ترجمة: صفاء مسعود
الاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية والصراع الذي يزداد حدة ضد إيران تدفع دول الخليج العربية لمحاولة تبني حلول مختلفة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وقد طرحت خلال الأشهر الأخيرة مبادرة سعودية بتحويل مجلس التعاون الخليجي الذي يضم بالإضافة إلى السعودية كل من الكويت والبحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان إلى وحدة سياسية وأمنية.
محاولة عرض جبهة موحدة وتحصين الدول الست ضد التهديدات الخطيرة.
الملك عبد الله ملك السعودية دعا في ديسمبر 2011 الدول الست إلى الانتقال من التعاون إلى الاتحاد في إطار كيان واحد.
قمة التشاور للزعماء التي التأمت في الرياض في منتصف شهر مايو 2012 كان من المفترض أن تعلن عن هذا الاتحاد. حتى ولو كان ذلك اتحاد جزئي لكن على الرغم من التوقعات بأن يشار في ختام مؤتمر القمة إلى الاتحاد فإن هذا الأمر قد أرجئ في هذه الأثناء بدعوى منح الوقت الإضافي للدول الأعضاء لدراسة المشروع المعروض وحل المشاكل المتنازع عليها.
بيان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بأنه يأمل أن تتحد الدول الست خلال اللقاء القادم يدل على تصميم من المملكة السعودية على تحقيق نظام إقليمي جديد.
وطبقا للتقارير فإن الأمر يتعلق كما يبدو بتطوير المؤسسات القائمة لمجلس التعاون الخليجي إلى جانب إقامة مؤسسات جديدة مع الحفاظ على سيادة الدول الأعضاء.
حقيقة أن هذه الخطوة لم تحظ بالزخم في هذه الأثناء تدل على عمق الخلافات في الرأي لدى الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
على سبيل المثال مبادرة أخرى أعلن عنها في مايو 2011 بضم كل من الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي واجهت هي الأخرى مصاعب على ضوء المخاوف لدى بعض الدول الأعضاء من أن ذلك قد يضر بمكانة مجلس التعاون وكذلك إلقاء أعباء اقتصادية مرتبطة بهذا الأمر.
مجلس التعاون الخليجي أقيم في عام 1981 كنتيجة لخطوات سبقت هذا الإعلان والهدف من تشكيله كما أعلنت الدول في الميثاق التأسيسي هو وضع الأسس للوحدة الشاملة، دول الخليج كانت تحتاج إلى هزة تدفعها لتجاهل الشكوك المتبادلة بينها والتغلب على الخلافات بينها.
الثورة الإسلامية في إيران والحرب الإيرانية العراقية وفرت المحرك والدافع الضروري والمحفز إلى تكتل هذه الدول الست لكن مجلس التعاون الخليجي لم يكن فقط نتيجة للتطورات الإستراتيجية السلبية في تلك الفترة وإنما تجسيد لمصالح مشتركة وللطابع الملكي للأنظمة وولائها الديني كمسلمين سنة والأصل العربي المشترك، كل هذا في مواجهة إيران الشيعية الثورية وغير العربية.
بيد أنه باستثناء بعض المنجزات المعينة في المجال الاقتصادي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بقيت منقسمة على نفسها في كل مشكلة تقريبا تطرح على جدول الأعمال وهكذا أضيفت أيضا خلافات بالنسبة لهدف وسياسة مجلس التعاون الخليجي الذي أثبت نفسه في أغلب الأحيان كهيئة قادرة على احتواء النزاعات بين أعضائها، الأخوة والتضامن العلني بين زعماء المجلس يشكل ستارا رقيقا لمصالح متنافسة ورؤيا مختلفة للبيئة الإستراتيجية، فبعد 31 سنة من وجوده هذا المجلس يسهم إسهاما سلبيا في الأمن الإقليمي.
تصريحات زعماء المجلس التي تواكب كل مؤتمر للقمة والتي تشيد بالتحديات المشتركة وعلاقات الثقة والجوار الجيدة تتناقض مع انعدام القدرة لدول مجلس التعاون الخليجي في بلورة إجماع ولو حول القضايا الأساسية للأمن القومي، هناك في الخلف يكمن عدم الثقة الأساسي والعداء التاريخي والتنافس بين القبائل وكذلك النزاعات الحدودية.
