جاءت مبادرة حزب البناء والتنمية بخصوص ما يجري في سيناء لتفتح ملف المبادرات والمحاولات والدعوات لوقف ما يجري هناك ووضع حد له ورغم الاحتفاء بالمبادرة إعلاميا إلا أن هناك تساؤلات كثيرة بشأنها سواء من حيث قبولها من السلطة أو الجماعات المسلحة وأهل سيناء ومدى تفاعل القوى السياسية معها هذا ما سنحاول تناوله خلال هذا التقرير.
بنود المبادرة
ومؤخرا طرح حزب “البناء والتنمية”، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية مبادرة سياسية لوقف العنف في سيناء تقوم على “توقيف المسلحين عملياتهم ضد الجيش والشرطة”، و”وقف الحكومة المداهمات والملاحقات الأمنية بشبه الجزيرة”.
وفي بيان مطول، قال “الحزب إنه “يتقدم بهذه المبادرة من أجل إنقاذ سيناء في ذكرى تحريرها ويطرحها على كل أبناء مصر؛ لإنهاء هذه الأزمة التي سببت شرخًا عميقًا في البنيان الوطني”.
وعن تصور الحزب، لتنفيذ المبادرة طرح 4 مراحل، هي: أولاً “إعلان المجموعات المسلحة بسيناء وقف العمليات اعتبارًا من الـ25 من أبريل الجاري، وقيام الحكومة المصرية بوقف المداهمات والملاحقات اعتبارًا من التاريخ ذاته”.
وثانيًا: تتبنى المبادرة “الدعوة والإعداد إلى مؤتمر وطني جامع يضم القبائل السيناوية والأطراف المؤثرة كافة للدخول في حوار مفتوح، وإيقاف الحملات الإعلامية التي تؤجج الفتنة أو تشكك في وطنية أهل سيناء ومحاسبة من يتجاوز بهذا الشأن”.
و ثالثًا: شدد الحزب في مبادرته على ضرورة “رفع حالة الطوارئ وتخفيف الإجراءات الأمنية المشددة مع تماسك حالة وقف العمليات المسلحة”.
وتشمل المبادرة رابعًا: “إعادة المهجرين من أهل سيناء – مسلمين ومسيحيين – إلى ديارهم”
ودعا الحزب بخلاف ذلك إلى “تشكيل مجلس أعلى لتفكيك الأزمة والمعالجة الوطنية من شخصيات وطنية رسمية وغير رسمية على أن يشكل أهل سيناء المكون الأساس فيه وإتمام عملية المصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي من خلال إصدار عفو شامل (عن أبناء سيناء المحتجزين لدى السلطات)”.
وناشد الحزب الأزهر الشريف بـ”قيادة تحرك وطني جامع يتبنى هذه المبادرة أو يعدلها أو يستبدل بها ما يراه حلاً مناسبًا للخروج من هذه الأزمة التي تعصف بالبلاد”.
المبادرة بين الرفض والقبول
ويقول خالد الشريف، المتحدث الاعلامي باسم حزب البناء والتنمية، تعليقا علي المبادرة وتوقيت طرحها: “هذه المبادرة التي أطلقناها من أجل إنقاذ بقعة غالية من تراب الوطن وهي سيناء المروية بدماء وعرق جنود وأبناء مصر التي تعيش مأساة حقيقة لا تخفى على أحد فدافعنا الأول هو وقف نزيف الدماء المصرية الغالية وإنقاذ الوطن والحفاظ على الدولة المصرية ومؤسساتها خاصة وإن عدوا مجاورا لسيناء يتربص بنا. فضلا منع أي تدخلات أجنبية في سيناء تستبيح سيادتنا الوطنيةكل ذلك دفعنا إلى إطلاق المبادرة”.
وأضاف “الشريف”، في تصريحات خاصة لـ”رصد”: “نحن حريصون أن يشاركنا فيها كل أبناء الوطن الشرفاء والقوى الوطنية الحرة كما حرصنا منذ البداية أن يتولى الأزهر الشريف رعايتها باعتباره مرجعية إسلامية مقبولة عند معظم بل جميع الأطراف”.
