“تسقط البقرة فتكثر سكاكينها” هذا مثل يعرفه الجميع، لكن هذا ليس “بالضبط” ما حدث مع “أردوغان”، إذ أن سكاكينه لم تنتظر سقوطه حتى تكثر وتتعالى، إنما فعلت هذا بمجرد تعثره، أما الآن وقد شاء الله أن يقف مره أخرى بأفضل مما كان عليه،فماذا عساكم تفعلون بسكاكينكم التي أسقطت عن وجوهكم اللثام؟ هل باتت خشب؟ لا ندري! لكننا نجزم بأنها حتما قطعت ألسنتكم من منتهى.
لقد فشل الانقلاب وفشل معه كل تأجيج لنزعات قومية شوفينية متشددة في المجتمع التركي، فلو سقط “أردوغان” لكانت ضربة للديمقراطية أقوى من الضربة التي قد تلحق بأردوغان وحزبه لو كنتم تعلمون! أم كنتم تعلمون هذا جيدا ولكنه الهوى الذي لا إله فيه ولا ذمة! فغياب “أردوغان” أحب الى نفوسهم وأقرب من تحقيق الديموقراطية والحرية لدى مساندو الانقلابات العسكرية المثابرون، إن هزيمة الانقلاب التركي تفرض وقفة للتساؤل والتأمل في تركيا وفي العالم العربي وفي العالم بأسره : “من هم الديمقراطيون حقا؟ ومن هم أعداء الديمقراطية؟ من هم الانقلابين حقا والداعمون له؟ ومن هم الحكام الشرعيون المنتخبون؟ “.
ان هزيمة الانقلاب انتصار للشعب وللديمقراطية في تركيا قبل أن تكون انتصارا لـ”أردوغان” الرئيس التركي ولو كره الحاقدون، إذن فالمنتصرين هم كثر، كما أن الخاسرين هم كثر أيضا، فالجبهة شعبية التركية بجميع أطيافها هي منتصرة، والكتل البرلمانية المتماسكة منتصرة أيضا، والرئيس التركي منتصر بالطبع أيضا، لكن! من هم الخاسرون أو الجزارون الذين شاؤوا أن يذبحوا كل من سبق وعلى رأسهم ” أردوغان”، إذن فأعيدوا سكاكينكم يا أعداء الديموقراطية، فلو سقط “أردوغان” لكان سقوطه تعزيزاً لتراجع الديمقراطية في العالم، ونصرا حاسما للانقلابيين الذين ظنوا أن الشعوب باتوا بلا حول لهم ولا قوة، وأن البلاد لا تحكم الا بالنار والقهر، وأنهم أسياد الموقف والزمن، فمتى شاؤوا عفوا ومتى شاؤوا عاقبوا، لو سقط “أردوغان” ونجح الانقلاب لاعتقل الانقلابيون الذين قصفوا مقر البرلمان عشرات ألوف الناس وقتلوا المئات أو الألوف، ومنعوا المظاهرات، وحظروا حزب العدالة والتنمية، وربما جميع الأحزاب، وجمّدوا الحياة السياسية في تركيا لأمد غير معلوم.
أعيدي سكاكينك يا اسرائيل، فلا زال “أردوغان” رئيسا لتركيا ولم يفلح الانقلاب، فإسرائيل خير من يعلم أنه بالرغم من أن أردوغان الذي عمل على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يبقى أكثر استقلالية وأوسع قاعدة من أن يتم “تسييره وتوجيهه” بإملاءات “أمريكية إسرائيلية” من أي حاكم عسكري غير منتخب، وسيظل شوكة في الحلق من الصعب والصعب جدا أن يمر بسلاسة وسهولة كما تحب قلوبكم وترغب.
أعيدي سكاكينك “روسيا البوتينية”، فجميعنا نعلم كم كان مبهجاً جداً لك لو تم المراد ونجح الانقلاب، ولكان لسقوط “أردوغان” سيناريوهات المتسلط الامبريالي الجاثم على صدر شعبه، ولأعتبر بوتن نفسه منتصراً في معركة خاضها بكل عنجهية وتشبيح أكثر من انتصاره بتأسف “أردوغان” له على إسقاط الطائرة الحربية في المناطق الحدودية السورية التركية قبل شهور.
أعيدوا سكاكينكم يا “نظام الأسد”، فقد ضاعت رصاصات الفرح والابتهاج التي اطلقتموها في الهواء مذ سمعتم بالانقلاب سدا وضياعا، ولا نجزم أنه ربما كان “الأسد” يهيأ نفسه لتهنئة قادة الانقلاب وشكرهم لإعادة مسار الديمقراطي في تركيا إلى مساره الصحيح، فلو نجح الانقلاب وتحققت أمانيكم لتجمد أي نشاط سياسي وثقافي سوري في تركيا، ولربما طرد المعارضون السوريون من تركيا مثلما استبشرت قناة “الميادين” (قالت إن الجيش التركي أمهل المعارضين 48 ساعة لمغادرة تركيا)، ولربما جرى تسليم سوريين للنظام، ولكان الانقلاب قفزة في تطبيع بشار الأسد، تُقوّي قلب القوى الغربية وهي تجدد انتدابها على سوريا وترفع عنها أي حرج.
أعيدوا سكاكينكم أيها “السيساوية والإعلام المصري”، فقد فشل الانقلاب على أيدي الشعب التركي الذي التف حول رئيسه ولم يفشل بالمدفع والدبابة، وهذا وحده نصراً عظيما ل ” أردوغان” الذي تكرهون وتبغضون، فلا زال رئيسا بحب شعبه له الذي واجه الدبابات في الشوارع، وبوعي الأحزاب التركية التي حيدت خلافاتها وأجمعت على رفض الانقلاب ، وظل حاكما شرعيا منتخب لبلاده، لتظل الانقلابات العسكرية محصورة بغيره، وتفشل محاولات إضفاء الشرعية على حاكم مصر العسكري الذي سيظهر وقتئذ رائداً سابقا لزمنه في الانقلاب على حكم الإسلاميين الإرهابي.
أعيدوا سكاكينكم أيها “اليمين الغربي”، الذي استمات منذ عامين أو أكثر في تشنيع يومي ضد “أردوغان” على نحو يفوق كل تبشيع وتشنيع، حتى كان عندهم أسوأ حظا من “نتنياهو”، ولصار الموضوعيون في الغرب يقبلون بثلاثة أرباع هذا التشنيع الممتلئ بالخرافات كي يستطيعوا التشكك في ربعه، ما يضعهم عمليا في موقع التابعين لأجندة صناع “الموضوعية” من صحف ومركز أبحاث نخبوية.