لماذا طفت فكرة الاتحاد مرة أخرى في هذه الأثناء؟
التعاون السياسي والأمني المتزايد راح يفسر أكثر فأكثر بأنه مجرد ضرورة لحظية وعلى الأخص في مواجهة التهديد الإيراني، الآن يمكن أن نلاحظ مواءمة معينة في الإستراتيجية من بعض دول المجلس في مواجهة إيران وتبني موقف علني إستراتيجي الذي ينفخ الحياة في هذا الحلف المتهاوي.
ليس هذا عبثا نظرا لأن دول مجلس التعاون الخليجي تميل في الغالب نحو كبح ردودها العلنية فيما يتعلق بإيران وتجد صعوبة في إظهار سياسة موحدة حول هذا الموضوع.
وعلى الرغم من أن هناك القليل جدا مما يعرف عن طابع الاتحاد المقترح فقد أشير إلى أن البحرين ستكون الدولة الأولى التي ستنضم إليه.
ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة هو الوحيد أيضا الذي تعاطى إيجابيا وعلنا مع المبادرة السعودية عندما ذكر أنه يتوقع إقامة اتحاد دول الخليج.
من ناحية أخرى فإن وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي انتقد بشدة المبادرة السعودية عندما سئل عن التقدم المحرز في إنجاز هذه المبادرة، وأضاف أن الاتحاد موجود فقط في رأس الصحفيين.
وهذا يمثل رسالة موجهة إلى السعوديين بأن عمان ليست على استعداد لأن تتحول إلى صنيع لها في المستقبل وبأن إيران لا تشكل في نظرها تهديدا.
وعلى الجانب الآخر وزير الخارجية السعودي أعرب عن تفاؤله فيما يتعلق بفرص الوحدة، وأوضح أنه تقرر عدم اتخاذ أية خطوات الآن لإقامة علاقات خاصة بين البحرين والسعودية نظرا لأن الهدف هو ضم جميع دول مجلس التعاون الخليجي وليس دولة واحدة أو دولتين.
المقالات الافتتاحية في الصحف السعودية والعربية امتدحت وبإجماع ضرورة توحيد دول الخليج، وقد بالغ في ذلك طارق الحميد محرر الشرق الأوسط التي تملكها السعودية الذي أشار إلى أن الوحدة هي ضرورة وليست كماليات وهذا بسبب التهديدات المشتركة التي تواجهها دول الخليج من قبل إيران.
إيران من جانبها ردت بشدة على المبادرة، رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني صرح بأنه إذا ما انضمت البحرين إلى وحدة مع دولة أخرى فإن هذه الدولة هي إيران وليست السعودية.
فبالإضافة إلى المحاولات الإيرانية للإيقاع بين دول الخليج فإن مصاعب السعودية في بلورة سياسية خارجية ودفاعية موحدة ناجمة عن عدم وجود توازن بينها وبين بقية الدول.
بعض الدول تخشى من تحقيق المبادرة السعودية وبأن يؤدي ذلك عمليا إلى تعزيز قوتها بالنسبة لهم، الرياض تطالب بذلك من أجل فرض نظام أجندتها السياسية والاقتصادية على هذه الدول.
مثال على ذلك قدم عندما انسحبت كل من عمان والإمارات من فكرة العملة الموحدة وهذا خوفا من زيادة السيطرة السعودية كما عكس ذلك في نيتها في أن تكون الرياض مقرا للبنك المركزي لدول الخليج.
الفاعلية السعودية النسبية بدأت قبل أحداث الربيع العربي لكنها وصلت الذروة في أعقاب تلك الأحداث التي صعدت من التوتر الديني بين جانبي الخليج.
الاعتبارات المتعلقة بتوازن القوى الكلاسيكية والخصومات الطائفية تنطوي عليها جميع النشاطات السعودية التي تستهدف كبح إيران وبلورة جبهة سنية ضدها.
