شكك الدكتور محمد عصمت سيف الدولة، المحلل السياسي، في مدى صحة تقرير صحيفة نييورك تايمز، حول الدعم المصري لنقل السفارة الأميركية إلي القدس المحتلة، ودعم إقامة عاصمة للدولة الفلسطينية في مدينة رام الله، من حيث حدوث هذا التسريب فعليا.
وأضاف سيف الدولة، في تصريح خاص لـ«رصد»، أنه رغم ذلك فإن كثيرا مما ورد فيه حول الموقف الرسمي المصري من إسرائيل قريب جدا مما يحدث في الحقيقة، وعلى الأخص فيما هو منسوب إلى الضابط الملقن من أن «الصراع مع إسرائيل ليس من مصلحة مصر الوطنية».
وأوضح سيف الدولة، أن الحقيقة أن هذا هو مربط الفرس في كل ما يحدث في المنطقة منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، التي بموجبها انسحبت مصر من الصراع ضد إسرائيل واعترف بشرعيتها وبحقها أن تعيش على أرض فلسطين التاريخية ما عدا الضفة الغربية وغزة، مقابل استرداد سيناء مقيدة السلاح والقوات.
وأكد سيف الدولة أنه منذ ذلك الحين والخطاب الرسمي المصري والمواقف الرسمية المصرية تلتزم بفلسفة ونصوص اتفاقية السلام التي تنحاز إلى أمن إسرائيل على حساب الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي وحقوق الشعب الفلسطيني، متابعا أن هذا ما ورد بالتفصيل في نصوص معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية؛ ففي الملحق الأمني منها قيدت 150 كيلومترا من سيناء من القوات والسلاح مقابل 3 كيلومترات فقط داخل فلسطين التي يسمونها إسرائيل.
وأردف أنه في المادة السادسة تم النص على أولوية المعاهدة على ما عداها من التزامات دولية، كما تم حظر توقيع أية معاهدات أخرى مستقبلية تتناقض مع أحكام هذه المعاهدة، وتم النص أيضا على أن المعاهدة والعلاقات المصرية الإسرائيلية سارية وملزمة بصرف النظر عن أي أطراف أو أحداث تقع خارج علاقة الطرفين، وهو ما يعني أنه مهما فعلت إسرائيل من اعتداءات على العرب والفلسطينيين فإنه لا يحق لمصر أن تنسحب من المعاهدة أو تنتهك أيا من نصوصها وأحكامها.
وأوضح أن هذه عينة مما ورد في نصوص المعاهدة على الورق، أما على الأرض وفي الواقع العملي، فلقد تطورت هيمنة إسرائيل وأميركا على القرار والإرادة المصرية، بحيث أصبحت لهما يد طولى في طبيعة وتوجهات النظام الحاكم في مصر بل فى شخصية من يحكمها، أو على حد قول الدكتور مصطفى الفقي عام 2009 حين قال إن رئيس مصر يجب أن توافق عليه أميركا وتقبله إسرائيل.
وأشار سيف الدولة إلى أنه كان هذا هو الموقف الرسمي المصري منذ 1979 حتى اليوم، إلا أن لعبدالفتاح السيسي إضافاته الخاصة في هذا السياق، فلقد ذهب بالعلاقات المصرية الإسرائيلية إلى أعماق غير مسبوقة لم تكن تخطر على بال السادات أو مبارك نفسيهما.
واعتبر سيف الدولة أن المرحلة الحالية هي «العصر الذهبي للعلاقات المصرية الإسرائيلية؛ حيث العصر الذي قامت إسرائيل لأول مرة بالضغط على الكونجرس الأميركي لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر بعد أن كانت تطالب دائما بإيقافها، وهو العصر الذي لبى السيسي طلبها القديم الذي رفضه مبارك بإخلاء الحدود الدولية من السكان وإقامة منطقة عازلة، وهو العصر الذي انحازت فيه السلطة المصرية علانية إلى إسرائيل في عدوانها على غزة عام 2014، وهو العصر الذي سحبت مصر قرار إدانة المستوطنات الإسرائيلية من مجلس الأمن بعد مكالمة تليفونية من ترامب، وهو العصر الذي أجرى رئيس الجمهورية لقاءات سرية مع نتنياهو أحدهما في القاهرة، والذي صدرت فيه أحكام مستعجلة بتوصيف المقاومة الفلسطينية كمنظمات إرهابية وأحكام مماثلة برفض توصيف إسرائيل كذلك، وهو العصر الذي طالب فيه السيسي عام 2015 بدمج إسرائيل في المنطقة وتوسيع السلام معها لمواجهة المخاطر المشتركة والقائمة تطول».
وأوضح أنه تأكيدا لطبيعة توجهات الإدارة المصرية الحالية بعيدا عن القضية الفلسطينية وهو أنه «كان بمقدور مصر الرسمية لو أرادت أن تستخدم عديدا من أوراق الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل للحيلولة دون صدور قرار نقل السفارة إلى القدس، ولكنها لم تفعل، ولا شك أن ترامب قد استشار مؤسساته حول ردود الفعل المُحتملة من الدول العربية الحليفة والتابعة للولايات المتحدة مثل مصر والسعودية والأردن فى حالة إصداره مثل هذا القرار، ومن الواضح أن كل التقارير جاءت مطمئنة مما شجعه على إصدار قراره».
واختتم سيف الدولة بأن الخلاصة هي أن الفلسفة الرئيسية التي تقوم عليها شرعية النظام الرسمي المصري منذ سنوات بعيدة، سواء كان هذا التسريب صحيحا أم لا، هو أن مصلحتهم ووجودهم وبقاءهم هو مع أميركا وإسرائيل وليس مع فلسطين ولو ضاعت كل الأرض وأبيد كل الشعب واغتُصبت كل المقدسات.