في السابع عشر من أغسطس، دوّن وزير الخارجية الإماراتي «أنور قرقاش» ملاحظة باللغة العربية عن المواجهة بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر، التي أوشكت على دخول شهرها الرابع، وقال إنّ «أزمة قطر هي عش الدبابير».
وأضاف أنّ «أسلحتها هي الأموال والروح الضعيفة، ومن الضروري إعادة تقييم الأسعار المرتفعة للمرتزقة والضمائر والأقلام التي تعتبر مكلفة في الخليج والمنطقة». فهل استطاعت دول الخليج بالفعل استخدام العلاقات العامة وحروب الإعلام في تحقيق هدفها؟ وهل استحق الأمر ملايين الدولارات التي أُنفقت؟
تقول صحيفة «الهافنجتون بوست »، بحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ تعليق «قرقاش» يشير إلى الاستثمار الهائل لجميع الأطراف في كسب الرأي العام؛ سواء داخل الشرق الأوسط أو بين حلفاء دول الخليج الغربيين.
وأظهر تقريرٌ تحقيقيٌّ صادرٌ عن صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2014 أنّ مراكز التفكير الأميركية تتلقى ملايين الدولارات سنويًا من حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، من بينها مؤسسة «بروكينغز» التي تلقت 14.8 مليون دولار من قطر على مدى أربع سنوات، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي تلقى مليون دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة لبناء مقر جديد، و32 مليون دولار في شكل منح من الأسرة المالكة في البحرين إلى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن.
كما تلقت شركات اللوبي والعلاقات العامة في الولايات المتحدة وبريطانيا ملايين أخرى، وفي البلدين أيضًا تلقى مسؤولون حكوميون كبار أموالًا بهدف الحصول على دعمهم.
وفي الوقت نفسه، حصلت وسائل الإعلام في البلدان العربية والصحفيون والمحررون والمثقفون على هدايا نقدية من خزائن الخليج مقابل تأييد هذه السياسات، ويؤثّر خط أنابيب المال الخليجي على العلاقات العربية؛ إذ تعكس المساعدات وتدفقات الاستثمار من الدول العربية الغنية بالنفط إلى الدول الفقيرة الانقسام في دول مجلس التعاون الخليجي. فالمغرب، الذي يعاني من أزمة مالية، على سبيل المثال، على الرغم من أنه مستفيد من المساعدات من كل طرف خليجي في النزاع، يعتمد بشكل غير متناسب على المال القطري؛ وبناء على ذلك، تبنى الملك «محمد السادس» موقفًا حياديًا من الأزمة؛ ما أدى إلى غضب حلفاء المغرب الآخرين في الخليج.
ولقياس تأثير الإنفاق الخليجي على الرأي العام الأميركي، سلّطت «الهاف بوست» الضوء على الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «يوجوف» في لندن بتكليف من صحيفة «أراب نيوز» السعودية، الذي أجرته بين 2663 من البالغين في الفترة بين 19 و21 يوليو، وقالت الصحيفة إن الاستطلاع أشار إلى أن دول الخليج كانت أكثر فعالية في الإساءة إلى سمعة بعضها بعضًا بدلًا من تحسين العلامات التجارية الخاصة بها.
فالاستطلاع، الذي شُكّك في مصداقيته قبلًا، قال إنّ قطر هي أكبر خاسر؛ فمعظم المجيبين أطلقوا عليها اسم «غير ودية» و«عدو» للولايات المتحدة. وردًا على سؤال بشأن قناة «الجزيرة»، ادّعى معظمهم تدني معاييرها الصحفية، وركّزت على شيطنة أميركا، وكانت بمثابة الناطقة باسم أسامة بن لادن.
لكنّ النتائج بشأن دول الخليج الأخرى ومصر لم تكن هزيلة إلى درجة كبرى؛ إذ كانت الإمارات حليفة للولايات المتحدة بنسبة 62%، وهي من الدول الأكثر تفاؤلًا. وبخلاف ذلك، لم تحصل أي دولة خليجية بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، على لقب «ودية» من أكثر من 39%.
قالت الصحيفة إنّ نتائج الدراسة الاستقصائية أضافت بدورها فارقًا بسيطًا إلى تغريدة قرقاش عن «سعر» هذه الأزمة السياسية؛ إذ أشارت النتائج إلى أنّ قادة المنطقة الذين يملكون النفط لا يهتمون بإنفاق عشرات الملايين من الدولارات بقدر اهتمامهم بالخسائر الكبرى في التقدير العالمي؛ وهو ما جعل الأمر أشبه بالطعن المتبادل بين أطراف الأزمة.
وقالت الصحيفة إنّ هناك طريقة أقل سخرية لعرض نتائج الاقتراع؛ فالأميركيون الذين يهتمون بالسياسة الخارجية، بعكس فئة «لا أعرف»، يضعون قليلًا من الأسهم في حملات العلاقات العامة ولا ينجرفون وراءها. وبدلًا من ذلك، يتابعون الأخبار ويوازنون وجهات النظر المتعارضة ويصدرون أحكامًا مستقلة. أما بالنسبة إلى مراكز التفكير والشخصيات العامة التي تستمد منها المعلومات، فقد يكون معظمها يتصرف بنزاهة بعد كل شيء؛ وذلك لأن الأموال الأجنبية في واشنطن لا تخلق أصواتًا متناغمة بقدر ما تجد طريقها إلى الأصوات التي هي بالفعل متواطئة.
وإذا كانت هذه القراءة لكيفية تشكيل الأميركيين وجهات نظرهم صحيحة، فإنها تقدّم درسين إلى دول مجلس التعاون الخليجي ككل، ودرسًا آخر خاصًا إلى دولة قطر.
أولا: إذا خفّض جميع أطراف النزاع إنفاقهم الثقيل على المؤثرين الأميركيين فالنتيجة لن تتغير كثيرًا، إن وُجِدت أصلًا. فكل الغسيل لا يعمل فقط، لسبب بسيط هو أنّ عددًا قليلًا نسبيًا من الغربيين الذين يهتمون بهذه القضية ليسوا عرضة لذلك.
ثانيًا: إذا رغبت قطر في التغلب على منافسيها في محكمة الرأي العام الغربي فيمكن أن تفعل ذلك بسهولة أكبر بكثير عن طريق تغيير سياساتها.