المبادرة السعودية جاءت على خلفية زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى في أبريل 2012 وهي إحدى ثلاث جزر في الخليج تتنازع عليها كل من دولة الإمارات وإيران، وهذه هي أول زيارة من نوعها يقوم بها رئيس إيراني للجزيرة.
هذه الزيارة دفعت السعودية إلى تصعيد لهجتها وتحذير إيران مرة أخرى من أية محاولة للمساس بسيادة دول الخليج وأن أي مساس بسيادة هذه الدول مثلها مثل المساس بالسعودية نفسها.
المحاولة السعودية لتوحيد الأنظمة الملكية بسبب الخوف من غليان شعبي ضدها مثل إيجاد بديل للجامعة العربية التي وهن مركزها وبلورة هيئة سنية موحدة لتكون بيضة القبان في مواجهة إيران لم تنجح حتى الآن.
وعلى الرغم من أن السعودية تتاخم عددا من بؤر التوتر الخطيرة في الشرق الأوسط فقد فضلت حتى الآن تحييد المخاطر التي تهدد أمنها القومي من خلال الإحجام عن استخدام الوسائل العسكرية العلنية ومحاولة التهرب من القيام بأدوار قيادية.
الدبلوماسية والتمويل والأموال هما الأدوات المفضلة بيد أنه منذ بداية أحداث الربيع العربي فإن النخبة السعودية تدرك أنها قد تجد نفسها بعد عدة سنوات في بيئة سياسية مختلفة.
ومن خلال رؤيتها بأنه لا تكفي الوسائل التقليدية التي يمكن بواسطتها مواجهة البيئة الإستراتيجية، وأن عليها أن لا تنطلق من النسبية السلبية من أجل تحييد مخاطر تتهدد أمنها القومي بل إذا ما استدعت الحاجة محاولة قيادة المنطقة العربية.
عدم قدرة دول مجلس التعاون الخليجي التخلي عن عدة مظاهر السيادة وتبني خط سياسي أمني واحد ساهم في صعوبة التقدم نحو تحقيق هذا الهدف على الرغم من التهديدات التي واجهها مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه، وعلى الرغم من تطابق وتشابه البنى الاقتصادية والسياسية والثقافية بين هذه الدول.
والنتيجة هي أنه منذ إقامة عام 1981 تضاءلت التوقعات والآمال من هذا المجلس من الأمل بوحدة فيدرالية أو على الأقل إلى التعاون الفعال وهكذا تحول المجلس بحسب المنتقدين ليس بأكثر من مسرح لتمثيل الوحدة العربية.
ومع ذلك فإن هذه الكتلة من الدول عرفت كيف توائم نفسها مع التغييرات الإقليمية والمواقف المختلفة لأعضائها هذا من خلال التقدم البطيء لتحقيق أهدافها.
يمكن الادعاء بأن عملية اتخاذ القرارات وهي عملية بطيئة ومرنة والتي سمحت لبعض الدول الأعضاء بالعمل أحيانا خارج الإجماع الخليجي أسهمت في مد عمر هذا المجلس وبالطبع مع مقارنة مع محاولات أخرى للتعاون في المنطقة العربية.
مؤسسات هذا المجلس تواصل العمل بشكل اعتيادي وتحركها مشاريع اقتصادية مشتركة هذا من خلال الرفع التدريجي للحواجز التجارية بين الدول الأعضاء.
هناك تنسيق في مسائل سياسية واقتصادية مثل التعاون في مجالات السيطرة على الحدود والحرب ضد الإرهاب وتعزيز القدرة العسكرية المشتركة لكنها تبقى محدودة، وإذا ما نظرنا إلى نصف الكأس المملوء فإن مجلس التعاون الخليجي يشكل الآن النموذج الأنجح للتعاون العربي.
تاريخ الدول أثبت أنه كلما تزايدت التهديدات كان من الأسهل وضع الخلافات والنزاعات وراءهم، لكن ليست الدول الست جميعها مقتنعة بوجود مبادرة مطروحة للتداول تسهم في أمنها.
* الدراسة من إعداد يؤال جوزنسكي وهو باحث بمركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وافريقيا