أثار كتاب "مجتمع الاستخبارات الإسرائيلية" الصادر في شهر يونيو 2011 لكل من المؤلف أهارون فركش ودوف تماري جدلاً حاداً في أروقة الأجهزة الأمنية والإستخبارية الإسرائيلية وذلك نظراً لـ"جرأة" المؤلفين غير المسبوقة، لاسيما وأنهما قادمين من قلب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث منحا الكتاب أفضلية غير عادية نظراً لإطلالتهما الوافرة على أوجه الخلل والإخفاق التي تنتاب تلك المؤساسات الأمنية والإستخبارتية.
نقل مركز الزيتونة للدراسات ترجمة الدكتور "عدنان أبوعامر" للكتاب الإسرائيلى "مجتمع الاستخبارات الإسرائيلية".والذى يناقش بشكل ملموس مدى حاجة كيان صغير كـ"إسرائيل" لهذا العدد من الأجهزة الأمنية، على غرار جهاز الأمن الخارجي (الموساد)، وجهاز الأمن العام (الشاباك)، وجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، ويشرح "الإخفاقات" الأخيرة لإسرائيل في عدم قدرتها على التنبؤ بواقع القوى المعادية لها من جهة، ومن جهة أخرى الفشل في القدرة على توقع عدد الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، التي حدثت خلال السنوات والأشهر الأخيرة، حيث كان لها أثر كبير على حاضر الدولة ومستقبلها، وصياغة تحالفاتها مع عدد من الأطراف والجهات داخلياً وخارجياً.
كما أنه يلقي الضوء على أبرز الإشكاليات الملموسة في عمل تلك الأجهزة، سواء ما يتعلق منها بـ: مدى الحاجة لها، وحجم التنسيق بينها، وكيفية صناعة القرار فيها، ومدى تأثير العامل السياسي في عملها، وتنبؤاتها المستقبلية بالنسبة لفرص السلام والحرب في المنطقة، إثر التغيرات الإلكترونية العالمية وعمل تلك الأجهزة، لاسيما إنكشاف جزء من سرية عملها في العقود الماضية.
وفي الوقت ذاته، عكف مؤلفا الكتاب أهارون فركش ودوف تماري على إمتداح الدور الكبير والحاسم الذي تقوم به الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية في الحروب، التي شنُّتها إسرائيل للقضاء على أعدائها في الداخل والخارج، حيث شددوا أنه لولا المعلومات الاستخبارية التي توفِّرها هذه الأجهزة؛ لما استطاع أن يحاربهم، كونها مكلفة بوقاية الأمن داخل إسرائيل وخارجها، ومنع أي تحرك معادٍ لها، وكشف الأنشطة التجسسية، ولعب دور بارز في تصفيات واعتقالات وأعمال تنكيل لإخضاع الفلسطينيين، وإجهاض انتفاضاتهم.
وأشار الكتابين أن تلك الأجهزة تقوم بجمع معلومات حول إسرائيليين مرشحين لمناصب ووظائف حساسة، ويعمل فيها آلاف من الوكلاء السريين الموزعين في أنحاء الدولة، ومعظم أعمالها سرية، وتتم مساءلة القيمين عليها من قبل لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في حالات دقيقة وحرجة.
كما يكشف الكتاب سلسلة طويلة من الإخفاقات والعمليات الفاشلة، التي هزّت صورتها، وتسببت مراراً بحرج بالغ لإسرائيل، وألحقت ضرراً بعلاقاتها على المستوى الدولي، ومن أبرزها: الاغتيال الخاطئ سنة 1973 لنادل مغربي، حيث أُعتقد أنه المسؤول الفلسطيني البارز "أبو حسن سلامة"، وإقحام إسرائيل في المستنقع اللبناني سنة 1982 بتقديم معلومات خاطئة وأحكام مضللة عن الوضع هناك، واعتقال السلطات الأمريكية للعميل الإسرائيلي جوناثان بولارد سنة 1985، وفشل محاولة اغتيال قائد حماس في الأردن خالد مشعل سنة 1997، وفضائح تزوير جوازات سفر أوروبية لاستخدامها في عمليات اغتيال ضد شخصيات فلسطينية في لبنان وسورية سنة 2004، والكشف عن تفاصيل اغتيال قائد حماس
العسكري في دبي سنة 2010 محمود المبحوح.
ويرى المؤلفان أن قائمة الإخفاقات التي أصابت قوة الردع الإسرائيلي في مقتل، تسببت بظاهرة أطلقا عليها "الانحلال" الذي شهدته تصورات القوة العسكرية، وكيفية إستخدامها.