وأكد “الشريف” على تلقي ردود ايجابيةقائلا: “الحمد لله تلقينا رسائل إيجابية من مؤسسة الأزهر وفضيلة الإمام خلال الساعات الماضية ونحن نثق تماما أن الأزهر وجميع الشرفاء والمؤسسات الوطنية لن تتأخر من أجل إنقاذ سيناء”.
وتابع: “أهالي وقبائل سيناء ينتظرون أي مبادرة لإنقاذ سيناء ونحن وضعنا مراحل عدة لنجاح المبادرة.. أولها وقف التدهور وتهيئة الأجواء وهذا يتطلب وقف العمليات المسلحة بين جميع الأطراف”.
واختتم “الشريف تصريحاته بالقول: “وهذا ليس مستحيلا إذا خلصت النوايا.. فجميع الأطراف مصريون ولدوا وتربوا على أرض مصر، فقطعا الكل حريص على مصر ويجب بعد ذلك أن نجلس على مائدة الحوار كما لابد من تخفيف حدة الاحتقان بإطلاق سراح المعتقلين غير المتورطين في العمل المسلح، ولدينا أمل كبير في نجاح المبادرة ليس لإنقاذ السلطة الحالية ولكن لإنقاذ الوطن ولن نيأس في محاولاتنا السياسية لإنهاء الأزمة التي يعاني منها الوطن”.
من جانبه، انتقد هشام النجار الباحث فى شئون حركات التيار الإسلام المبادرة، واصفًا إياها بـ”المبادرة الخاطئة فى الوقت الخاطئ”.
وقال “النجار” في تصريحات صحفية “إن “الجماعة الإسلامية تسعى للعودة للمشهد السياسى، وتكون فاعلة على الساحة السياسية، ومن ضمن المشاهد والشواهد التى تؤكد ذلك، إعلان حزب البناء والتنمية المنبثق من الجماعة، إجراء الانتخابات الخاصة به، بالإضافة لذلك المبادرة التى أعلنتها الجماعة فى الوقت الحالى بخصوص سيناء”.
واعتبر “النجار” مبادرة الجماعة الإسلامية متسرعة، مضيفًا: “الوضع فى سيناء يحتاج إلى دراسات وتحليلات ورؤية عميقة، نظرًا لأن ما يحدث فى سيناء بين الدولة والجماعات المسلحة حرب شرسة”.
وأشار “النجار” إلى أن مثل هذه المبادرات من الممكن أن تعطي للجماعات المسلحة فرصة لترتيب أوراقها واستعادة قواها، مؤكدا أن الجماعات الإرهابية فى سيناء مدعومة من قبل قوى إقليمية.
ورأى العميد محمود قطري، الخبير الأمني، أن تفاقم الأزمات فى سيناء خلال الآونة الأخير وخاصة فى الشمال، أدت إلى تشويه وإحراج النظام أمام الرأى العام المحلى والعالمي، مؤكدًا أن هناك 5 حلول للخروج من أزمة سيناء الأخيرة، التى أدت إلى تدهور أحوال المواطنين السيناويين اجتماعيًا وسياسياً وماديًا.
وأوضح “قطري”، في تصريحات صحفية: “الحلول الـ5 تكمن فى تغيير إستراتيجية الحرب على الإرهاب، والتى ظهرت نتائجها بالسلب على المجتمع والدولة، بجانب إسناد مهمة محاربة الإرهاب إلى الشرطة ليتفرغ الجيش لتأمين الحدود التى تعتبر من أهم الأولويات خلال هذه المرحلة، بالإضافة لتطبيق الدولة 3 أنظمة تقوم على تغيير الأوضاع الاجتماعية والإنسانية والأمنية والصحية للسيناويين والشرطة والجيش المتواجدين لتأمينهم”.
