“اكتشاف مغارة علي بابا تحت سرير مسؤول المشتريات بمجلس الدولة”!
“الرقابة الإدارية تلقي القبض على مستشار وزير الصحة متلبسًا بتقاضي رشوة”.
“الرقابة الإدارية تلقي القبض على موظف بالجمارك لتقاضيه رشوة ١٠٠ ألف جنيه”.
هكذا توالت الأخبار خلال الأسابيع الماضية عن هيئة الرقابة الإدارية بشكل لافت؛ حيث بات النشاط المكثف لهيئة الرقابة الإدارية بمصر مادة يتناولها الإعلام، وحتى السياسيون، بشكل متكرر، في إطار عملية ترويج للهيئة وتلميع لها، ويعمل نجل عبد الفتاح السيسي قياديًا بها.
فخلال الشهور الماضية، لا يكاد يمر أسبوع إلا ويُعلن فيه “إنجاز” للهيئة التي يعمل بها مصطفى نجل السيسي يتمثل في كشف قضايا فساد في مؤسسات الدولة، والمثير أن ذلك يتم بالتزامن مع حملة انتقادات تطال أجهزة رقابية أخرى.
وفي تقرير نشرته مؤخرًا صحيفة الأهرام الحكومية قالت فيه: إن “الرقابة الإدارية تستحق التقدير بعد تطور أدائها في التصدي للفساد رغم ارتفاع مكانة المتهمين”، كما اعتبرت صحيفة الوفد (الحزبية) أن الهيئة “حققت إنجازات متتالية في ضبط الفاسدين”، في حين وصفت صحيفة “اليوم السابع” المقربة من السلطة الرقابة الإدارية بـ “الحامي الأول لأموال الشعب”.
فماذا وراء تسليط الضوء الإعلامي على هيئة الرقابة الإدارية بهذا القدر من الكثافة؟ وهل هو أمر متعمد أم نتيجة طبيعية لمجهودات الهيئة؟
خارج السيطرة
في هذا الإطار، يرى الناشط السياسي أحمد غنيم أن الفساد في مصر خارج نطاق السيطرة، وأن النظام يعلم ذلك جيدًا. ويؤكد: لو أراد السيسي محاربة الفساد بشكل فعلي سينهار نظامه في الحال؛ حيث يرى غنيم أن الإعلان عن قضايا لا تمثل 1% على المستوى العملي من الفساد الحقيقي لا يعني محاربة الفساد، خاصة أن هذه القضايا يحصل أبطالها على البراءة أو يتم نسيانها بمجرد هدوء زوبعتها الإعلامية.
وقال في تصريحات خاصة لـ “رصد” إن النظام يسعى بالفعل إلى تلميع الهيئة، ولكن ليس بهدف تلميع شخص ابن السيسي؛ بل بهدف إيصال رسالة للجميع بأن النظام يحارب الفساد لتهدأ ردود الأفعال سياسيًا واجتماعيًا حيال سلسلة الفشل المشهودة في إدارة البلاد.
الواقع يُكَذِّب!
وعطفًا على ذلك، يرى البرلماني السابق وعضو الهيئة التحضيرية للجمعية الوطنية حاتم عزام أن واقع الفساد في مصر يتنافى مع ما يُروج له في إطار تلميع الهيئة وإنجازاتها.
وقال عزام في تصريحات صحافية له: “الحقيقة أن الفساد في مصر يزداد حسب مؤشرات المنظمات الدولية المعنية، كمنظمة الشفافية الدولية التي أظهرت في تقريرها الأخير تراجع مصر من المركز 88 إلى المركز 108 من أصل 179 دولة، وعزا التقرير هذا التراجع إلى أسباب أهمها غياب الإرادة السياسية”.
واعتبر عزام أن “هذه الضجة المثارة حول الهيئة ونشاطها مفتعلة وليس لها أي أساس”، وهي في رأيه “مؤشر لانعدام ثقة السيسي فيمن حوله”، ذاهبًا إلى أن “كل الدوافع المرصودة من قبل مراقبين لهذه الحملة واردة من عصابة تختطف المؤسسات المصرية كما هي مختطفة للشعب المصري رهينة تحت تهديد السلاح”.
أعداء الدولة!
وعلى جانب آخر، يرى رئيس تحرير صحيفة “المشهد”، مجدي شندي، أن “الهيئة ومعها الجهاز المركزي للمحاسبات يستحقان المدح والتقدير؛ لكشف الأخير مبالغ بالمليارات اختفت من ميزانية عام 2015م، وتلاحق ضربات الرقابة الإدارية ضد الفساد”.
وأضاف شندي في تصريحات تلفزيونية: “غالب الظن أن تهم الفساد التي تُعلنها الهيئة حقيقية وليست مصطنعة”، متهمًا من يروج لكونها غير حقيقية بأنهم “أعداء الدولة الذين ينتقدون كل شيء ويقلبون الحق باطلًا، ومنهم من لا يود أن يرى مكافحة حقيقية للفساد كونها قد تطاله يومًا”!
ورأى أن “اعتبار هذه الإنجازات تمهيدًا لدور سياسي لنجل السيسي ادعاء غير حقيقي؛ إذ يدرك الرئيس أن التفكير في ذلك سيؤدي إلى الإطاحة به كما حدث مع مبارك”، مشيرًا إلى أن “استهداف معظم القضايا المعلنة لمسؤولين حاليين لم يكونوا مناوئين للنظام دليلٌ على مصداقيتها”.
أسلوب اللقطة
وبدوره، يعتقد رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية، ممدوح المنير، أن “حملة التلميع لنجل السيسي والهيئة التي يعمل بها تستهدف إعداده لمستويات أقل من مقعد الرئاسة؛ ربما تأتي في إطار رغبات الابن التي لا يريد والده أن يحزنه برفضها”.
وذهب المنير إلى أن “السيسي لا يُتَصور أن يخاطر بتقديم نجله بديلًا له؛ لعلمه أن المصريين ثاروا على مبارك لذات السبب ودعَمَهم الجيش الذي كان لا يريد جمال مبارك وريثًا للحكم”، مضيفًا أن “السيسي لديه الأمل في أن يحكم المصريين ما بقي له من عمر”.
وتابع: “السيسي في رأيي هو أسّ الفساد ومنبعه، وما يحدث هو ألاعيب سلطة رخوة منتشية بقوتها، وهذه الضربات المعلنة جزء من هذا الإطار الذي يحقق تلميعًا يحبه الولد، كما يهدف إلى تلميع النظام ذاته الذي فقد الكثير؛ من خلال اعتماد (أسلوب اللقطة) الذي يقود به السيسي المصريين منذ انقلابه العسكري”.