كثيرًا ما يروّج الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمكاسبه التي حققها ضد تنظيم الدولة منذ توليه منصبه؛ لكنّ تعليقاته الأخيرة على الأحداث في سوريا دفعت المسؤولين الأميركيين، من بينهم مسؤولون في إدارته، إلى الإعلان أنّ الوقت الحالي غير مناسب للانسحاب القوات الأميركية.
وقال ترامب في خطاب أمام مؤيديه في كليفلاند إنه من المحتمل خروج أميركا من سوريا قريبًا جدًا، وسيدع «الآخرين» يعتنون بها. بينما أكّد مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية لـ«سي إن إن» أنّ البنتاجون لم يتلقًّ أيّ تفاصيل إضافية من البيت الأبيض منذ تصريحات ترامب، وأنّ السياسة لن تتغير، وهم مستمرون في التركيز على محاربة تنظيم الدولة.
وأعلن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية (السبت) أنّ اجتماع مجلس الأمن القومي الأميركي سيعقد غدًا لمناقشة خطة الإدارة الأميركية العارضة بخصوص سوريا. وأكّد مسؤول آخر رفيع المستوى أنّ أيّ قرار لترامب بالانسحاب من الأراضي السورية سيخالف التقييم العسكري الحالي؛ لأنّ تصريحاته دفعت مسؤوليين أمنيين إلى التخوف من تبعات القرار.
أكبر خسارة
وتحتفظ أميركا حاليًا بنحو ألفي جندي في سوريا، وتدعم «القوات الديمقراطية» -المكوّنة من 50% عرب و50% أكراد وقيادتها كردية- في حربها ضد التنظيم.
ورغبة ترامب الواضحة في الخروج العاجل من سوريا ستثير أيضًا مخاوف لدى شركاء أميركا في المنطقة، لا سيما القوات الديمقراطية؛ ما من شأنه تشجيع النظام السوري وإيران وتركيا على مهاجمة حلفاء أميركا؛ بسبب غياب الانتقام الأميركي.
وقال «ديفيد أديزنيك»، مدير الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنّ أداء القوات الديمقراطية السورية سينخفض إلى حد كبير إذا تخلّت عنها القوات الأميركية، وسيجدون أنفسهم في موقف ضعيف؛ ما قد يدفعهم إلى إبرام صفقة مع النظام السوري.
وأضاف أنّ القوات الأميركية ساهمت مرارًا في منع القوات الروسية من الاستيلاء على حقول النفط والأراضي التي تسيطر عليها القوات الديمقراطية، وما يحيل دون ذلك وجود القوات الأميركية؛ خاصة وأنه لا يوجد ما يمنع الروس من محاولة الهجوم مرة أخرى.
وفي منبج والطنف، ساهمت القوات الأميركية أيضًا في ردع القوات التركية والنظام السوري من قيادة هجمات واسعة النطاق، كما تساعد القوات الأميركية في تأمين الحدود السورية مع العراق، حيث لا زال تنظيم الدولة محافظًا على وجوده في المنطقة؛ وبالتالي العمل سيصبح أكثر صعوبة دون المساعدة الأميركية.
وهو ما يوضح في النهاية أن خروج أميركا من سوريا سيساعد التنظيم في المقام الأول؛ فستنهار المناطق التي تسيطر عليها القوات الأميركية ونجت بالفعل من التنظيم؛ ما يشير إلى أن الصراع سيحتدم مرة أخرى. وتمكّن التنظيم من قبل من استغلال الفوضى التي أحدثتها القوات التركية في شمال سوريا، ولا يوجد ما يمنعه من استغلال تصرف أميركا.
وفي هذا الشهر، حذّرت أميركا من إعادة «تنظيم الدولة» تشكيل نفسه مرة أخرى في مناطق سورية محررة؛ إذ ساهم الانسحاب من أمام القوات التركية فيها من إعادته وتمركزه فيها.
وقال الكونيل «روب مانينج» المتحدث باسم البنتاجون: نحن قلقون للغاية بشأن تأثير انسحابنا على الجهود التي قطعناها في سبيل هزيمة تنظيم الدولة؛ ونرى أنّ إنهاء الهجمات العدائية سيتيح الفرص للتنظيم لإعادة تنظيم صفوفه مرة أخرى.
وذهبت وزارة الخارجية الأميركية إلى أبعد بخطوة؛ بتأكيدها أنّ قوات «تنظيم الدولة» بدأت في إعادة الظهور في الأماكن المحرّرة منهم، وإعادة بناء أنفسهم. وقالت «هيذر نويرت»، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، إنّ الهجمات التركية في «عفرين» ساهمت في صرف الانتباه عن مقاتلة التنظيم وإتاحة الفرصة له لإعادة تشكيل نفسه في مناطق.
وحذّر مسؤولون أميركيون لأسابيع من أنّ الحملة العسكرية التركية ضد القوات الكردية في عفرين، التي بدأت في 20 يناير، يمكن أن تقوّض المعركة ضد التنظيم؛ وبدأ المقاتلون الأكراد الذين يساعدون أميركا في محاربة النتنظيم الانصراف للدفاع عن موطنهم ضد الأتراك.
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية التركية الأسبوع الماضي، أكّدت أنّ ادعاء تعريض هجوم عفرين قتال داعش للخطر «خاطئ» ويقوض جهودنا الفعلية في مكافحة الإرهاب بسوريا.
وفي خطاب ألقاه في يناير لشرح سياسة إدارة ترامب بشأن سوريا، قال وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» إنّ أميركا ستبقى في سوريا حتى استقرار الأوضاع، وستحتفظ بوجودٍ عسكريّ فيها يركّز على ضمان ألا يعود التنيظم، لأن المعركة ضده لم تنته.
تعقيد الصراع
بالتالي، أكبر المستفيدين روسيا وإيران وتركيا، وهناك مخاطر من تعقيد الصراع وبدء هذه الدول إطلاق هجمات ضد بعضهم بعضًا؛ خاصة وأنّ الروس استعانوا بمرتزقة للقتال مع القوات الموالية للأسد، وقتل بعضهم في ضربات أميركية في فبراير الماضي. وقال أصدقاء للقتلى وعائلاتهم إنّ أميركا وروسيا حافظتا على قنوات اتصال مفتوحة بينهما لتجنب القتال المباشر؛ لكنّ خطوط الحرب لا تمنع أي صراع.
وسيساهم انسحاب أميركا في خلق فراغ في المنطقة، على غرار ما حدث بعد مغادرة العراق، ويتفق الخبراء على أن روسيا ستسارع لملء الفراغ.
وقالت «أنجيلا ستنت»، مديرة مركز الدراسات الأوروبية الآسيوية والروسية والشرقية في جامعة جورجتاون، إنّ انسحاب أميركا سيعطي لروسيا الحرية تلتصرف كما تشاء في سوريا، متساءلة عما كان يفكر فيه ترامب أثناء إعلانه قرار الانسحاب، مؤكدة أيضًا أنه سيساعد إيران؛ فبمغادرة أميركا ستتمكن إيران من تأمين طريقها البري من دمشق لطهران، ما يضمن لها مزيدًا من النفوذ الإقليمي.