وطالب الخبير الأمني، النظام بوضع خطة للخروج من الأزمة التى بدأت تتفاقم خلال هذه الفترة، موضحًا أنه إذا استمر الوضع بهذا السوء سيؤدى إلى كارثة تفجر فى وجه النظام
محاولات الرئيس مرسي
وحاولت الحكومة في عهد الرئيس محمد مرسي وضع بعض الحلول لأزمة سيناء من خلال وضع خطة للتنمية تتضمن توفير 9500 فرصة عمل بسيناء، وصدر قرار من الرئيس مرسي بإنشاء جهاز لتنمية سيناء، ومنحه من الصلاحيات ما يعينه على أداء المهام المنوطة به، واعتمدت الحكومة لائحته التنفيذية لينطلق في عمله”.
وبدأت الحكومة في تنفيذ منطقة صناعية على مساحة أربعمئة ألف فدان، إضافة إلى توفير مساحة أربعمئة ألف فدان أخرى ضمن خطة الرئيس لاستصلاح مليون فدان، وقررت الحكومة تمليك مئتي ألف فدان منها للشباب السيناوي، ومئتي ألف لشركات الاستثمار الزراعي.
وشرعت الحكومة في وضع مخطط عام للتنمية السياحية في منطقة الطور ورأس محمد على مساحة قدرها 150 مليون متر مربع، وبدأت الحكومة في تنشيط دراسة إنشاء الجسر الرابط بين مصر والمملكة العربية السعودية، ودراسة إنشاء مطار مدينة رأس سدر بنظام “بي أو تي” (B.OT) لتشجيع الاستثمار، وإقامة ثلاث مناطق حرة في سيناء، إضافة إلى منطقة صناعية تضم مصانع للجبس والرمل الزجاجي والتعدين.
وقامت الحكومة بتذليل العقبات التي كانت تعترض أحد المشروعات في منطقة بير العبد، وهو مشروع الشركة المصرية للأملاح والمعادن (أميسال) برأسمال قدره 1800 مليون جنيه (مليار وثمانمئة مليون جنيه) لإنتاج بيكربونات الصوديوم بطاقة خمسمئة ألف طن سنويا، تلك الصناعة المهمة التي تخدم حوالي مئة صناعة أخرى، أهمها صناعات الزجاج، والمنظفات الصناعية، والصناعات الغذائية، ويوفر المشروع 13 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة لأبناء سيناء.
كان المشروع قد وقع اتفاق إنشائه قبل فوز الرئيس مرسي بشهر واحد، لكنه كان مجرد حبر على ورق، فجاءت حكومة قنديل لتخصص له الأرض وتدفع العمل به لإدراكها أهميته، حيث يفترض أن يغني مصر عن استيراد هذه المادة المهمة للصناعة، (تستورد مصر سنويا ثلاثمئة ألف طن، والإنتاج الحالي للمصانع المصرية القائمة هو تسعون ألف طن، في حين أن الإنتاج المتوقع للمصنع هو خمسمئة ألف طن) إضافة إلى تشجيعه على قيام صناعات أخرى مستفيدة من إنتاجه.
وكان من المقرر أن يبدأ المشروع عمله في 2015 ليؤدي إلى تحول مصر من مستورد لهذا المنتج إلى مصدر، لكن تعطل العمل في هذا المشروع وعشرات المشاريع الأخرى التي بدأت في عهد الرئيس مرسي بعد عزله في 3 يوليو 2013.
بدايات العنف
استهلت عمال العنف في سيناء في يوم السابع من أكتوبر عام 2004 بسلسلة من التفجيرات المتزامنة، شملت تنفيذ هجوم بسيارة ملغومة استهدف فندق “هيلتون طابا” الذي يقع علي بعد مئتي متر فقط من بوابة العبور بين إسرائيل ومصر أوقع أكثر من 30 قتيلاً وعشرات المصابين من الإسرائيليين والمصريين وجنسيات أخرى، في ذات التوقيت وبذات الطريقة تم استهداف منتجعين سياحيين، بمدينة نويبع على بعد ستين كيلو متر في اتجاه الجنوب بسيارتين مفخختين، ما أدى إلى مقتل إسرائيليين اثنين ومصري. عقب التفجيرات أعلنت ثلاث جماعات غير معروفة، على شبكة الإنترنت، مسؤوليتها، كما أعلنت جماعة تطلق على نفسها كتائب “شهداء عبد الله عزام” مسؤوليتها عن الهجوم. تمكنت أجهزة الأمن من ضبط عدد من المشاركين في تخطيط وتنفيذ التفجيرات، وتوالى البحث عن عدد آخر منهم.
