية والمواطنين البسطاء من المناطق العشوائية لسب المعارضين، ثم احتجاز نقيب الصحفيين وعضوين بمجلس النقابة بقسم شرطة وإحالتهم للمحاكمة، وتوجيه اتهام للرئيس السابق لجهاز المحاسبات، بترديده أرقاما مبالغا فيها عن حجم الفساد، ورغم الإطاحة بالرجل من منصبه لهذا السبب، فلقد استمر النظام في التنكيل به إلى حد إحالته للمحاكمة.
وكانت ملاحظة أحد إعلامي النظام لها دلالتها، حين ذكر أنه قبل عامين كان سيلقي كلمة في ندوة فطلب منه منظم الندوة ألا يتعرض بالنقد للحاكم، على اعتبار أنه تولى منصبه بلا برنامج أو نحو ذلك.
وذكر هذا الإعلامي أنه ذهب لنفس المكان بعد عام، فلم يجد ممانعة من الحضور في نقد مشروعات النظام، وقبل أسبوعين ذهب مرة أخرى لنفس المكان فوجد الحاضرين هم الذين ينتقدون النظام بينما ظل هو مستمعا لهم.
وقالت صحفية أخرى نقلا عن عالم اجتماع سويدي، أن الدولة الرخوة هي التي تصدر القوانين ولا تطبقها، وأن القيود يتم فرضها من أجل ثراء البعض من كسرها، وأن الضرائب نادرا ما يتم تحصيلها، وأن المناصب يلهث البعض للحصول عليها، لما تجلبه من منافع مع استئثار المحاسيب والأنصار بالتوقيعات.
وقالت صحفية إن ما ورد بالموازنة الجديدة عن اقتراض الحكومة 574 مليار جنيه، يعني قيام البنوك بتمويل الحكومة على حساب القطاع الخاص، مما يدعو للشك فيما يتردد حكوميا من معدلات للنمو أو التشغيل.
وفي ذكرى هزيمة الخامس من يونيو 1967، استطاع عدد من الصحفيين إسقاط مغزى الهزيمة على تصرفات النظام الحالية، حين ذكرت إحدى الصحفيات أن عبد الناصر لم يكن يرى إلا رأيه، ولا يسمح إلا بالتصفيق فكانت النكسة، وأن الإعلام يمثل صفارات إنذار للنظام، فإذا تجاهلها فقد يكون قد وصل حتما إلى بداية النهاية.
وقال صحفية أخرى إننا لا نعرف حتى الآن قيمة الأسلحة التي فقدناها في 5 يونيو، واستولت عليها إسرائيل وهي ما زالت بالصناديق، لتكون النتيجة الحتمية لما جرى في 1967، أن المهزومين داخل الحدود لا ينتصرون خارج الحدود، وأن الشعوب لا تفقد الذاكرة إلا في عصور الدكتاتورية.