أهم حدث بعد الربيع العربي على الساحة الدولية هو خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.
لن تقتصر مسألة الخروج على بريطانيا، بل ستشمل اتحاد بريطانيا، أي المملكة المتحدة، وتوازن القوى في أوروبا والساحة الدولية. كانت مسألة توازن القوى، ولا تزال، في أوروبا عبارة عن عملية معقدة جدا، وذات علاقة بمنع اندلاع الحرب العالمية الثالثة. ولكن يبدو أن الأمر أصبح مجرد مسألة وقت. ماهي إلا هنيهة وتندلع الحرب العالمية الثالثة. إن تناقضات أوروبا أكبر من أن تحتويها الحكمة، أو حب السلام، أو الخوف من الدمار. إنها تناقضات لا تنصت إلا لهدير الدبابات وتدمير المدن، واحتلال العواصم. كان العنصر الأساسي لحفظ السلام في أوروبا هو المصالح الإقتصادية. لكنها الآن لم تعد قائمة، ولا يمكن الوثوق في أي شيئ غير الإقتصاد لمنع اندلاع الحرب.
ومن المدهش حقا أن نسمع تصريحات وتعليقات من هنا وهناك تتحدث عن رغبة عمان في الخروج من مجلس التعاون الخليجي، عبر استفتاء يتم تنظيمه في عمان، اقتداءا ببريطانيا. هذه بالفعل من عجائب الدهر، ويجب أن تُضاف إلى العجائب السبع. وسر استغرابي هو في عزوف مسقط عن إعطاء شعبها الأبي حقه في التصويت وتقرير مصيره في مسألة من يحكمه، وتسوية مظالم القطاع الخاص الذي تسيطر عليه مجموعة لها علاقة بالسلطة، وعزوفها عن السماح لمؤسسات المجتمع المدني بالعمل بحرية، وتجاهلها لحرية التعبير والسيطرة على المؤسسات الإعلامية. ثم يأتي بعد كل هذه المظالم من يتحدث عن « استفتاء الشعب العماني » في مسألة بقاءه في مجلس التعاون.
فليكن الإنسان العماني حرا أولا. فإذا قبلتوا بالإستفتاء، فليكن في كل أموركم، في الحكم والإقتصاد وعمل المؤسسات والمجتمع المدني والصحافة. من النفاق أن يتم الحديث عن الإستفتاء في مسألة مجلس التعاون الخليجي، ثم تمتلئ السجون بالمطالبين بالحرية.
ثم إن بقاء الحكومة العمانية، ولا أقول الشعب العماني لأنه لا كلمة له في تقرير مصيره، في مجلس التعاون هو مسألة أمن قومي. وكما أن أوروبا يتهددها خطر الحروب، فإن منطقتنا يتهددها خطر الحروب ولا ضامن لاستقلال مسقط سوى عمقها العربي، والمتمثل أساسا في الرياض. ففي نجد، منتهى الأمر ومبتداه.
ولا أقول إلا: ما أوسع صبر الرياض وأكثر حلمها على عبث بعض أشقائها. وسيأتي اليوم الذي تتضح فيه المسائل، ويعرف أخي العماني أن بيتي هو بيته، وأن أمنه من أمني، وأن مصالحه هي مصالحي. سيُستفرد به، ولن يجد له نصيرا إلا أخاه في مجلس التعاون. ثم إن تطورات الأمور لا يمكن التنبؤ بها. ومهما اقتنعت مسقط بوعود الماكرين الواهية، فإنه إذا جد الجد، فلن تجد نصيرا لها غير أشقائها.
لكن، إذا أصرت الحكومة العمانية (وأكرر هنا أنني لا أعني الشعب العماني الذي لا كلمة له)، على الخروج، فلتخرج. وليتم استئناف عملية الإتحاد التي تم إيقافها بسبب معارضة مسقط. وأدعو الرياض إلى التوقف عن هذا الصبر غير المنطقي. يجب أن يكون للحلم حد، وللصبر حد. فإذا تجاهلت الحكومة العمانية، ولا أقول الشعب العماني الذي لا كلمة له، مصالحنا، فلماذا نبقي على من لا يبقي علينا. وكل جواد وصولته. فإذا اعتقدت مسقط بأن مصالحها وأمنها ومستقبلها ليس مع أسرتها، فيجب أن ندعها تجرب مصيرها خارج أسرتها. فمهما فعل الأهل لنصح أبنهم ومساعدته، لا بد من أن يجرب ويختبر عوار رأيه حتى يعرف قيمة أهله.
فماذا سيكون حال اقتصاد عمان، بلا الفضاء الإقتصادي الخليجي والأجواء المفتوحة والحدود المفتوحة؟ وماذا سيكون حال عمان بلا المظلة الأمنية الخليجية؟ يجب أن يكون لها عبرة في الأسد الذي تحول إلى تابع لطهران، وفي ساسة بغداد الذين يستلمون رواتبهم وأوامرهم من طهران. إن طهران لا تعرف إلا السيد أو التابع.
يجب أن تقتنع الأسرة الخليجية بأن وجود مسقط هو عبئ وحمل ثقيل، وبأن السير أسرع بدونها. لسنا بحاجة عسكرية أو أمنية أو اقتصادية للحكومة العمانية. ومحبتنا لأهلنا في عمان هي أكبر من سياسات حكومة لا تمثل شعبها. يربطنا بالشعب العماني الأبي علاقات النسب، فهم إما خئولة أو عمومة، والجيرة واللغة والثقافة والتاريخ. كان الشعب العماني العظيم، ولا يزال، خير سند لأمته وأهله. إذا لفيت الإنسان العماني وجدته أكرم الناس، وإن تحدث سمعته أحكم الناس، وإذا صال لقيته أشجع الناس. آن الأوان لأن يكون تواصل الأسرة الخليجية مقتصر فقط على الإنسان العماني، ولتختار الحكومة مصيرها وتواجه مستحقات شعبها.