اتسمت سنوات قيادة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للبيت الأبيض بالعزلة والتدخلات المحدودة، وأرسلت إدارته جماعات صغيرة من نخبة قواته إلى سوريا وليبيا بغرض جمع المعلومات والاستشارة فقط.
وتسبب عدم وجود استراتيجية عالمية لوقف فوضى الشرق الأوسط في خلق فراغ سمح بدخول روسيا وإيران، وتمكنت موسكو من إعادة وضع نفسها في مكانة الاتحاد السوفيتي نفسها في مصر وسوريا، بالإضافة إلى تقوية مكانتها في ليبيا.
وأدى نقص التخطيط الأميركي إلى تبني الصين تكتيكات عدوانية في بحر الصين الجنوبي وسمح لروسيا بضم جزيرة القرم وتقسيم أوكرانيا. ويدور التساؤل الآن حول رغبة إدارة ترامب في الشروع في سياسة التدخل النشط، خاصة في الشرق الأوسط، للتخلص من التهديدات وتحقيق قدر من الاستقرار.
وتملك أميركا تاريخًا طويلًا من التردد، إما بين عزل نفسها أو وجود سياسة خارجية عنيفة، وعلى الرغم من أن تدخلها كان حاسمًا في الحرب العالمية الأولى والثانية، وكذلك في الحرب الباردة؛ فإن طريقة أوباما في إدارة السياسة الخارجية كانت مختلفة؛ حيث رفض التدخلات النشطة، وكان ثمن ذلك خسارة أميركا قوتها للردع.
ومرّت منطقة الشرق الأوسط بواحدة من أكثر الفترات عنفًا؛ حيث أدى ظهور الجماعات المتطرفة ومحاولة إيران تصدير ثورتها الشيعية إلى عدم استقرار، وتزايدت هذه الوتيرة في أعقاب ثورات الربيع العربي، وانقلبت هذه الثورات لتأتي بنتائج عكسية؛ مما تسبب في إضعاف الدول التي كانت تمثل قوة المنطقة، وكانت أميركا غائبة بشكل غريب أثناء ظهور الجماعات الإسلامية وقلة الاستقرار واستخدام الأسلحة الكيميائية، مثلما حدث في سوريا.
ورفض أوباما مساعدة الحركة الخضراء التي نزلت للشوارع في إيران في 2009 للاحتجاج على التزوير في الانتخابات. ولم يفعل شيئًا أثناء اكتساب السلطة سيطرتها على الدولة من خلال القمع الوحشي الذي أدى إلى هزيمة الشعب الإيراني في النهاية وقتل أي آمال للتغيير. وعلى الرغم من انشغال إيران بتعزيز ثورتها الشيعية وتهديد الأنظمة السنية، بدأ أوباما في صفقة نووية مع طهران؛ مما أدى إلى خلق تهديد بتكوين الدولة لأسلحة نووية بعد انتهاء فترة الاتفاقية المبرمة.
وشجع أوباما أوروبا على التخلص من معمر القذافي على وعد بتقديم الدعم والأسلحة من أجل الغارات، ثم ترك أوروبا للتعامل مع الوضع المخزي الذي أدى إلى حرب أهلية ووجود روسي قد يهدد جنوب أوروبا.
وفي سوريا، امتنع أوباما عن دعم الثورة السورية في 2011؛ على الرغم من أن هذا الدعم كان يمكنه أن يساعد في التخلص من الأسد قبل قدوم المتطرفين. ولكنه لم يفعل ذلك، وأعطى فرصة للأسد للإفلات واستخدام أسلحة كيميائية.
وأدى الانسحاب المبكر للقوات الأميركية من العراق إلى ظهور داعش وتثبيت نفسه في الوقت الذي تراجعت فيه القوات العراقية. وقرر أوباما استخدام الخيار الأسهل الذي لا يتضمن وضع قوات على الأرض من خلال تكوين تحالف تشارك فيه دول عربية وغربية. وكان واضحًا منذ البداية ضرورة قتال داعش قبل أن تزداد قوة، والآن لتدميرها يدفع المدنيون الثمن بدمائهم.
ولا تزال إدارة ترامب تحاول تحديد أهدافها؛ فعلى أحد الجوانب لا تستطيع إهمال الوضع في الشرق الأوسط، وعلى الجانب الآخر يجب عليها التركيز على المشاكل الداخلية للدولة.
وخلال حملته، وعد ترامب بتدمير داعش وقال إنه كان ينوي مواجهة إيران ومحاولة التفاهم مع روسيا بشأن وجودها في الشرق الأوسط؛ وهو ما لا يعد هدفًا سهلًا؛ بسبب وجود موسكو القوي. ولذا؛ يمكن أن تتم هذه الاتفاقية عن طريق تقليل العقوبات المفروضة على روسيا أو إنهائها. ولكن، لا يمكن بدء مفاوضات جادة الآن؛ بسبب تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن وجود روابط بين مستشاري ترامب وبوتين.
وما يجب على ترامب فعله الآن العمل الجاد لبناء الثقة مع الحلفاء السابقين وإقناعهم أن أميركا لديها تصميم على تعزيز مصالحها ومصالحهم، ويجب عليه إعادة إحياء التحالفات القديمة مع الدول السنية مثل مصر والسعودية والإمارات للوقوف ضد إيران.