وشنت أجهزة الأمن المصرية حملة مداهمات واسعة شملت العديد من المدن والقرى في نطاق سيناء، بحثا عن المتهمين الهاربين، أسفرت عن اعتقال ما يزيد على ألفي شخص، بحسب جمعيات حقوقية قالت إنها تلقت بلاغات من أسر المعتقلين، ووصف حقوقيون ـ آنذاك ـ تلك الاعتقالات بالعشوائية، وحملوا أجهزة الأمن المصرية مسؤولية زيادة حدة الاحتقان بين الحكومة المركزية وغالبية أهالي سيناء الذين كانوا يعانون من نقص الخدمات الأساسية والمشروعات التنموية ويشعرون بالتجاهل منذ عودة سيناء إلى السيادة المصرية. وبينما كانت أجهزة الأمن المصرية توالي ملاحقاتها وراء المطلوبين على خلفية اتهامات بالتورط في تنفيذ تفجيرات طابا، وقعت سلسلة التفجيرات المتزامنة الثانية في سيناء في قلب مدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء.
ووقعت سلسة التفجيرات في مدينة شرم الشيخ مساء ليلة الثالث والعشرين من يوليو عام 2005، وأسفرت عن وقوع ما يقرب من مئة قتيل وحوالي مئتي مصاب في أكبر حصيلة من الضحايا تشهدها مصر جراء حوادث الإرهاب، وتشابه أسلوب تنفيذ الانفجارات مع الأسلوب الذى تم إتباعه في تنفيذ تفجيرات طابا. عقب الحادث أعلن ما يعرف بـ ” تنظيم القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة- كتائب الشهيد عبد الله عزام” أعلن مسئوليته عن التفجيرات وهو وواحد من مجموعة من التنظيمات التي سبق وأعلنت المسؤولية عن تنفيذ تفجيرات طابا.
وبذات السيناريو شهدت مدينة دهب بجنوب سيناء 25 إبريل 2006 سلسلة من التفجيرات المتزامنة، أسفرت عن مصرع وإصابة العشرات من السياح الأجانب والمصريين، ليتأكد وجود تنظيم تكفيري على أرض سيناء، يرتبط بتنظيم القاعدة فكرياً، لأول مرة منذ سنوات طويلة منذ بداية الصراع بين الحكومات المصرية المتعاقبة وبين التنظيمات الدينية المتشددة، التنظيم أطلق على نفسه “التوحيد والجهاد “، هذه الحقيقة تكشفت بعد فترة طويلة من تأكيد أجهزة الأمن المصرية على عدم وجود ارتباط بين منفذي حوادث تفجيرات سيناء وبين تنظيم القاعدة.
وظهرت في سيناء بعد أحداث 3 يوليو جماعة أنصار بيت المقدس التي قامت في 10 نوفمبر عام 2014 بتغيير اسمها إلى “ولاية سيناء”، وذلك بعد وقت قصير من كلمة زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي التي أعلن فيها قبول بيعة الجماعات التي بايعته في عدة دول قبل عدة أيام. فما إن فرغ البغدادي من حديث دعا فيه التنظيمات التي أعلنت مبايعته إلى الانضمام لتنظيم داعش حتى تحول اسم حساب منسوب إلى جماعة “أنصار بيت المقدس” بمصر على موقع التدوينات القصيرة “تويتر” إلى اسم ولاية سيناء وعليه علم أسود كتب عليه لا إله إالا الله.