في مشهد من أبشع المشاهد في التاريخ المصري، وعلى يد رجال تجردوا من كل معانى الكرامة والوطنية، من رئيس زائف اغتصب الرئاسة على ظهور دبابات لم تطلق طلقة واحده على العدو، وأطلقت العشرات على المواطنين العزل، إلى مجلس قل فيه الرجال، وكثر فيه النكرات الذين باعوا الوطن بثمن بخس.
في هذا المشهد الذي يقطر خزيا ومهانه صدَّق ما يدعى بمجلس النواب المصري على وثيقة التنازل عن أرض مصرية للغير. وبما أن هذا قد يبدو نشازا في تاريخ الأمم فإنه ليس غريبا في مصر العسكر، أو بمعنى أدق في مصر التي سرقها العسكر من شعبها بهدف تمزيقها وتسليمها للعدو قطعة قطعة.
إن ما حدث في مجلس النواب ليس الا امتداد لما يفعله العسكر منذ الخمسينات، أو على الأدق منذ ان جمع مايلز في الشرق الأوسط من بين ضباط الجيش ثله من النكرات CIA كوبلاند وكيرميت روزفلت، مندوبي المخابرات الأمريكية
لا يحملون علما ولا خبرة، ولا دراية لهم بحكم أو إدارة وكوَّنوا منهم مسخا سُمى بالضباط الأحرار ومهدوا لهم السطو على السلطة.
في 1952. كانت مصر وقتها تقع على مساحة 3.467.813 كيلومتر مربع أي ثلاثة أضعاف ونصف ما تبقى لنا الآن، أي أن مساحة مصر حين سطى عليها العسكر كانت ثلث مساحة الولايات المتحدة الأمريكية، كانت حدودنا تمتد إلى أعماق إفريقيا لتصل إلى كينيا وأوغندا والكونغو.
في خلال عامين فقط اختزل العسكر مساحة مصر إلى اقل من الثلث (1.002.000)، بعد هذه الجريمة النكراء واصل العسكر تدمير ما بقي من الوطن عن طريق تقويض المؤسسات الرئيسية والبنيه التحتية للدولة، فبعد أن كانت جامعاتنا مراكز لتكوين أرقى الطبقات من العلماء من أمثال علي مصطفى مشرفة و محمود أحمد عمر عبد الآخر وعالمة الذرة المصرية سميرة موسى، الشهيرة بلقب “ميس كوري الشرق”، وعمالقة المفكرين والفلاسفة من أمثال طه حسين و يوسف كرم وعبد الرحمن بدوى، أصبحت جامعاتنا مبان خاويه من أي علم أو فن وتحولت مستشفياتنا الى معابر ما بين المرض والموت، وزاحم احيائنا الأموات في المقابر.
وخلال 60 عاما انحدر بنا العسكر إلى حضيض المجتمع الدولي حتى أصبحنا ألعوبة تلهو بها أشباه الدول، فأخذوا منا الغاز والماء، وسرطنوا لنا الغذاء والدواء.
بينما قادة جيشنا تترهل كروشهم، وتزيد الأرصدة في بنوكهم، ملوثة بدم الشعب الذي اغتصبوا مقدراته. وهاهم الآن، بدون خجل أو تردد وبدون وازع من وطنيه أو ضمير، يبيعون أرض الوطن للعدو الرابض على الحدود. ففي حلقة أخرى من حلقات سلسلة الخيانة التي بدأت عام 1952 يقرر العسكر التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
من وجهة النظر القانونية ارتكب العسكر مخالفة بالغة بحق الدستور المصري الذى يحرم بصوره لا تقبل الجدل إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة، تنص المادة 151 من الدستور
“يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة” وبالتالي ما ابرمه الرئيس المغتصب باطلا قانونا، ولا يصلح الا ليكون أساسا لمحاكمته بتهمة مخالفة أحكام الدستور والخيانة العظمى.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن والذي لا مفر من الأجابة عليه هو وماذا بعد؟ لقد اغتصبوا وقتلوا وسحلوا، لقد كمموا الأفواه ودمروا المؤسسات و كبلوا الحريات. لقد سجنوا العلماء وأعدموا المفكرين وأغلقوا مراكز العلم والتنوير. فماذا بعد؟
هل ننتظر أن يفيق العسكر بعد غيبة 63 عاما، أتو فيها على الأخضر واليابس وان تصحوا ضمائرهم ليروا ما فعلوا بمصر وشعبها؟
هل ننتظر أن يفيق العسكر بعد غيبة 63 عاما، بعد أن باعوا مصر في كامب ديفيد بثمن بخس ووقعوا معاهدة تمس سيادة الوطن وتهدد أمنه وسلامته؟
هل ننتظر أن يفيق العسكر بعد غيبة 63 عاما، وقد باعوا جيش مصر للعدو بغير وازع من خلق أو ضمير وأصبح سلاحهم وسيلة فتك بمصر والمصريين؟
يبقى السؤال ملتهبا في أعماقنا، متوهجا في أرواحنا، يلح علينا بالأجابه لا يبرح ولا يغيب، وماذا بعد؟
ماذا بعد أن أعلن العسكر حربا لا هوادة فيها على الإسلام واصطفوا مع من نادى بأن الاسلام إرهابا، والمساجد أوكارا وأن “الله أكبر” هي نداء المتطرفين؟
ماذا بعد أن جعل العسكر أرضنا مباحة لأعداء الوطن، وعرضنا متاحا لمن دفع الثمن، وفكرنا مرتعا للفساد والفتن؟
ماذا بعد وماذا ننتظر؟ هل ننتظر صحوة ممن ماتت روحه واظلم قلبه وباع نفسه للشيطان؟ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين (22 الزمر)
ماذا بعد وماذا ننتظر؟ هل ننتظر جني يخرج من أي قمقم ليفك كرب اسرانا ويواسينا في أمواتنا، ويصلح ما فسد من حياتنا؟
ونسترد كرامتنا ونعود الى سطح الحياة مرة أخرى؟ يجيبنا قرآننا الكريم بعظمة بساطته ماذا بعد وماذا ننتظر لنتغير وببساطة عظمته “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم”
بكل هذه العظمة وبكل هذه البساطة وصف لنا القرآن الداء وأعطانا الدواء. الداء فينا فقد تركنا خلفنا ديننا وقرآننا وتركنا معهم كل ما أعطانا الله من وسائل النجاح وأسباب النهوض.
الداء فينا استقر في نفوسنا وعشش في قلوبنا حين أشركنا مع الله آلهة أخر، حين عبدنا طواغيت الأرض لنتقي شرهم فأذاقونا كل شرهم.
الداء فينا ملأنا جبنا وخوارا حين ولينا علينا أسوأ الناس، وسرنا خلفهم نملأ الأرض رياء ونفاق.
الداء فينا والدواء أمامنا ” حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم” الدواء أن ننزع من قلوبنا الزيف والمداهنة، وأن ننظف أرواحنا من الزور والبهتان وأن نعود إلى كتاب أنزله الله بالحق ليهدينا سواء السبيل.
الداء فينا والدواء أمامنا أن نخلع الجبن والخوف من أنفسنا، وأن لا نقبل الدنية في ديننا او دنيانا، وأن نسترد زمام أمورنا
الداء فينا والدواء أمامنا أن ندرك ان الحياة بدون كرامة هي موت مؤجل، وثوب مهلهل لا يقي من برد ولا يستر عرض.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27 – الأنفال)