إحباط الإنتفاضة
يوضح المؤلفان أن" تلك الأجهزة الأمنية الإستخبارية، تورطت – وما تزال – بالدور الحاسم في الحرب ضد الإنتفاضة الفلسطينية وقوى المقاومة المختلفة، فهي التي تتولى – عن طريق شبكة العملاء التي تحتفظ بها – تزويد المستوى السياسي بالمعلومات التي تساعده على اتخاذ القرارات الحاسمة؛ فضلاً عن أن جميع العمليات التي يقوم بها الجيش تعتمد بشكل أساسي على المعلومات التي تجمعها الأجهزة عبر عملائها، لا سيَّما عمليات التصفية والإغتيال التي استهدفت قادة وكوادر القوى المعادية لإسرائيل.
ويلقي الكتاب الضوء بصورة مستفيضة على الطبيعة التنظيمية لتلك الأجهزة، وهيئاتها القيادية العليا التي تضم رؤساء الأقسام وقادة الدوائر والوحدات الكبيرة، وهم عادة من ذوي الإلمام العالي والخبرة والتجربة الشخصية في مجال العمل الاستخباري والتجسسي الميداني، وتعادل رتب أعضائها الرتب العسكرية لأعضاء هيئة الأركان العامة للجيش: جنرال، وميجر جنرال، وعميد.
أكثر من ذلك، يدخل الكتاب إلى إخفاقات قال المؤلفان أنها "لا ترى بالعين المجردة " تتعلق بالفشل في وضع تقديرات موقف لأحداث محلية وإقليمية ودولية، ومنها: مفاجأة سقوط سور برلين، وانهيار النظام السوفييتي، وتعرض إسرائيل لصواريخ عراقية سنة 1991، وحركة القوات السورية في هضبة الجولان سنة 1996، وأحداث النفق في المسجد الأقصى 1996، والعمل العسكري المتوقع لحزب الله عقب الانسحاب من جنوب لبنان سنة 2000، وحرب لبنان الثانية سنة 2006، وفوز حماس في الانتخابات التشريعية وسيطرتها على قطاع غزة سنة 2007، وجميع هذه الإخفاقات وغيرها انعكست سلباً على واقع "إسرائيل" كدولة، وعلى علاقاتها الخارجية وسياساتها مع دول العالم.
ووجه المؤلفان سهام انتقاداتهما إلى جملة من هذه الأجهزة التي "أوقعت" الجيش في عدد من العمليات الحربية الفاشلة، ليس بسبب القصور في الناحية اللوجستية "تبادل المعلومات العسكرية " وإنما بصورة أساسية لأسباب إستخبارية تكمن في عدم فهم الواقع المعادي، سواء داخل فلسطين أو لبنان، وبات من الواضح أن المعطيات الميدانية الأمنية تشير إلى أن الجيش لم يُجهِّز نفسه لكل السيناريوهات، ويبدو أن إحدى المشاكل في تلك المواجهات العسكرية هو مستوى التوقعات العالية من الجيش، بفضل التقارير الأمنية المغلوطة!.
تطوير جيش الإحتلال
على صعيد الجيش، يتناول الكتاب بالتفصيل، ما تبذله إسرائيل خلال السنوات الأخيرة من مساعي حثيثة لإعادة تأهيل بنيتها العسكرية وهيكلتها، وتعزيز ترسانتها التسليحية وتحديثها، ومراجعة عقيدتها الإستراتيجية العسكرية، مستعرضاً عدداً من توصيات ورش العمل والأيام الدراسية التي عقدتها هيئة الأركان ومراكز البحث العسكري، شارك فيها كبار الجنرالات من مختلف القطاعات، إلى عدد من الاستنتاجات لتأهيل الجيش، من ناحية الهيكلة والتسليح والاستراتيجية، ويمكن تلخيصها في النواحي التالية:
1- زيادة عددية، بدلاً من تقليصه كما تقرر سابقاً، وستتم الزيادة لصالح سلاحي المشاة والمدرعات.
2- تعزيزه بلواءين مدرعين، وتحديث سلاح الجو، وتطوير منظومة الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات ضد صواريخ أرض- أرض بعيدة المدى من طراز "سكاد"، ولاعتراض الصواريخ متوسطة المدى، مثل "فجر" أو الصاروخ من عيار 220 ملم، وضد الصواريخ قصيرة المدى.
3- تحسين قدرة المناورة البرية وقدرات تفعيل النار من بعيد، ومنح الأفضلية للمناورة على حساب الجهد الناري، والذي تأسست عليه النظرية الجوية الفاشلة.